مَع أو بدونِ اتفاقٍ نووي، إيران ستكونُ تَحَدِّيًا لبايدن

كابي طبراني*

منذ نيسان (إبريل) الماضي، انخرطت الولايات المتحدة في مفاوضاتٍ غير مُباشِرة مع إيران لاستعادة اتفاق 2015 الذي يَحُدُّ من برنامج طهران النووي المعروف رسميًا ب”خطة العمل الشاملة المشتركة”. إذا نجحت هذه المحادثات، أو فَشِلَت، فسوف يتردّد صدى تأثيرها عبر مجموعةٍ من القضايا الأخرى، غير ملف حظر الانتشار النووي، التي تختلف بشأنها أميركا والجمهورية الإسلامية.

عندما انسحبت إدارة دونالد ترامب من خطة العمل الشاملة المشتركة في العام 2018، وضعت 12 مطلبًا تتناول جوانب مختلفة من السياسة الإيرانية التي أرادت واشنطن من طهران تغييرها. من بين المخاوف التي حدّدتها ثلاثٌ لها علاقة بشكلٍ مباشر بالبرنامج النووي، وواحدة تناولت القضايا الثنائية – وهي إطلاق سراح المواطنين الأميركيين إلى جانب مواطني الحلفاء الذين تحتجزهم الجمهورية الإسلامية. وتناول الباقي الموقف الإقليمي لإيران، بما في ذلك تطوير الصواريخ الباليستية، الذي أرادت واشنطن إيقافه، وشبكة الوكلاء والشركاء من اليمن إلى المشرق العربي، والتي أرادت الولايات المتحدة حلّها وعدم دعمها. لتحقيق هذه الغايات، استخدمت إدارة ترامب الضغط المالي في المقام الأول، مع الإستخدام المُكَثَّف للعقوبات الأحادية التي ألحقت أضرارًا كبيرة بالاقتصاد الإيراني، لكنها لم تُحقِّق عائدًا كبيرًا على الجبهة النووية، التي كثَّفت إيران نشاطها، أو في إضعاف القدرات الإيرانية عبر الشرق الأوسط.

في ما يتعلق بالتهديدات من إيران، كما تراها واشنطن، لم تختلف قائمة إدارة بايدن اختلافًا جوهريًا عن القائمة السابقة: خطر الوصول إلى قدرة تصنيع أسلحة نووية، والتقدّم في مجال الأسلحة التقليدية، وقدرة طهران على ممارسة نفوذها ضد المصالح الأميركية ومصالح حلفائها عبر ما تُسمّيه “محور الممانعة” الذي يضمّ الحوثيين في اليمن، والوحدات الشيعية شبه العسكرية في العراق، والقوات الموالية للأسد في سوريا، و”حزب الله” في لبنان، ومُنَظّمتَي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” الفلسطينيتين في غزة. لكن ما تغيّر هو التسلسل والوسائل التي يتعامل بها فريق بايدن مع هذه القضايا.

أدّى توسّعُ النشاط النووي الإيراني منذ العام 2019 إلى أبعد من حدود خطة العمل الشاملة المشتركة، والقبول الظاهري للاتفاقية كخطٍّ أساس من الطرفَين للتفاوض، إلى اتخاذ إدارة بايدن القرار بمواصلة إحياء الصفقة كمنصّة افتتاحية للانخراط مع طهران. في السنوات الثلاث الماضية، قامت إيران بتخصيب اليورانيوم إلى مستوياتٍ غير مسبوقة، كما عملت على بناءِ مخزونٍ من اليورانيوم يتجاوز بكثير حدود الاتفاقية، وأجرت أبحاثًا وتطويرًا محظورًا، وقيّدت عمليات التفتيش الدولية لمنشآتها النووية. مع ذلك، في الوقت الحالي، لا تزال احتمالات التخلّي عن هذه التطورات والتراجع عنها غامضة ومختلطة بشكلٍ قاطع.

أدّى انتقالُ السلطة في آب (أغسطس) 2021 من الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني إلى الرئيس الحالي الأكثر تشدّدًا، إبراهيم رئيسي، إلى توقّفِ محادثات فيينا لمدة خمسة أشهر والتهديد بإلغاء التقدّم الذي أُحرِزَ في ست جولاتٍ من المُداولات التي نسّقها الاتحاد الأوروبي. منذ ذلك الحين، وعلى خلفية النمو المستمر في النشاط النووي الإيراني، فإن أسابيع من وضعِ إطارِ عملٍ لعَكسِ هذا التوسّع، وتحديد نطاق تخفيف العقوبات الأميركية وتسلسل التزامات كل جانب، تتوقّف الآن على القرارات السياسية التي يمكن اتخاذها أو رفضها في العواصم المعنية.

في سيناريو يتم فيه إحياء خطة العمل المشتركة الشاملة وتنفيذها، فإن أزمةَ عدم انتشار الأسلحة النووية المُحتَدِمة ستأتي في المُقدّمة في الوقت الحالي. لكن من المرجح أن ترى واشنطن، وبالتأكيد العديد من حلفائها الإقليميين، لحظةً ليست فقط واعدة ولكن أيضًا خطرة. تنصّ الصفقة الأساسية للاتفاقية على أنه في مُقابلِ الحدِّ من نشاطها النووي، ستستفيد إيران من المكاسب الاقتصادية للتجارة الطبيعية، بما فيها في القطاعات الرئيسة المُدِرَّة للدخل مثل النفط والغاز. القلق، الذي عبّرت عنه بعض دول الخليج العربية وإسرائيل بشكلٍ مُتَكَرِّر، هو أن طهران ستستخدم الأموال المتزايدة لتعزيز قدرتها العسكرية وقدرات الجماعات المسلحة التي تدعمها في جميع أنحاء المنطقة. النتيجة، كما حذّر رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت أخيرًا، ستكون “الإرهاب على المُنَشِّطات”.

إستنادًا إلى التصريحات والسياسات السابقة، من المُرجَّح أن تتضمّن استراتيجية إدارة بايدن، فيما تستمر المحادثات في فيينا، ثلاثة عناصر رئيسة. الأول هو التأكيد على أن العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة لن تُشكِّلَ تفويضًا مُطلَقًا لما تعتبره الولايات المتحدة استفزازًا إيرانيًا في مجالاتٍ أخرى، حيث لا تزال العقوباتُ أداةً مُحتَمَلة لمُعالجة النشاط غير النووي. والثاني هو العمل مع حلفائها في الشرق الأوسط على بناءِ قدراتهم العسكرية لمواجهة التهديد الإيراني بشكلٍ أفضل. الخطواتُ التي تمَّ اتخاذها بالفعل لتحقيق هذه الغاية – مثل مجموعة عمل ثنائية أميركية-إسرائيلية تُركّز على المخاوف المتزايدة حول انتشار الطائرات المُسَيَّرة الإيرانية، وكذلك التحرّكات لتعزيزِ القُدرات الدفاعية في الخليج ضد الهجمات الجوية والبحرية – تُقدِّمُ فكرةً عن كيفية تنفيذ ذلك. في الواقع، يُمكِنُ تطبيقُ أيّ واحدة من هاتين الطريقتين بغض النظر عما إذا كانت مفاوضات فيينا وصلت إلى نقطة انفراج أو انهيار: في حالة الأولى كضمانٍ للشركاء الإقليميين، وفي الحالة الثانية كرادعٍ مقصودٍ إذا استعرضت طهران عضلاتها الإقليمية ضد مصالح الولايات المتحدة ومصالح حلفائها.

العنصر الثالث المُحتَمَل للنهج الأميركي يعتمد على تسويةٍ ديبلوماسية، وربما الأكثر تحدّيًا: استخدام خطة العمل الشاملة المشتركة كأساسٍ لإشراكِ إيران في القضايا التي تتجاوز شروط الاتفاقية الحالية. حتى الآن، رفضت الجمهورية الإسلامية إلى حدٍّ كبيرٍ إمكانية إجراء محادثات مبدئية حول صفقةٍ “أطول وأقوى”، إما مع الولايات المتحدة على الصعيد الثنائي أو مع القوى العالمية المشاركة في محادثات فيينا: المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين، (المعروفة مجتمعة ب”مجموعة 4+1).

لكن هناك خلافًا وتَوَتُّرًا بين الحفاظ على هذا الموقف وتأمين التفاهم “الدائم والموثوق” الذي تقول طهران إنها تسعى إليه. لا يمكن لإدارة بايدن أن تُملي أي سياسة على الإدارة التي ستخلفها، وإذا كان هدفُ إيران هو تجنّب الصدمة الاقتصادية لانسحابٍ أميركيٍّ ثانٍ من خطة العمل الشاملة المشتركة من قبل رئيسٍ أميركي لاحق، مُضَيِّقةً الفجوات في مجالات الخلاف الأخرى – في كثير من الحالات التي تنطوي على مخاوف مشتركة مع الحكومات الأوروبية – من شأن ذلك أن يجعل الترتيب أكثر ديمومة. إذا انهارت مفاوضات فيينا، فقد تكون النقطة موضع نقاش. في حين أنه قد لا يزال هناك محورٌ ديبلوماسي نحو إيجاد بدائل لخطة العمل الشاملة المشتركة، إما في شكل صفقةٍ مؤقتة أو ترتيبٍ مُنَقَّح كليًا، إلّا أن هذا الجهد قد يضطر أولًا إلى اجتياز فترةٍ من سياسة حافة الهاوية المُتزايدة.

قد تدعم الولايات المتحدة أيضًا الحوار بين إيران وجيرانها، وتحديدًا مع دول الخليج العربية، إما كمُكَمِّلٍ أو أساسٍ لمحاولات تهدئة التوترات مع إيران. تواصلت كلٌّ من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية في الآونة الأخيرة بهدوء مع إيران على صعيدٍ ثُنائي، وفي تشرين الثاني (نوفنبر)، أشارت الحكومات الست في مجلس التعاون الخليجي، في بيانٍ مُشتَرَك مع الولايات المتحدة، إلى أن “العلاقات الاقتصادية الأعمق بعد رفع العقوبات الأميركية بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة هي مصلحة مشتركة للمنطقة “- قبل أن تُضيف أن” هذه الجهود الديبلوماسية لن تنجح إذا استمرت إيران في إثارة أزمة نووية”. إشاراتٌ من قبل المسؤولين الأميركيين إلى “مناقشة إقليمية” حول القضايا الأمنية أيضًا تُشيرُ إلى وجود مصلحة مُحتَملة في رؤية قضايا مثل تطوير الصواريخ الباليستية والدعم الإيراني للجهات الفاعلة غير الحكومية يتم طرحها بتنسيق محلي ولكن بدعمٍ دولي. لكن بينما تنظر طهران إلى تحسين العلاقات الديبلوماسية مع دول الخليج العربية – والاستفادة بالتأكيد من المشاركة الاقتصادية المتزايدة معها – بشكلٍ إيجابي من حيث المبدأ، فإن المدى الذي يمكن أن تذهب إليه في تلبية المخاوف الأمنية لجيرانها من الناحية العملية أمرٌ غير مُؤكَّد وغامضٌ للغاية.

إن خطة العمل الشاملة المشتركة، وربما تكون مرة أخرى، اتفاقية حظر انتشار الأسلحة التي تم التوصل إليها كانت بين خصمَين قديمين. على الرغم من أنها لم تحلّ قائمة الخلافات الأطول بين واشنطن وطهران، إلّا أنها أظهرت إمكانية إيجاد أُطُرٍ غير صفرية لاحتواء بعضها. يعتمد الآن ما إذا كان سيتم استئناف هذا الفهم التكتيكي وربما تحسينه أو التخّلي عنه تمامًا على نتيجة المفاوضات النووية. في حالة إعاقة احتمالات حدوث تحسّن محدود في العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وإيران بسبب طريق مسدود في فيينا، فإن التداعيات ستمتد عبر منطقةٍ تُراقِبُ بقلقٍ كيف ستلعب الدولتان لعبتهما في الفترة الآتية والمرة المقبلة.

  • كابي طبراني هو ناشر ورئيس تحرير مجلة وموقع “أسواق العرب” الصادرين من لندن. ألّف خمسة كتب بالعربية والإنكليزية من بينها “الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني: من وعد بلفور إلى إعلان بوش” (2008)؛ “كيف تُخطّط إيران لمواجهة أميركا والهَيمَنة على الشرق الأوسط” (2008)؛ و”معاقل الجهاد الجديدة: لماذا فشل الغرب في احتواء الأصولية الإسلامية”، (2011). يُمكن متابعته عبر موقعه: gabrielgtabarani.com أو عبر تويتر على:  @GabyTabarani

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى