لماذا تُقَرِّبُ الأزمَةُ الأوكرانية روسيا والصين؟

شيرلي زِي يُو*

عزّزت الصين وروسيا طموحهما الأوروبي-الآسيوي (الأوراسي) المُشترَك من خلال تنحية خلافاتهما التاريخية جانبًا. كانت الرسالةُ المُشتَركة للرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في يوم افتتاح أولمبياد بكين الشتوية هي تعزيز البدائل لما يُسَمَّى بالديموقراطية الليبرالية، وإلغاءُ دَولَرة التجارة الثنائية وتفكيك الهيمنة الأميركية على هيكل الأمن العالمي.

إتِّحادٌ من “نوعٍ ما” يُحافِظُ على قوّة ومصالح كلا البلدين في مواجهة التقدّم الشرقي لحلف شمال الأطلسي (الناتو) والشراكات الأمنية التي يقودها الغرب والمعروفة بالرباعية (التي تضم أوستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة) وأوكوس (التي تضم أوستراليا، المملكة الكتحدة والولايات المتحدة).

عبر التاريخ، كان هناك العديدُ من نقاطِ الخلاف وانعدام الثقة بين البلدين. في تشرين الأول (أكتوبر) 1969، حَمَّلَ الاتحاد السوفياتي صاروخًا بمئات الأطنان من المواد النووية المُوَجّهة إلى الصين. توجّه يومها الرئيس ماو تسي تونغ إلى مدينة ووهان وقبع كبار الضباط العسكريين في ملجَإٍ تحت الأرض.

كانت تلك اللحظة هي الأقرب إلى خطر نووي عاشتها الصين الشيوعية. تدخّل الرئيس الأميركي آنذاك ريتشارد نيكسون وساعد على إنقاذ الصين من الوقوع كضحية نووية كبرى على يد الإتحاد السوفياتي في ذروة الحرب الباردة. حافظ الغرب على انتصاره. حصلت الصين على حقّها في الأمن والازدهار. الباقي هو تاريخ.

لكن التاريخ يُقدِّمُ أيضًا دليلًا آخر على تحالف أوراسي مُعَقَّد. يُشكِّلُ نهر “أمور” الحدود بين أقصى شرق روسيا وشمال شرق الصين. في العام 1858، ضمّت روسيا الإمبراطورية منطقة من أراضي بلاط تشينغ الصينية والتي هي أكبر من أوكرانيا وأكثر من 600 ضعف مساحة هونغ كونغ. بعد قرن من الزمان، أعاد البريطانيون هونغ كونغ إلى الصين، لكن منطقة أمور لا تزال تحت السيطرة الروسية.

ربما لم تعد الصين تُقدِّر المساعدة الأميركية منذ عقود، لكن الاعتقادَ بأنها تعتبر روسيا الآن دولة حليفة مُقرَّبة هو أمرٌ وهمي. لا تزال الأراضي الصينية التي تم التنازل عنها تُمثِّلُ خطَّ صَدعٍ خامدًا، ولا يمكن أن تقل أهميتها عن تايوان أو جزر بحر الصين الجنوبي، في حالة اندلعت توترات. ومع ذلك، فإنه من غير المرجح أن يندلعَ أيُّ توتّرٍ بين البلدين بشأن هذه القضية في الوقت الحالي؛ تحالفهما الاستراتيجي هو مكسب أكبر للصين.

وقّعَ البلدان صفقات كبيرة في مجال الطاقة تُقدَّر بنحو 137 مليار دولار، في وقتٍ تحتاج موسكو إلى نفوذٍ اقتصادي.

قد تضطر ألمانيا، التي تعتمد بشكل كبير على إمدادات الغاز الطبيعي المُسال الروسي، إلى التخلّي عن مشروع خط أنابيب الغاز “نورد ستريم” في حالة غزت روسيا أوكرانيا. في غضون ذلك، أعلنت الولايات المتحدة بأنها قد تُزيل روسيا من نظام المقاصة والتحويلات الدولية للدولار المٌسمّى “سويفت”. للتقليل من هذا التهديد، تودّ موسكو أن ترى تجارتها والعملة التي تتاجر بها مُنفَصِلتين عن الغرب.

من خلال توسيع التجارة بين الصين وروسيا بمقدار 60 مليار دولار إلى 200 مليار دولار في العام 2022، تُخطِّطُ الصين لتحويل الكثير من التزامات الشراء الفائتة والمُلزِمة بموجب المرحلة الأولى من اتفاق التجارة بين الولايات المتحدة والصين إلى روسيا.

مع وصول أسعار الطاقة إلى أعلى مستوياتها منذ سنوات عدة، فإن عقد اتفاقات الشراء يؤدي إلى مخاطر دفع علاوة. بالإضافة إلى ذلك، سيتم تسوية ودفع تجارة النفط باليورو. على الرغم من أن إلغاء الدولار يناسب الاستراتيجية الوطنية للصين، فلماذا لم يتم تسوية التجارة باليوان الصيني؟ بصفتها أكبر مستورد للطاقة في العالم، ترغب الصين في دورٍ أكبر لليوان كعملة تجارية عالمية.

في البرنامج الإخباري “واجِه الصحافة” (Meet the Press) الذي تبثّه شبكة “أن بي سي” الأميركية كل يوم أحد، قال مستشار الأمن القومي الأميركي جايك سوليفان أخيرًا أن الصين ستنتهي بامتلاكِ جُزءٍ من تكلفة الغزو الروسي لأوكرانيا.

إذا لم تَغزُ موسكو أوكرانيا، فستكون الصين وروسيا في وضعٍ أفضل. ولكن إذا حدث ذلك، فسيتحمّل الغرب أعلى التكاليف الاقتصادية، حيث ارتفع التضخم بشكلٍ حاد في الأشهر الأخيرة. وقد يؤدي الارتفاع المفاجئ الآخر في التضخم إلى تفاقم عدم الشعبية السياسية للإدارة الأميركية الحالية، وتعطيل خطة الاحتياطي الفيدرالي بتشديد سعر الفائدة، وإذا أسيئت إدارة الوضع، قد يؤدي ذلك إلى انهيار مالي.

يجب على الصين أيضًا أن تضع في اعتبارها أن روسيا تعتمد أيضًا بذكاء على علاقتها مع الهند. ذهب ما يقرب من ربع مبيعات الأسلحة الروسية إلى الهند بين العامين 2016 و2020. إن الشراكة الدفاعية الروسية مع الهند تضع الصين في موقف محفوف بالمخاطر – وهي إعادة لما تصوّره نيكسون ووزير الخارجية الأميركي آنذاك هنري كيسنجر خلال الحرب الباردة من خلال تطويق الإتحاد السوفياتي بواسطة الصين. من مصلحة روسيا ألّا ترى صعود الصين كزعيمة وحيدة في شرق أوراسيا. وإلى أن تصبح الصين ذلك، فإن التكامل يتفوَّق على تضارب المصالح بين الجارتين.

ومن المنطقي أيضًا أن تُوحِّد الصين وروسيا اعتراضهما على تقدم وتوسع الناتو شرقًا. تُركّز منظمة شنغهاي للتعاون، وهي اتفاقية أمنية إقليمية عمادها الصين وروسيا، على الحدود الأمنية باعتبارها النظير الأصغر لحلف شمال الأطلسي في الشرق. تهدف هذه الاتفاقية إلى مزيد من التطور إلى منطقة تجارة حرة.

إلى جانب القوّة الصارمة، صاغت الصين وروسيا روحًا مشتركة حول الديموقراطية والتنمية والأمن والنظام العالمي الوشيك. يرى كلاهما “مركزًا جديدًا للنمو الاقتصادي والنفوذ السياسي” لا ينفصل فيهما الاستقرار والازدهار، والديموقراطية قابلة للتغيير والاستبدال.

كما أن كلا البلدين يحملان أحلامًا بالتجديد الوطني. هاتان القوتان الطموحتان تبحثان عن بعضهما البعض. قد يكون الاجتماع بين قادتهما في بداية أولمبياد بكين قد أعاد تشكيل الجغرافيا السياسية الأوروبية-الآسيوية.

  • الدكتورة شيرلي زي يو هي خبيرة اقتصادية سياسية وزميلة غير مقيمة في كلية كينيدي للإدارة الحكومية في جامعة هارفارد. يمكن متابعتها عبر تويتر على: @shirleyzeyu
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى