مع انسحابِ الحريري، هناكَ اختلالٌ في ميزان القوى في المُجتَمَعِ السنّي في لبنان

مايكل يونغ*

في أعقابِ انسحاب سعد الحريري من السياسة في الأسبوع الماضي، كان السؤال الذي يدور في أذهان الكثيرين هو: ماذا سيحدث للطائفة السنّية في لبنان، بعد أن أصبحت الآن بدون زعيمها السياسي الذي قادها منذ فترة طويلة؟

كان أحدُ السيناريوهات مصدرَ قلقٍ خاص. مع تصريح الحريري بأنه لن يكون مُرَشَّحًا في الانتخابات النيابية التي من المتوقّع أن تجري في أيار (مايو) المقبل، وإعلان رئيس وزراء سابق آخر، تمام سلام، أنه بدوره لن يترشّح، تحوّلت كل الأنظار إلى رئيس وزراء سابق ثالث، فؤاد السنيورة، وإلى رئيس الحكومة الحالي نجيب ميقاتي. لقد ألمح ميقاتي إلى أنه هو نفسه قد لا يترشّح، في حين أن السنيورة قد يكون مُضطَرًا لفعل الشيء نفسه بسبب انسحابِ حليفه الحريري.

ماذا سيحدث عندها؟ يقول بعض المُجادلين في أنه إذا كان قرارُ أربعة رؤساء وزراء سابقين بعدم الترشّح، فقد يختار نواب الطبقة الثانية السنّة في البرلمان، الذين تم انتخابهم على قوائمهم، عدم المشاركة أيضًا. وإذا كان الوضع كذلك، فقد يؤدي الأمر إلى مقاطعة سنّية جُزئية للانتخابات بحكم الواقع.

ستكون التداعيات على النظام الطائفي في لبنان هائلة. السنّة هم إحدى الطوائف الرائدة في البلاد وربما أكبرهم عدديًا. إذا اختار مرشحوهم الرئيسيون عدم الترشّح، فسيؤدي ذلك فعليًا إلى نزع شرعية العملية الانتخابية. مثل هذا الوضع يمكن أن يؤدّي إلى تأجيل الانتخابات.

ومن المفارقات أن هذه النتيجة أثارت قلق خصوم الحريري السياسيين، وبالتحديد “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” الذي أسسه الرئيس ميشال عون. بدون غطاءٍ سنّي، سيجد “حزب الله” نفسه معزولًا في هيمنته على الدولة، وسط عداءٍ مُتزايد من السنّة اللبنانيين والعديد من المسيحيين.

الهدف الأساسي لعون اليوم هو أن يخلفه صهره جبران باسيل في وقت لاحق من هذا العام عندما تنتهي ولايته. إذا لم يشارك السنّة في الانتخابات، فمن المُتَصَوَّر والمُحتَمَل أن تُقدِمَ المجموعة الحالية من النواب السنّة على الإستقالة من البرلمان أيضًا، مما يُقوّض عملية انتخاب رئيس للجمهورية (البرلمان ينتخب رؤساء الجمهورية في لبنان). وهذا من شأنه أن يُعرقِلَ طموحات باسيل الرئاسية.

في نهاية الأسبوع الفائت، بدا أن احتمال حدوث مثل هذا التطور قد تضاءل إلى حدٍّ ما، عندما أعلن ميقاتي والسنيورة أنهما يُعارِضان المقاطعة. ولكن لم يكن هذا مُطمئنًا بشكلٍ كافٍ، حيث لم يؤكد أيٌّ منهما أنه سيكون مرشَّحًا، حتى لو كان كلٌّ منهما يدعم قوائم من المرشحين. ومع ذلك، ظل السؤال كما هو: إذا لم يترشّح هذان الرجلان، فهل سيترشح قادةٌ آخرون من السنّة؟

واستشعارًا للمخاطر السياسية، أقدم عون على فعلِ شيء غير مسبوق يوم السبت. قام بزيارة المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان، وأكد أهمية مساهمة أهل السنّة في الحياة السياسية. وقال عون: “نحن لا نُريد للطائفة السنّية أن تخرجَ من العمل السياسي في لبنان، لأننا سمعنا أنه قد تحصل مقاطعة ونحنُ لا نريد أن تحصل المقاطعة، لأن لبنان عندما يخسر مُكوِّنًا من مُكوِّناته الكبار، هذا الأمر يُهدّد المجتمع الذي تعوّدنا عليه وتربّينا على هَديِه”.

وبينما كانت تصريحات ميقاتي والسنيورة، التي تبعها  بيان الرئيس، مُطمئنة، إلّا أنها لم تُبدّد الشكوك بأن الحريري، بانسحابه، ربما حاول أيضًا نصب فخٍّ ل”حزب الله”. في خطابه الذي أعلن فيه قراره بالإنسحاب من الحياة السياسية، أشار ضمنيًا إلى أنه بسبب هيمنة إيران و”حزب الله” على لبنان، فإن الانخراط في السياسة الداخلية لا يخدم أيّ غرض. من الأفضل ترك “حزب الله” يدير البلاد بمفرده، ومواجهة رد الفعل العنيف لأخطائه.

إذا كان على أهل السنّة أن يتصرفوا بناءً على هذا الرأي، فإن “حزب الله” سيواجه تحديًا خطيرًا للغاية. وستتفاقم الخطوة السنّية بسبب حقيقة أن العديد من المسيحيين حمّلوا الحزب المسؤولية عن انفجار مرفإ بيروت في آب/أغسطس 2020، والذي دمّر مناطق مسيحية بشكل أساسي، ويعتقدون بأنه يحاول الآن عرقلة التحقيق في الكارثة.

بافتراضِ حدوثِ مُقاطعةٍ فعلية، فإن الحلول لتجنّب الأسوأ ليست واضحة. قد تحاول الحكومة تأجيل الانتخابات، الأمر الذي قد يقتضي حصول رئيس مجلس النواب، نبيه بري، على تصويت البرلمان لتمديد فترة ولاية المجلس. ومع ذلك، إذا استقال البرلمانيون السنّة، ومعظمهم من كتلة الحريري، بشكلٍ جماعي، فإن هذا من شأنه أن يُقوّض شرعية الخطوة.

بالنسبة إلى العديد من السنّة، فإن الإظهار محلّيًا ل”حزب الله” بمدى اعتماده على الإمتثال السنّي لكي يستطيع العمل سيكون مُغريًا للغاية. سيكون الأمر مضاعفًا لأن “حزب الله” لم يتردّد في إذلال السنّة، كما حدث في أيار (مايو) 2008 عندما اجتاح العديد من الأحياء السنية في أعقابِ نزاعٍ سياسي، أو كما هو الحال اليوم، عندما يقوم قادته بانتظام بإهانة الدول العربية ذات الغالبية السنّية.

لكن الخطر يكمن في أن المواجهة بين السنّة والشيعة يمكن أن تتضخّم إلى مواجهةٍ طائفية حول الاتجاه الذي يسير فيه “حزب الله” في لبنان. ويمكن القول إن غالبية اللبنانيين تُعارض بشدة مساعي الحزب لجرِّ لبنان إلى المعسكر الإيراني. وقد أظهر “حزب الله” أنه لا يهتم كثيرًا بمثل هذه الهواجس. من خلال دفع الحزب إلى أخذ مواقف مُغايرة لمواجهة عواقب أفعاله بمفرده، قد يرى السنّة فرصة لجعل “حزب الله” يدفع ثمن تكبّره.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى