اللاجئون السوريون في الأردن: عقدٌ مضى ولا حلّ في الأفق

في ظل الأزمة الإقتصادية التي يمرّ بها الأردن والتي فاقمتها جائحة كورونا، يعيش اللاجئون السوريون في وضعٍ سيىء للغاية حيث أن حل مشكلتهم يفوق قدرة المملكة على التحمّل، الأمر الذي بات يُهدد بانفجار أزمة اجتماعية وإنسانية خطيرة.

أطفال اللاجئين السوريين في الأردن: برنامج تعليمهم ينقصه الدعم المالي

عمر كاراسبان*

بعد مرور عشر سنين على اندلاع الحرب السورية، من الصعب معرفة عدد القتلى والدمار وإدراك مدى البؤس البشري. الحربُ مستمرة والبلاد ما زالت مُنقَسِمة جغرافيًّا وسياسيًّا وعرقيًّا وطائفيًّا. وثّقت الأمم المتحدة، في العام 2021، أكثر من 350,200 حالة وفاة، واصفة إياها بأنها “عددٌ أقل من العدد الفعلي للقتلى” منذ أن اتبعت الحصيلة إرشاداتٍ صارمة تتطلّب الإسم الكامل للمتوفّي/القتيل وتاريخ الوفاة والموقع. حصيلةٌ مأسوية أخرى: نَزَحَ قسرًا أكثر من نصف سكان سوريا قبل الحرب، مع أكثر من 6.8 ملايين لاجئ وحوالي 6.7 ملايين نازح داخليًا.

يتواجد معظم اللاجئين في الأردن (670.000) ولبنان (844.000) وتركيا (3.65 ملايين). هؤلاء هم اللاجئون المُسَجَّلون حسب الأصول. وقد أحصى آخر تعداد سكاني في الأردن 1.3 مليون سوري بينما أفاد لبنان بأن لديه 1.5 مليون سوري. بدورها تستضيف أوروبا أكثر من مليون لاجئ سوري، معظمهم في ألمانيا (59٪) والسويد (11٪). ولا تزال تركيا تُعتَبَر أكبر دولة مضيفة في العالم (أكثر من 4 ملايين – 92 في المئة منهم سوريون) ولكن على أساس نصيب الفرد، يحتل لبنان والأردن المرتبة الأولى والثانية على مستوى العالم. كما يستضيف كلا البلدين لاجئين آخرين، لا سيما فلسطينيين – 200 ألف في المخيمات اللبنانية، تحت قيود، وأكثر من 2 مليونين في الأردن، معظمهم كمواطنين.

من بين 672,952 لاجئًا مُسجَّلًا في الأردن، يعيش 19.5 في المئة في مخيمات (131,300) – معظمهم في الزعتري (81,000) والأزرق (43,934). أما الباقون البالغ عددهم 542 ألفًا، فهم في الغالب في المناطق الحضرية في الأردن، ويتركزون في العاصمة عمّان (26 في المئة)، وإربد (18 في المئة)، والمفرق (12 في المئة). ويبلغ عدد البالغين 314,000، مُوَزَّعين بالتساوي بين الرجال والنساء مع 332,000 طفل. وبلغت نسبة أولئك الذين تزيد أعمارهم عن 65 عامًا (27,000) 4.1 في المئة من السكان الذين يزداد عددهم شهريًا بحوالي 2,000 طفل.

يستمر الأردن في المعاناة من الناحية الاقتصادية. منذ العام 2011، بلغ متوسط ​​نمو الناتج المحلي الإجمالي والتوظيف في الأردن 2.4 في المئة سنويًا، وهو مستوى فشل في مواكبة القوى العاملة الشابة. وبلغت نسبة البطالة 25 في المئة في أوائل العام 2021 مع ارتفاع معدل بطالة الشباب إلى 48.1 في المئة. وقد تجاوز دَين الحكومة المركزية 106 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في أواخر العام 2020، بزيادة 10 نقاط مئوية من الناتج المحلي الإجمالي في عام واحد فقط. إنها بيئة صعبة لاستقبال أعداد كبيرة من اللاجئين.

يعيش حوالي 80 في المئة من اللاجئين السوريين في الأردن تحت خط الفقر، و60 في المئة من العائلات تعيش في فقرٍ مُدقع. زادت هذه الأرقام بسبب الوباء. علمًا أن 15 في المئة فقط من الأردنيين يعيشون تحت خط الفقر على الرغم من أن هذه النسبة قد زادت مع انتشار الوباء. أثّرت الجائحة وإغلاقها سلبيًّا بشكلٍ خاص في القطاعات التي يعمل فيها اللاجئون مثل السياحة والبناء والتجارة وخدمات العملاء. وقد عانى هؤلاء في سُبُل العيش حيث رأى 68 في المئة من اللاجئين أن الوباء أدّى إلى انخفاض الدخل. كثيرٌ من السوريين مُثقَلون بنسبة 55 في المئة من الديون لتلبية الاحتياجات الأساسية. تم التراجع عن العديد من مكاسب اللاجئين وعكسها. مؤشراتُ الأمن الغذائي عند مستويات 2014. وفقًا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، “يمكن لـ2 في المئة فقط من أُسَرِ اللاجئين تلبية احتياجاتهم الغذائية الأساسية بدون أي استراتيجيات سلبية للتكيّف، والتي تشمل خفض وجبات الغذاء، وسحب الأطفال من المدرسة، والزواج المبكر، وإرسال أفراد الأسرة للتسوّل”.

التعليم أيضًا شكّل تحدّيًا. في العام 2020، كان هناك 145 ألف لاجئ سوري في المدارس الأردنية، معظمهم في مدارس تعمل بنظام الفترتين. في العام 2017، كان أكثر من 40 في المئة من الأطفال المُسَجَّلين خارج المدرسة. ويُسلّط تقريرٌ حديث لـ”هيومن رايتس ووتش” الضوء على انخفاضٍ متزايد في معدل الالتحاق. أسباب المشكلة هي الفقر، ونقص وسائل النقل المُناسبة، وسوء جودة التعليم، وانخفاض قيمة التعليم المستمر نظرًا إلى فُرص العمل المحدودة للسوريين، وحواجز الالتحاق الإدارية، ونقص أماكن الإقامة للأطفال المعوّقين.

التعليم الثانوي هو النقطة المهمة في هذا السياق الصعب. في ما يتعلق بالتعليم الابتدائي، تدّعي الحكومة الأردنية بأن معدل الالتحاق لديها هو أفضل من معدل التحاق اللاجئين العالمي البالغ 63 في المئة. وبينما تقول الحكومة إن 30 في المئة من الطلاب السوريين المؤهّلين مُسَجّلون في المدارس الثانوية، تشير استطلاعات أخرى إلى 15 إلى 21 في المئة. على الصعيد العالمي، يبلغ هذا الرقم 24 في المئة، ما يؤكد التحدّي العالمي. حتى بالنسبة إلى مَن هم في المدرسة، فإن الوباء والإغلاق الذي تسبب فيه وأثره الاقتصادي تجعل الوصول إلى التعليم عبر الإنترنت أمرًا صعبًا للغاية، الأمر الذي يؤدّي إلى المزيد من المتسرِّبين. والنتيجة هي زيادة في عمالة الأطفال، وزواج الصغار، وتقزّم المستقبل. والفتيات هنّ الأكثر تعرّضًا للخطر بشكلٍ خاص، لأن احتمالية أن يصبحن عرائس صغيرات هي ثلاث مرات أكثر عما كنّ عليه في سوريا.

غالبًا ما يواجه اللاجئون أيضًا تحدّيات طبية مُعَقَّدة، بما في ذلك الإصابات الجسدية والصدمات النفسية، والتي تفاقمت جميعها بسبب سوء العمل والسكن والظروف الصحية. يواجه العديد من السوريين أيضًا أمراضًا مُزمنة مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري والسرطان وما إلى ذلك. في العام 2013، مُنح اللاجئون السوريون في الأردن حق الوصول المجاني إلى الرعاية الصحية الأولية العامة والمستشفيات. بحلول تشرين الثاني (نوفمبر) 2014، بعدما تفاقم الوضع وتجاوز قدرة الحكومة، طلبت من السوريين دفع معدل التكلفة الأردني لغير المؤمَّن عليهم. جاءت التكاليف الإضافية في العام 2018 والتي تضاعفت، وزادت في بعض الأحيان خمسة أضعاف. تقدم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بعض الدعم الإضافي، لكن التمويل عامل مُقَيَّد. في لقاحات كوفيد-19، يتخلف اللاجئون عن مضيفيهم. بحلول تشرين الأول (أكتوبر) 2021، تم تلقيح 33٪ من اللاجئين السوريين الذين يبلغون من العمر 12 عامًا أو أكثر والذين يعيشون خارج المخيمات؛ وكان النسبة في مخيمي الزعتري والأزرق 55 في المئة.

يوفر المسح الصحي الذي أجرته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في العام 2018 والذي تكرّر في العام 2021 مقارنات مفيدة. انخفض الوعي بخيارات الرعاية الصحية المتاحة من 83٪ في 2018 إلى أكثر من 50٪ في 2021. كان الوصول إلى الرعاية السابقة للولادة متاحًا على نطاق واسع في كلا العامين، وكانت التكلفة هي التحدي الرئيس. كانت معدلات تطعيم الأطفال عالية في كلا العامين. ازدادت حالات الإصابة بالأمراض المزمنة في العام 2021، لكن 87 في المئة لم يتمكّنوا من تحمّل تكاليف الأدوية مقابل 52 في المئة في العام 2018. أُنفِقَت نسبةٌ كبيرة من الأموال على خدمات الرعاية الصحية في العام 2021 (77 في المئة) وفي العام ​​2018 (78 في المئة). كان الإنفاق على الصحة شهريًا هو نفسه تقريبًا في كلا العامين عند حوالي 98 دينارًا أردنيًا، والذي وصل إلى 44 في المئة من الدخل الشهري في العام 2021.

بصرف النظر عن الاتجاهات الهبوطية في سُبُلِ العيش والتعليم والصحة، فإن البرامج الرئيسة المُمَوَلة من المانحين مثل نظام الدعم النقدي لبرنامج الغذاء العالمي تُواجِهُ أيضًا نقصًا في التمويل. في حزيران (يونيو) 2021، أعلن برنامج الأغذية العالمي أن 21,000 لاجئ لن يتلقوا مساعدات نقدية بعد الآن بسبب نقص الأموال وأن 250,000 لاجئ قد يشهدون انخفاضًا في المساعدات الغذائية.

لا يمكن استدامة أيّ من هذه الاتجاهات. لن يعود السوريون في الأردن إلى بلادهم بأعدادٍ كبيرة في أي وقت قريب. عاد 41,000 فقط طواعية منذ العام 2018. وبصرف النظر عن الدمار المادي والاجتماعي للحرب، فإن الظروف الاقتصادية في سوريا مُروّعة، وانتهاكات حقوق الإنسان وحشية أكثر من أي وقت مضى – حتى أن على العائدين الحصول على تصاريح أمنية سورية (من المخابرات). كما إن إعادة توطين اللاجئين في بلدان ثالثة غير موجودة عمليًا، حيث أن 1 في المئة فقط مؤهلٌ و1396 فقط أُعيد توطينهم في العام 2020.

لقد نجا الأردن إلى حدٍّ كبير من الخطاب القاسي المُناهِض للاجئين في لبنان وكذلك الخطاب التركي المُناهِض للمهاجرين. ومع ذلك، قد تتطور أزمة وتنمو على جبهة اللاجئين في الأردن إذا لم يتم إيقاف الاتجاه الهابط في هذه المؤشرات. قد يكون من المفيد أن يتم تطوير برنامج يسبق وقوع الحدث ويستبقه بدلًا من أن يأتي بعد وقوعه ويتفاعل مع أزمة ما. قد ينجح ترتيبٌ طويل الأمد مثل الاتفاق مُتعدّد السنوات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا بشأن مساعدة اللاجئين. ربما يكون فتح المزيد من أسواق العمل الأردنية أمام اللاجئين، أو إبقاء المزيد من الأطفال – وبخاصة الفتيات – في المدارس، مقابل المساعدة، مفيدًا أيضًا للأردنيين الأكثر ضعفًا. في حين أن إقناع أعضاء الاتحاد الأوروبي بقبول المزيد من اللاجئين ربما لا يكون مقبولًا في هذه الأيام في “قلعة أوروبا”، فإن دعم البلدان المُستضيفة للاجئين قد يكون خيارًا أكثر قابلية للتطبيق – خصوصًا إذا كانت البرامج الفعالة مثل برنامج المساعدة النقدية التابع لبرنامج الأغذية العالمي والبرامج التعليمية والصحية المستمرة موجودة بالفعل على الأرض وتحتاج فقط إلى تمويل إضافي.

  • عمر كارسابان هو باحث خدم 30 عامًا في البنك الدولي، وهو يعمل الآن مع “استراتيجيات الاستقرار” (Strategies for Stability).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى