العرب وبوتين وحسني البورظان

عرفان نظام الدين*

تمرّ الأيام وتتلاحق الأحداث وتبقى مقولة الفنان الراحل نهاد قلعي (الخربوطلي) (المعروف فنّيًّا بحسني البورظان): اذا أردتَ أن تعرفَ ماذا يحدث في إيطاليا عليك ان تعرف ماذا يحدث في البرازيل. ارددها هنا اليوم بمناسبة الغزو الروسي لاوكرانيا لأنه لا بدَّ أن يؤثر في العرب بشكلٍ او بآخر حسب ما تعوّدنا عبر السنين.
فعندما تتقاتل الفيلة تسحق الأزهار وهذا ما حدث عند وقوع مئات الأحداث الكبيرة عندما دفع العرب أثمانًا باهظة بحربٍ ساخنة أو حرب باردة بسبب ضعفهم وتفكّكهم ولامبالاتهم مُقابل مطامع الشرق والغرب بثرواتهم، والصراع على كسب مراكز النفوذ بالقوّة أو بالتحايل أو بالمُحاصصة.
واول ما يُمكن التاكيد عليه أن حربَ أوكرانيا هي نتاجُ تراكمات الاحداث والاتجاه لفتح الملفات التي طُويت بعد الحرب العالمية الثانية وما تبعها من تنافسٍ على توزيع تركة الاتحاد السوفياتي بعد انهياره والزعم بان الحرب الباردة قد انتهت، وإننا نعيشُ الآن تحت مظلة نظامٍ جديد مُتأرجح.
وقد ضرب فلاديمير بوتين ضربته ضمن سياسة القضم التي اتبعها منذ تسلمه سدّة الحكم الكرملين، مُعتَمِدًا على واقع ضعف الولايات المتحدة منذ عهدَي باراك اوباما المتخاذل ودونالد ترامب المُتواطئء، وتفكّك الاتحاد الاوروبي وضعف قياداته وانسحاب بريطانيا من الاتحاد، مقابل تحالفاته الاستراتيجية مع الصين وإيران وعلاقاته الجيدة مع تركيا (قد تتدهور بسبب تاييدها لاوكرانيا) ودول عربية عدة بينها المملكة العربية السعودية.
لكن بوتين لم يَخفِ طموحاته بإعادة تركيب الاتحاد السوفياتي، وضمِّ دوله الواحدة بعد الأخرى. واعتمد على ردّات الفعل الخافتة من احتلال الشيشان وتدمير مدنها ثم استعادة بعض أجزاء من جورجيا بكل سهولة تبعها بضربة احتلال جزيرة القرم التي كانت جُزءًا من أوكرانيا من دون أن ننسى تحقيق أحلام القياصرة بوصول روسيا الى المياه الدافئة وإقامة قواعد عسكرية جوية وبرية في سواحل سوريا تحت سمع العالم وبصره.
لكن السؤال المهم هو: ماذا بعد؟ وهل سينجح بوتين في ضربته الجديدة؟ الأكيد أن الأمرَ مُتَوَقِّفٌ على نتائج الهجوم ومدى نجاحه في فرض الامر الواقع وإمكانية أن يُغريه شيطان الجشع بإكمال الطريق إلى أوكرانيا بكاملها، رُغم استبعاد ذلك. لكن كل الدلائل تشير الى أنه لن يفلتَ هذه المرة من العواقب الوخيمة والعقوبات الشديدة وإضاعة سبل الحوار والتواصل. والخسارة الكبرى التي جناها منذ اليوم الأول تمثّلت في توحيد الغرب وإعادة احياء حلف الناتو لأول مرة منذ انتهاء الحرب الباردة، إضافةً إلى خسارة شركاء مهمين مثل ألمانيا وصحوة العملاق الأميركي في عهد جو بايدن بعد ان استهزأ به كثيرون، ولم يحسب حساب القوة الأميركية.
لقد ارتكب بوتين الخطيئة نفسها التي ارتكبها قبله الرئيس العراقي الراحل صدام حسين عند احتلاله للكويت مُستَخِفّاً بكل التحذيرات والتوازنات والمصالح الدولية. وهذا يُعيدُنا الى البداية لمعرفة ما سيجنيه في أوكرانيا لنعرف ماذا سيجري في المنطقة العربية مهما كانت نتائج غزوة بوتين. ولكن من يتابع مجريات الاحداث العالمية والثمن الذي دفعه العرب بعد الحربين العالميتين والنزاعات الدولية من اتفاقات سايكس بيكو الى “وعد بلفور” وضياع فلسطين وتقسيم الدول العربية وعودة احتلال بعض الدول مثل ليبيا، يعلم أن الاثمان ستكون أعظم بعد عودة الحرب الباردة وتوقع جرّ العرب الى شرق أو غرب لدفع أثمانٍ جديدة. وبكل أسف فإنهم لا يشعرون بالأخطار ولا يستعدّون لمواجهتها ولا يُعيدون رصّ الصفوف وتوحيدها … والله يستر من الأعظم،

  • عرفان نظام الدين هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي مقيم في لندن. كا سابقًا رئيس تحرير صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى