إلى عبد الكريم أبو النصر وزوجتِه لِين

مصطفى زين*

“الناسُ نِيامٌ إذا ماتوا استفاقوا”

كنّا مجموعةً من الصحافيين اللبنانيين نثرتهم صحف بيروت أوراقًا تطايرت وحطّت في لندن وباريس. حزمةُ أوراقٍ مُتفَرِّقة فيها  من الكلامِ المُختَلف أكثر ما فيها من الاتفاق و”التوافق”. لكلٍّ منّا خلفيته السياسية والثقافية في الوطن الذي كان غارقًا في دماءِ أبنائه تتهافت عليه قوى إقليمية ودولية لإدارة صراعاتها المُستَمرّة منذ قرن أو أكثر. على رغم ذلك كان لدينا الكثير من الطموحات والأحلام والتطلّع إلى المستقبل.

إستطاعَ الصديقُ الراحل عبد الكريم أبو النصر جَمعَ هذه “الأوراق” بين دفَّتَي مجلة “المجلة” التي أسّسها الراحلان هشام ومحمد علي حافظ، قبل أن تتنبّه الحكومات إلى أهمية الإعلام وتستولي عليه وتعبث به ويتحوّل مُخبروها إلى صحافيين ورؤساء تحرير همّهم الوحيد إرضاء السلطان.

من هذه المجموعة شكّل عبد الكريم فريقَ عملٍ بإدارته لينافس أهم المجلات العربية في الوطن، وتصبح نموذجًا للصحافة المُهاجِرة في لندن وباريس بجهد زملاء منهم: “إلياس حرفوش وهيكل الراعي وكابي طبراني ومحمد معتوق. ولا أنسى الفنّان المُبدع الرسّام محمود كحيل الذي كان يتولى تصميم الغلاف بلوحاتٍ نابضة بالحياة.

كيف استطاع عبد الكريم جمعَ فريق عمل من خلفياتٍ عدّة؟ هذا ما ميَّزه. كان لا يترك صحيفة إنكليزية أو عربية أو فرنسية إلّا ويقرأها قبل قدومه إلى المكتب ليُطلِع الزملاء على ما فيها من أخبارٍ وتحقيقاتٍ وما الجيّد فيها. ما زلتُ أذكرُ كيف كان يغادر مكتبه بعد الجميع حاملًا مجموعة الصحف ليقرأها قبل أن ينام. كان يوقظنا أحيانًا في السابعة صباحًا ليُبادر بالقول: “شو بعدك نايم؟”. ويطرح في الصباح الباكر مواضيع مُختلفة ويطلب رأينا في طريقة معالجتها وتعزيزها بمعلوماتٍ جديدة. كان يناقش معنا، في اجتماعٍ خاص موضوع الغلاف والرسم المناسب له، اجتماعٌ لا يخلو من بعض الإستفزازِ المُفيد، ومن ارتفاع الأصوات التي سرعان ما تعود إلى طبيعتها بعد نقاشٍ يحسمه عبد الكريم بقرار.

بعد مغادرته “المجلة” ثم “الوسط” واستقراره في باريس مُتفرِّغًا لكتابة مقالٍ أسبوعي في جريدة ا”لنهار” لم يكن يمرّ أسبوع واحد إلّا ويتّصل بي هاتفيًا، وتستمر المكالمة أكثر من ساعة أحيانًا، ليُناقشني في مقالٍ كتبته أو أخذ رأيي في ما كتب. وعلى رغم الخلاف السياسي بيننا، خصوصًا في ما يتعلق بلبنان والعالم العربي، إلّا أنه لم يكن ُيبدي أيّ انزعاجٍ مهما تطرّفتُ في القول ضد فريقه السياسي. بل كان يمزح ضاحكًا ويُحوِّل الحديث إلى نكاتٍ على السياسيين اللبنانيين وتخلّفهم، واستهتارهم وتبعيتهم.

عبد الكريم أبو النصر ورقة أخرى من أوراق العصر الذهبي للصحافة اللبنانية. ورقة أخذتها الريح الأبدية لكن الكلمة باقية.

  • مصطفى زين هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى