السعودية تُصَعِّدُ سِباقَ التَسَلُّحِ في الشرق الأوسط

فيما تسعى إيران إلى تطوير برنامج صواريخها البالستية، تعمل المملكة العربية السعودية بدورها بمساعدة الصين على تطوير برنامج للصواريخ البالستية خاص بها، الأمر الذي قد يولّد سباقًا للتسلح في الشرق الأوسط..

موقع صناعة الصواريخ البالستية السعودي كما أعلنت عنه “سي أن أن” في كانون الأول/ديسمبر الفائت.

سجّاد صفائي وتريتا بارسي*

ظهرت أخيرًا أدلّة جديدة على أن الصين تساعد المملكة العربية السعودية على بناء برنامجٍ للصواريخ الباليستية. على الرغم من ظهور تقارير أوّلية حول البرنامج في العام 2019، إلّا أن القدرة السعودية على إطلاق الصواريخ بنجاح ظلت غير مؤكدة. وقال باحثون في “معهد ميدلبري للدراسات الدولية” (Middlebury Institute of International Studies) لشبكة “سي أن أن”، إن لدينا الآن “أول دليل مؤكّد لا لبس فيه”، بأن الصين تساعد الرياض على تطوير مثل هذه البرنامج.

إن هذا التطور يُمثّل في الواقع نقطة انعطاف جلي، ليس فقط بالنسبة إلى المساعدة العسكرية الصينية للمملكة العربية السعودية ولكن في سباق التسلح في الشرق الأوسط. من المؤكد أن إيران تدرك أن هذه التطورات السعودية تُشكّلُ تداعيات وخيمة محتملة على وضعها الدفاعي. ومن المرجح أن ترد طهران وفقًا لذلك.

ولكن إذا كانت الصين تساعد على دفع المنطقة إلى مياهٍ خطرة ومجهولة، فمن المُهم أن نُدرِكَ أن هذه الديناميكية كانت في طور التكوين لعقود – وأن السياسة الغربية المُنعزلة ساعدت على تمهيد المسار لمُفترَقِ الطُرُقِ الكئيب هذا.

المملكة العربية السعودية مليئة اليوم بأحدث الأسلحة في العالم. إن التدفّقَ المُستمر للأسلحة – بشكل رئيس من الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة – جعلها أكبر مستورد للأسلحة في جميع أنحاء العالم. بين العامين 2016 و2020، تلقّت البلاد نسبة مذهلة، 11 في المئة، من واردات الأسلحة العالمية. في الواقع، بغض النظر عما إذا كانت في حالة حرب أو سلم، يبدو أن الردّ المفضل للرياض على أيِّ تحدٍّ جيوسياسي هو موجة تسوّق عسكرية.

في تناقضٍ صارخ، بلغ إجمالي واردات إيران من الأسلحة خلال الفترة عينها 0.3٪ من الإجمالي العالمي. بين العامين 2015 و2020، تقلب الإنفاق العسكري السنوي للسعودية بين أربعة وثمانية أضعاف الإنفاق العسكري الإيراني.

لكن ليس حجم الترسانة السعودية هو ما يُقزِّم إيران. من حيث الجودة أيضًا، فإن التفوّق الجوي للسعودية على إيران كبير جدًا وليس أقل من عالم آخر.

خياراتُ إيران لحماية مجالها الجوي مُقَيَّدة بشكلٍ شديد. بسبب العقوبات في المقام الأول، لا يمكن للبلاد إلّا أن تحلم بالحصول على طائرات اميركية وأوروبية وأنظمة دفاع جوي مُتقدّمة والتي أغرقت الأسلحة السعودية. علاوةً على ذلك، جعلت العقوبات من الصعب للغاية على طهران استيراد أو إنتاج قطع الغيار التي تحتاجها للحفاظ على أسطولها القديم من الطائرات العسكرية عاملًا. لكن بينما تُكافح الجمهورية الإسلامية للحفاظ على أسطولها من الطائرات عائمًا، تمكنت السعودية بين العامين 2016 و2020 من تعزيز قدراتها الهجومية بعيدة المدى بثبات من خلال إضافة 91 طائرة مقاتلة من الولايات المتحدة و15 من المملكة المتحدة إلى سلاحها الجوي الضخم أصلًا. خلال هذه الفترة، قامت أيضًا بشراء 14 نظامَ دفاعٍ جويٍّ إضافيًا. قرب نهاية العام 2020، شملت مشتريات الرياض من الأسلحة أيضًا سبعة أنظمة صواريخ أميركية مُضادة للصواريخ الباليستية. حتى قبل رحلات التسوّق الأخيرة، أشار أنتوني كوردسمان، وهو مُحلّلٌ عسكري كبير يتمتع بإمكانية الوصول إلى القيادة السعودية، إلى أن “التوازن الجوي في المنطقة هو بشكل حاسم لصالح” الولايات المتحدة والدول العربية في الخليج العربي، التي تتمتع بـ “ميزة حاسمة في نوعية وكمية الصواريخ جو-جو وأرض-جو”.

أقرَّ كوردسمان بـ “قيود إيران الرئيسة بالنسبة إلى قوة وتحديث” قواتها البرية والبحرية، مُضيفًا أن “نقاط الضعف الرئيسة التي تساعد على تفسير تركيز إيران على القوات الصاروخية تكمن في افتقارها إلى القوة الجوية الحديثة وصواريخ أرض-جو. لم تتمكن إيران من الحصول على واردات كبيرة من الطائرات المقاتلة الحديثة من الولايات المتحدة وأوروبا منذ سقوط الشاه، أو أي من برامج التحديث الحاسمة لتحديث طائراتها الأميركية الصنع. لم يكن لديها سوى واردات محدودة من صواريخ أرض – جو ولم تكن لديها إمكانية الوصول إلى ترقيات الولايات المتحدة وأوروبا وأنظمة أحدث. لقد سعت إلى الحصول على طائرات مقاتلة متقدمة وصواريخ أرض – جو من روسيا ولكن لم تُحقّق أكثر من نجاحٍ رمزي، ولم تكن مزاعمها بإنتاج بدائل حتى الآن أكثر من دعاية جوفاء”. بعبارة أخرى، ساعد الرفض الغربي لبيع الأسلحة التقليدية لإيران، إلى جانب الاستعداد الغربي لتسليح خصومها بدون عوائق تقريبًا، في تحفيز سعي الجمهورية الإسلامية إلى الحصول على صواريخ باليستية.

لا يُغيِّرُ هذا البرنامج بشكلٍ جذري ميزان القوّة الجوية لصالح طهران، لكنه يوفر لإيران جدارًا رقيقًا من الردع العسكري ضد القوة الجوية المتفوّقة – والتي يزوّدها الغرب – والتي تُطوّق إيران.

ولكن في حين أن برنامج الصواريخ هو مسألة ضرورة وجودية تقريبًا لإيران، فإنه من السذاجة القول بأن مثل هذا البرنامج سيؤدي وظيفة مماثلة لقدرة المملكة العربية السعودية الدفاعية. في الواقع، حتى الأصوات المُتشدّدة المؤيّدة للسعودية التي تعارض بشدة برنامج الصواريخ الإيرانية تقر بأن الرياض “لا تحتاج إلى التسابق مع إيران لإنتاج أو شراء صواريخ باليستية. لديها بالفعل ميزة عسكرية تقليدية كبيرة”.

ومع ذلك، إذا طوّر السعوديون القدرة على إطلاق وابل من الصواريخ في تتابع سريع، وهو الأمر الذي أتقنه الإيرانيون منذ فترة طويلة، فقد يكونون قادرين على التغلّب على الدفاعات الجوية الإيرانية، وهو أمرٌ لا يُمكنهم، ولا الإسرائيليون، تحقيقه بشكل موثوق في الوقت الحالي. ونظرًا إلى عدم وجود خطر فقدان طيارين في ضربة صاروخية ناجحة، فقد تشعر القيادة السعودية بأنها أقل ميلًا إلى ممارسة ضبط النفس في اللجوء إلى مثل هذه الأسلحة، ما يؤدي بشكل فعال إلى إحداث ثغرة في المكوّن الأساس لحاجز الردع الإيراني الذي استمر صنعه عقودًا. .

من المرجح أن يعزز برنامج الصواريخ الباليستية السعودي التشغيلي القادر على إغراق إيران بعددٍ كبيرٍ من الصواريخ التي يتم إطلاقها في وقت قصير عزم طهران على زيادة توسيع برنامجها الصاروخي ورفض الدعوات الغربية لفرض قيودٍ أو حتى محادثات بشأن برنامجها للصواريخ الباليستية.

إذا كانت احتمالات التوصّل إلى اتفاقٍ لتقييد الصواريخ الإيرانية تبدو قاتمة اليوم، فإن ذلك يرجع جزئيًا إلى السياسات الغربية التي أدّت إلى اختلالٍ هائلٍ في توازن الأسلحة والتكنولوجيا في الخليج العربي ضد إيران.

لأكثر من أربعة عقود، دفع الهَوَسُ الشديد بإيران الحكومات الأوروبية والأميركية المُتعاقبة إلى “تدليل” وإغراق خصوم طهران وخصومها بالأسلحة، إلى درجة التشبّع تقريبًا، مع حرمان إيران في الوقت نفسه من القدرات الدفاعية البدائية. هذا النهج غير المتكافئ هو الآن تقليدٌ راسخٌ بدأ مع الحرب الإيرانية-العراقية (1980-1988). على مدى ثماني سنوات طويلة، تمتّع عراق صدام حسين بالدعم العسكري والاقتصادي والسياسي الراسخ من الغرب وباقي الدول. وبينما كان صدّام قادرًا على هزيمة المدن والقوات الإيرانية بالصواريخ الباليستية والقصف الجوي – الذي غالبًا ما كان ممزوجًا بالعوامل الكيماوية والبيولوجية – فإن إيران الخاضعة للعقوبات كانت تمتلك موارد تكنولوجية أو بنية تحتية أو مالية محدودة للدفاع عن نفسها بشكل كافٍ أو لردع العراق عن القيام بهجمات مستقبلية.

لولا التفاوت غير المُتكافئ في النهج الغربي أثناء الحرب، فربما لم ينشغل الإيرانيون أبدًا ببناء صواريخهم الباليستية. وبدون برنامج صاروخي إيراني مُتقدّم، ربما لم يشعر السعوديون أبدًا بالحاجة إلى بناء برنامج صاروخي يدعم في الحال صناعة الأسلحة الصينية ويُسهّل سباق تسلّحٍ باليستي في الشرق الأوسط يُقوّض أهداف حظر الانتشار التي وضعتها وحددتها واشنطن وحلفاؤها الغربيون.

ولكن إذا كان التعاون بشأن الصواريخ الباليستية بين الصين والمملكة العربية السعودية مُفيدًا، كذلك الاهتمام الذي يحظى به. بسبب الإهتمام المهووس بإيران – “دولة من العالم الثالث بجيش من الدرجة الرابعة” على حدّ تعبير المؤرخ الشهير إرفاند أبراهاميان – فإن برنامجها الصاروخي محل اهتمام إعلامي مطول واهتمام سياسي. يتم الإبلاغ عن كل تطوّر صغير في برنامج الصواريخ الإيراني بشكل شامل ودقيق ومناقشته وتحليله أو إدانته ببساطة من قبل صناع القرار والخبراء والمحللين. في المقابل، ظلّت ردود الفعل على التقرير الأخير حول نقل الصين لمثل هذه التكنولوجيا الاستراتيجية إلى المملكة العربية السعودية صامتة إلى حد كبير.

كما أن سعي الرياض إلى الحصول على مساعدة صينية لبناء برنامج صواريخ باليستية يفضح أيضًا المُغالطة في حجة غالبًا ما تُستَخدَم لتبرير مبيعات الأسلحة الأميركية لحلفائها العرب: إذا لم تَبِع واشنطن أسلحة إلى الرياض، فإن موسكو وبكين ستفعل ذلك. في حين أنه من الصحيح أنه بموجب أحكام نظام التحكّم في تكنولوجيا الصواريخ لعام 1987 يُحظَّر على المملكة العربية السعودية شراء صواريخ باليستية من الولايات المتحدة، فإن البلاد تتمتع أصلًا بإمكانية الوصول إلى أنظمة الأسلحة الأميركية والأوروبية الأكثر تقدمًا حتى الآن. ومع ذلك، لا يبدو أن هذا قد أطفأ تعطّش المملكة النَهِم لمزيدٍ من الأسلحة.

لأكثر من أربعة عقود، قامت الحكومات الغربية بتسليح خصوم إيران حتى الأسنان بينما فشلت في الغالب في اعتبار أيٍّ من الاحتياجات الأمنية لطهران شرعية. يجب أن تكون تحركات المملكة العربية السعودية لبناء برنامج الصواريخ الباليستية بمثابة تذكير مقنع بمخاطر هذا النهج غير المتكافئ وقصير النظر لأمن الشرق الأوسط.

  • سجاد صفائي هو زميل ما بعد الدكتوراه في معهد ماكس بلانك للأنثروبولوجيا الاجتماعية في ألمانيا. يمكن متابعته عبر تويتر على: @SajjadSafaei0. وتريتا بارسي هو نائب الرئيس التنفيذي لمعهد كوينسي للحكم المسؤول. يمكن متابعته عبر تويتر على: @tparsi
  • يَصدُرُ هذا المقال بالعربية في “أسواق العرب” توازيًا مع صدوره بالإنكليزية في “فورين بوليسي” الأميركية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى