هل ما زلنا بحاجة إلى الأمم المتحدة؟

كابي طبراني*

“نحنُ شعوبُ الأمم المتحدة وقد آلينا على أنفسِنا أن نُنقِذَ الأجيالَ المُقبلة من ويلاتِ الحرب … وأنشأنا بمقتضاه هيئة دولية تُسمّى الأمم المتحدة”.

هذه الكلمات، المأخوذة من ديباجة الميثاق التأسيسي للأمم المتحدة، تُعبِّرُ عن طموحِ وبُعدِ نَظَرِ وتفاؤلِ القادة الذين أسّسوا المنظّمة الدولية في العام 1945. لكنها اليوم تبدو كلمات جوفاء بعض الشيء.

في 24 شباط (فبراير) الفائت، بعد سنواتٍ من التوتّر وأشهرٍ من القلق، شنّت روسيا غزوًا واسع النطاق على أوكرانيا. مع قيامِ مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي والفضائيات بمشاركة ما يجري مباشرة على الإنترنت وعبر الأقمار الاصطناعية، فقد خيّم الرعب على العالم فيما كانت القوات الأوكرانية تُدافِعُ بشراسة عن ديموقراطيتها.

لقد أدخلت الأزمة الأمم المتحدة في حالةٍ من الفوضى. على الرغم من انعقاد مجلس الأمن الدولي في جلسة طارئة فور الغزو، فقد استخدمت روسيا حق النقض (الفيتو) لمنع مشروع قرار كان من شأنه أن يشجب الغزو باعتباره انتهاكًا للقانون الدولي “بأقوى العبارات”. ثم دعا مجلس الأمن إلى جلسة استثنائية طارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة – الأولى منذ 40 عامًا – لمناقشة قرار آخر غير مُلزِم، لكنه معنوي، يُدين روسيا، والذي أُقِرَّ بتأييد 141 دولة ورفض 5 دول وامتناع 35 عن التصويت (بينها الصين). ويُطالِب القرار الذي صدر بعد أكثر من يومين من المداخلات موسكو “بأن تسحَبَ على نحوٍ فوري وكامل وغير مشروط جميع قواتها العسكرية” من أوكرانيا، و”يدين قرار روسيا زيادة حالة تأهب قواتها النووية”.

وهذا، بالطبع، هو ببساطة أحدث مثال على كيف أن “ويلات الحرب” لا تزال تُهدّد العالم. مع اندلاعِ الصراعات أيضًا في اليمن وإثيوبيا وأفغانستان -على سبيل المثال لا الحصر- من الواضح أن الأمم المتحدة لم ترقَ فيها إلى مستوى التوقّعات العالية التي وضعها مؤسّسوها. نظرًا إلى أن المنظمة الدولية تبدو مشلولة وغير قادرة على ما يبدو لمنع النزاعات وحلّها، فلا عجب أن الكثيرين حول العالم اليوم يشعرون أنها باتت منظمة غير ذات صلة وعفا عليها الزمن. على سبيل المثال، قال أكثر من نصف الشباب الذين شملتهم الدراسة التي أجرتها الأمم المتحدة في العام 2020 إنهم يرون أنها “بعيدة من حياتهم واهتماماتهم ولا يعرفون الكثير عنها”.

إضافةً إلى هذا الإحساس بالفشل وخيبة الأمل، شهد هذا الأسبوع إصدار الفصل الثاني من التقييم المناخي الشامل للهيئة الدولية المعنية بتغيّر المناخ، والذي يُركِّزُ على “الآثار والتكيّف وقابلية التأثر”. سارع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى تلخيص التقرير بأنه “أطلسٌ للمعاناة الإنسانية” و “لائحةُ اتهامٍ دامغةٍ للقيادةِ الفاشلة” – وهو نقدٌ يشمل أيضًا المنظمة نفسها التي يترأسّها.

وفقًا للتقرير، فإن البشرية ليست على المسار الصحيح لتحقيقِ عالَمٍ مُستَدامٍ وقادرٍ على الصمود في وجه تغيّر المناخ. في هذه المرحلة، لا مفرّ من حدوث قدرٍ من الدمار نتيجةً لتغيّر المناخ، حتى لو نجحنا في الحد من الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة فوق مستويات ما قبل الصناعة – وهو هدفٌ لا يزال بعيد المنال. وعلى الرغم من عددٍ لا يُحصى من مؤتمرات القمّة والبيانات التي رعتها الأمم المتحدة، فإن أقل من 15 في المئة من أراضي العالم، و21 في المئة من مياهه العذبة و8 في المئة من محيطاته هي محمية حاليًا، وهي بالتالي بعيدة كل البعد من 30 إلى 50 في المئة المطلوبَتَين.

تغيّرُ المناخ ليس حربًا، ولم يتم ذكره في ميثاق الأمم المتحدة، الذي تمت صياغته قبل فترة طويلة من فهم آثار الاحتباس الحراري. ومع ذلك، في القرن الحادي والعشرين، لا توجد طريقة “لإنقاذ الأجيال المقبلة” بدون معالجة حالة الطوارئ الكوكبية. إن الكفاحَ ضد تغيّرِ المناخ معركةٌ من أجل مستقبل البشرية. إذا كانت الأمم المتحدة لا تستطيع الوفاء بالوعد الأساسي الذي تم تَوَقُّعه أصلًا من وجودها، فقد يكون من المفيد التساؤل: هل ما زلنا بحاجة إلى الأمم المتحدة؟

تاريخيًّا، كان الأثر الإيجابي للأمم المتحدة واضحًا. منذ تأسيسها في العام 1945، انخفض تواتر الحروب وحجمها وعدد القتلى فيها – على الرغم من أن ذلك موضوعٌ مطروحٌ لبعض النقاش. لقد أدّت العَولَمة، على سبيل المثال، إلى جعل البلدان مُترابطة بشكلٍ متزايد، سياسيًا وماليًا، لذا فإن أيَّ صراع الآن يُعرِّضُ للخطر ليس مصالح الأطراف المتحاربة فحسب، بل مصالح المجتمع الدولي بأسره. وهذا رادعٌ قوي. على العموم، هناك أدلّة قوية تشير إلى أن الأمم المتحدة نفسها ساعدت على جعل العالم أكثر سلامًا مما كان عليه من قبل من خلال تعزيز الحوار العالمي، وتشكيل القواعد وتطوير القوانين الدولية التي تُدين “التهديد باستخدام القوة أو استخدامها”.

وبالمثل، فقد استفاد العالم من 30 عامًا من التعاون الدولي في مجال المناخ بقيادة الأمم المتحدة. وفقًا لورقة نشرتها في أيلول (سبتمبر) مؤسسة الأمم المتحدة بالتعاون مع مؤسسة الأبحاث الأوروبية لتغيّر المناخ “E3G” والمنظمة الإلمانية غير الربحية “Climate Analytics”، لولا العمل والتعاون الدوليَين، لكان العالم الآن تجاوز بالفعل عتبة 1.5 درجة مئوية من الاحترار الخطير، أو سيكون على وشك الوصول إلى ذلك قريبًا. في هذه المرحلة، ستكون تكاليف تغيّر المناخ “أكبر من تلك التي تجري مناقشتها حاليًا”، وستكون لدينا “فرصة صفرية تقريبًا لإبعاد الإنسانية عن الهاوية”.

لذلك، فإن قيمة عمل الأمم المتحدة في مجال السلام والعمل المناخي – ناهيك عن المساواة بين الجنسين والصحة العالمية وكل شيء آخر وارد في أهداف التنمية المستدامة لعام 2030 – واضحة تمامًا. لكن هذا لا يعني أن أولئك الذين خاب أملهم من المنظمة الدولية مُخطئون، أو أن الأمم المتحدة ستكون مطلوبة وضرورية دائمًا.

بينما كانت الأمم المتحدة والهيئات العالمية الأخرى تتردّد وتتفاوض، كان الناس في جميع أنحاء العالم يتقدّمون لأخذ الأمور بأيديهم. على سبيل المثال، في أوكرانيا، نظّمت المنظمات غير الحكومية والشبكات الشعبية الواسعة تبرّعات للاجئين الأوكرانيين. بل إن الشباب هم الذين يُصمّمون ويقودون برامجهم الخاصة لحفظ السلام.

يُكرّرُ هذا الاتجاه ما كان يحدث في الساحة المناخية، حيث ظهر العديد من جهود المرونة المناخية الأكثر طموحًا على المستوى المحلي، والتي ابتكرتها المنظمات الشعبية أو إدارات المدن. على سبيل المثال، اجتمعت مجموعةٌ عالمية من رؤساء البلديات لتشكيل مجموعة القيادة المناخية للمُدُن الأربعين (C40)، وتبادلوا الأفكار والمعلومات من أجل مساعدة بعضهم البعض على تحقيقِ خططِ عملٍ مناخيةٍ طموحة. عندما خذلتهم القيادة العالمية، قام الناس بإنشاء مساحات خاصة بهم للإنخراط وتنفيذ حلولهم الخاصة.

لا شك أن لدى الأمم المتحدة دورًا لا يُقدّر بثمن لتلعبه في تنسيق هذه الجهود المحلية لمنع التجزئة الإقليمية والإيديولوجية، وتعزيز الحلول الشاملة بعيدة النظر لتحديات القرن الحادي والعشرين. ومع ذلك، إذا استمرت البيروقراطية في شلّها ومُنقَسمة بسبب تضارب المصالح الوطنية، فلن تكون مُناسِبة ومُلائمة للغرض. وإذا فشلت في إيجاد طُرُقٍ مُبتَكَرة وذات مغزى للعمل مع هؤلاء الفاعلين المحليين المغامرين، فقد تصبح أيضًا غير ذات صلة.

لم يكن إنقاذ الأجيال المقبلة مهمّة سهلة أبدًا – ولكن هذا ليس عُذرًا لعدم المحاولة.

  • كابي طبراني هو ناشر ورئيس تحرير مجلة وموقع “أسواق العرب” الصادرين من لندن. ألّف خمسة كتب بالعربية والإنكليزية من بينها “الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني: من وعد بلفور إلى إعلان بوش” (2008)؛ “كيف تُخطّط إيران لمواجهة أميركا والهَيمَنة على الشرق الأوسط” (2008)؛ و”معاقل الجهاد الجديدة: لماذا فشل الغرب في احتواء الأصولية الإسلامية”، (2011). يُمكن متابعته عبر موقعه: gabrielgtabarani.com أو عبر تويتر على:  @GabyTabarani

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى