رسميًّا، قطر عادت من الصقيع!

الزيارة الأخيرة التي قام بها أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى واشنطن أعادت تسليط الأضواء على الإمارة الخليجية ودورها الديبلوماسي المهم الذي تلعبه بالنسبة إلى الولايات المتحدة.

الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني: توصّل إلى اتفاقٍ مع طالبان لاستئناف عمليات إجلاء الرعايا الأجانب والأفغان المُعرَّضين للخطر.

فريدا غيتيس*

قبل لقاءِ الرئيس الأميركي جو بايدن بأمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في المكتب البيضاوي في الأسبوع الفائت، نشر البيت الأبيض منشورًا على تويتر يسرد أجندة الزيارة، والتي تضمّنت “الأمن والازدهار في الشرق الأوسط، وإمدادات الطاقة في العالم، وأفغانستان وأكثر”. كان من الواضح أن زيارة الشيخ تميم لم تكن مُجرّد زيارة رمزية.

والشيخ تميم هو أول زعيم خليجي يلتقي بايدن منذ أن أصبح رئيسًا، في إشارة إلى أن واشنطن تنظر إلى الدوحة كعنصرٍ مُهم في مواجهة الأولويات الأميركية العاجلة. وكما لو كان للتأكيد على هذه النقطة، أعلن بايدن في الأسبوع الفائت أنه صنّف قطر دولةً حليفة من خارج حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهو وضعٌ يُمهّد الطريق لمزيدٍ من التعاون في التجارة الدفاعية والأمن.

يكاد يكون من الصعب فهم صعود هذه الإمارة الصغيرة من دولةٍ منبوذة في المنطقة إلى لاعبٍ محوري في صراعاتٍ عالمية متعددة. قطر هي بالكاد تكون بحجم ولاية كونيتيكت الأميركية، وعلى الرغم من أنّها تعجُّ بالعمّال الأجانب، إلّا أن عدد مواطنيها لا يتجاوز 330 ألف مواطن. تُحاوِلُ الدول الصغيرة المُحاطة بجيرانٍ أقوياء وطموحين في كثير من الأحيان إبقاء رؤوسها مُنخَفضة. لقد فعلت قطر عكس ذلك بالضبط.

في العام 2017، تسبّبت سياسة الدوحة المُثيرة للجدل المُتَمثّلة في لعب كلا الجانبين في صراعاتٍ إقليمية مُتعدّدة في قيام جيرانها في ثلاث دول من مجلس التعاون الخليجي )مع مصر) بفرضِ حصارٍ قاسٍ، ولكنه فاشل، لمدة 43 شهرًا بهدف إجبار الإمارة على تغيير سياستها الخارجية. فضلت إدارة دونالد ترامب منافسي قطر – السعودية والإمارات – بدون قطع العلاقات مع الدوحة. إنتهى هذا الخلاف في كانون الثاني (يناير) 2021، لكن قطر استقطبت منذ فترة أيضًا إدانات شديدة من اليسار واليمين في الولايات المتحدة، بما فيها انتقادات لانتهاكاتها المزعومة لحقوق الإنسان وادعاءات بأنها راعية للإرهاب.

على الرغم من كونها حليفًا رسميًا للولايات المتحدة الآن، فمن غير المرجح أن تقف الدوحة في المُربَّع الرابع إلى جانب الولايات المتحدة في كل قضية. بدلًا من ذلك، من المرجح أن يستفيد قادتها من توثيق العلاقات لتعزيز مكانتها كوسيط بين واشنطن وخصومها. إنه نهجٌ محفوفٌ بالمخاطر دفعت قطر ثمنه أصلًا، كما رأينا في حصار العام 2017. لكن الاستراتيجية، بالإضافة إلى ملكيتها لشبكة الأخبار المؤثّرة “الجزيرة”، سمحت للدولة الغنية بالغاز بأن تتخطّى وزنها بكثير.

يتمثّل الدور الأكثر إلحاحًا الذي تريد واشنطن أن تلعبه قطر في المواجهة المستمرة مع روسيا بشأن أوكرانيا. إن المشاركة في هذه القضية ستأخذ قطر إلى ما هو أبعد من وساطتها في النزاعات الإقليمية إلى مرحلة أكبر بكثير. يأمل بايدن أن تُساعِدَ قطر، في حالة نشوب حرب أو مزيد من التصعيد والعقوبات، في إضعاف أيّ تحرّك من جانب روسيا لقطع إمدادات الغاز الطبيعي عن أوروبا الغربية من خلال منح الدول المتضررة مصدرًا بديلاً من الوقود. كما هو الحال، فإن احتمال فقدان الإمدادات الروسية – التي تُمثّل ثلث الغاز الأوروبي – يجعل القارة القديمة عرضة لروسيا.

في الوقت نفسه في الخليج، تبذل قطر جهودًا لتكون بمثابة جسر بين واشنطن وطهران، حيث تدخل المفاوضات لإحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 – خطة العمل الشاملة المشتركة – مراحلها النهائية. قبل أيام من سفر الأمير إلى واشنطن، زار وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إيران. لم يكن التوقيت مصادفة. لقد أخبر الوزير قناة “الجزيرة” في وقت لاحق أن الإمارة تأمل في استخدام علاقتها مع كلٍّ من إيران والولايات المتحدة لتقريب وجهات النظر والجمع بين الجانبين.

كما استخدمت قطر علاقتها مع خصم آخر للولايات المتحدة، حركة طالبان، لترسيخ مكانتها كحلقة وصل بين واشنطن وكابول. استضافت الدوحة مفاوضات بين طالبان والغرب في العام 2020 وجُزء كبير من العام 2021 – وبعد استيلاء طالبان على السلطة في الصيف الماضي، أصبح موقف قطر أكثر أهمية بالنسبة إلى الولايات المتحدة. لا تُقيم إدارة بايدن علاقات ديبلوماسية مع حكومة طالبان الجديدة، ولكنها مهتمة بشكل شديد بالمساعدة في إجلاء مزدوجي الجنسية من المواطنين والأفغان الذين عملوا مع القوات الأميركية، كما تبحث عن طُرقٍ للتخفيف من الانهيار الاقتصادي في أفغانستان بدون تقوية حركة طالبان القمعية المُعادية للمرأة.

في تشرين الثاني (نوفمبر) الفائت، بعد ثلاثة أشهر على مغادرة الولايات المتحدة، أصبحت قطر رسميًا ممثّلة واشنطن في كابول. في الأسبوع الفائت، أثناء وجود الأمير في واشنطن، أعلن وزير الخارجية القطري عن بعض النجاح في تمثيل مصالح واشنطن هناك: توصّل مكتبه إلى اتفاقٍ مع طالبان لاستئناف عمليات إجلاء الرعايا الأجانب والأفغان المُعرَّضين للخطر باستخدام رحلات طيران مُستأجرة من مطار كابول.

اتبعت قطر هذه الإستراتيجية في محاولةٍ للحفاظ على علاقاتٍ جيدة مع جميع الأطراف لسنوات. خلال “الربيع العربي” قبل عقد من الزمن، بينما رفعت دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى دفاعاتها ومعارضتها ضد جماعة “الإخوان المسلمين” التي كانت تتصاعد آنذاك، احتضنت الدوحة الجماعة. كان ذلك – بالإضافة إلى علاقات الدوحة مع طهران – هو أكثر ما أثار غضب جيرانها وأطلق شرخًا في العام 2017. في مقابل رفع الحصار، طالبت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وأقرب حلفائهما، من بين أمور أخرى، قطر بقطع العلاقات مع إيران وإغلاق قناة “الجزيرة”. لكن قطر، رُغم كل الصعاب، نجت من الحصار بدون أن تُذعِن لهذه المطالب.

كما لعبت الإمارة دور الوسيط بين حركة “حماس” الإسلامية الفلسطينية، التي تحكم قطاع غزة، وإسرائيل، وهي دولة لا تُقيم معها قطر علاقات ديبلوماسية، ولكن من الواضح أن لديهما الكثير من التفاعل. سمحت إسرائيل لقطر تقديم مساعدات مالية ومادية أخرى إلى سكان غزة، بما في ذلك وقود بقيمة ملايين الدولارات أخيرًا.

من الواضح أن القطريين أدركوا أن قرار بايدن بتقوية العلاقات يمكن أن يكون مثيرًا للجدل سياسيًا، ومن المحتمل أن يكون مُكلفًا، بالنسبة إلى إدارته – لذا فقد حملوا بعض الأخبار الجيّدة للشعب الأميركي لتهدئة هذا الخطر.

في اليوم السابق لزيارة الأمير، أعلنت شركة بوينغ أن شركة الخطوط الجوية القطرية المملوكة للدولة قد قدمت طلبية ضخمة لشراء نحو 100 طائرة، ما سمح للشركة الأميركية بتحقيق انتصار كبير على منافستها الأوروبية إيرباص. سعر الطائرات، قبل أي تخفيضات، هو 27 مليار دولار. وقد دفعت الصفقة السناتور شيرود براون، وهو ديمقراطي من ولاية أوهايو، إلى الاندفاع والكتابة على تويتر بشأن “الفوز الضخم لعمال الطيران [جنرال إلكتريك]” والتقنيين النقابيين. هذا هو بالضبط ما كان من المفترض أن تفعله الصفقة: تخفيف تكلفة إقامة علاقات أوثق مع الدوحة على بايدن. كان من المقرر أيضًا أن يناقش الأمير مبيعات الأسلحة مع وزير الدفاع، على الرغم من أن نتائج هذا الاجتماع لم تُعلن بعد.

مع تنظيم بطولة كأس العالم هذا العام في الدوحة، تعمل الحكومة القطرية على تعزيز مكانتها في الوقت الذي يتم التركيز على الاهتمام العالمي بالإمارة. على الرغم من كل الاعتراضات من مختلف الأطياف السياسية، ومهما كانت عيوبها – حليفة ملتزمة أم لا – فإن قطر تُحَوِّلُ نفسها إلى لاعبٍ لا غنى عنه.

  • فريدا غيتيس هي صحافية ومحلّلة سياسية متخصصة في الشؤون الدولية. منتجة ومراسلة سابقة لشبكة “سي أن أن”، وهي تساهم بانتظام في “سي أن أن” وواشنطن بوست. يمكن متابعتها عبر تويتر على: @fridaghitis.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى