تَجرِبَةُ التضخُّمِ المَحفوفَة بالمخاطرِ في تركيا

سبنيم كاليملي أوزكان*

ترتكز السياسة النقدية في معظم الاقتصادات اليوم على هدفٍ مُحَدَّد للتضخّم، لأن استهدافَ استقرار الأسعار قد خدم البلدان المُتقدّمة والأسواق الناشئة بشكلٍ جيد. قبل بداية الاضطرابات المرتبطة بالوباء في سلاسل التوريد وأسواق العمل التي أشعلت النمو السريع للأسعار، كان التضخّم أقل بكثير من الهدف في الاقتصادات الكبرى، وستعود، عاجلًا أم آجلًا ، مسألة حول ما يجب القيام به في مثل هذه الظروف.

كان لدى الاقتصادي الأميركي إيرفينغ فيشر في القرن العشرين إجابة. تُملي العقيدة الاقتصادية أنه يجب على محافظي البنوك المركزية زيادة أسعار الفائدة الإسمية عندما يتجاوز التضخّم هدف صانعي السياسة. بعد كل شيء، رفع أسعار الفائدة يُقلل الإقتراض والإنفاق، ويُهدّئ الاقتصاد ويَحدّ من التضخّم.

ومع ذلك، جادل فيشر بأنه عندما يكون التضخم مُنخفِضًا للغاية، يجب على البنوك المركزية رفع أهدافها بالنسبة إلى أسعار الفائدة الإسمية. وأكد أن هناك علاقة إيجابية بين معدلات الفائدة الإسمية والتضخّم. يمكن رؤية هذه العلاقة، المعروفة باسم تأثير فيشر، في البيانات الاقتصادية. ويفسّر علماء الاقتصاد الكلي االسببية على أنها الانتقال من التضخم إلى أسعار الفائدة الاسمية.

تركيا هي الدولة الأولى التي وضعت نظرية فيشر على المحك، ولكن مع تحريفٍ حاسم. يعتقد المسؤولون الأتراك أن أسعار الفائدة المرتفعة تُسبّبُ التضخّم، لذلك يزعمون أن هناك علاقة سببية في الاتجاه الآخر. وتقول السلطات التركية إن خفض أسعار الفائدة يجب أن يحدّ من التضخم. بعد كل شيء، كما جادل فيشر، فإن سعر الفائدة الاسمي هو مجموع سعر الفائدة الحقيقي والتضخم المستقبلي. إذا كان سعر الفائدة الحقيقي ثابتًا، فإن التأثير الوحيد طويل الأجل لخفض سعر الفائدة الاسمي سيكون تضخّمًا أقل لأن أي تأثير في سعر الفائدة الحقيقي من خفض سعر الفائدة الاسمي سيختفي في المدى الطويل.

ولكن في المدى القصير، فإن هذا الحياد النقدي غائب، لذا فإن انخفاضَ سعر الفائدة الاسمي يُقلّل أيضًا من سعر الفائدة الحقيقي. وهذا يضرّ بالمُدّخرين المحلّيين والأجانب، وهي مشكلة كبيرة لبلدٍ مثل تركيا، التي تُعاني من عجزٍ مُستمرٍّ في الحساب الجاري لتمويل نموّها الاقتصادي.

مع انخفاضِ سعر الفائدة الحقيقي حاليًا، ستجعل “تجربة الصيد” الجديد مشكلة التضخّم في تركيا أسوأ. إن الدولة التي تحتاج إلى مدّخراتٍ محلية وأجنبية لتمويل النمو السريع لا يمكنها أن تُقدّم لهؤلاء المُدّخِرين عوائد سلبية.

لتشجيع الادخار المحلّي المستمر، أعلنت الحكومة أخيرًا عن سياسةٍ جديدة: إذا تجاوز انخفاض الليرة مقابل العملات الرئيسة معدلات الفائدة على الودائع قصيرة الأجل للبنوك، فإن الحكومة ستدفع الفرق لحاملي الودائع بالليرة. على سبيل المثال، إذا دفعت البنوك 15 في المئة على ودائع بالليرة لمدة 12 شهرًا، وانخفضت قيمة الليرة بنسبة 20 في المئة خلال هذه الفترة، فإن الخزانة ستدفع للمودعين الفرق بالكامل.

في حين أن هذه السياسة قد تحمي المُدّخرين المحليين وتمنعهم من التخلي عن الليرة، فإنها لا تفعل شيئًا لتشجيع المُدّخرين الأجانب. سيؤدي التدفق الناتج لرأس المال الأجنبي إلى تسريع انخفاض قيمة الليرة وزيادة التضخم. ولأن السياسة تضع مخاطر العملة بالكامل على الحكومة، فإنها ستضعف المالية العامة وقد تؤدي في النهاية إلى تسييل الديون.

لماذا تضع الحكومة بديلًا أكثر تكلفة لسياسةٍ نقدية أكثر تضييقًا؟ الإجابة مباشرة: نموذج النمو قصير المدى في تركيا يعمل على الائتمان، الأمر الذي يتطلب أن يكون المقترضون المحليون قادرين على الاقتراض بأسعار فائدةٍ مُنخفضة.

لكن دور تدفقات رأس المال الأجنبي في معدّلات/فوائد الإقراض المحلية تلك ينم عن العيب الفادح لهذا النموذج. إذا كان لدى بلد ما احتياجات تمويلية خارجية وقام بتمويل نموه بالمدخرات الأجنبية، فإن تدفقات رأس المال تُعَدُّ عاملًا مُحدّدًا أكثر أهمية لمعدلات فائدة الإقراض المحلي قصير الأجل من معدل السياسة النقدية، وهي ظاهرة تُعرف باسم “معدل قصير المدى مُنقطِع الإتصال”. وذلك لأن البنوك المحلية تعتمد على الأسواق المالية الدولية لتمويل نفسها.

بالنسبة إلى الأجانب الذين يقرضون هذه البنوك، يجب ألّا يكون هناك أي فرق بين أسعار الفائدة على الودائع بالليرة والفائدة على الودائع بالدولار عندما يتم تعديلها وفقًا لانخفاضٍ متوقع. هذا ليس صحيحًا في الحالة التركية.

إذا أقرضت المؤسسات الأجنبية بالليرة، فإنها تفرض رسوم علاوة مخاطر، والتي زادت الآن بسبب الانخفاض الهائل في سعر الصرف. وإذا أقرضت بالدولار، فإنها تتقاضى رسوم علاوة على مخاطر التخلّف عن السداد، والتي نمت أيضًا. وتُعتَبَرُ فروق أسعار مقايضة التخلّف عن السداد التركية، التي سجّلت ارتفاعًا قياسيًا، مثالًا جيدًا على ذلك. مع تخلّي المستثمرين الأجانب عن الأسواق التركية، أو فرض رسوم مخاطر أعلى للبقاء، سيزداد كلٌّ من انخفاض قيمة العملة والتضخّم.

للدفاع عن الليرة وإنعاش تدفقات رأس المال، يجب أن يتم استهداف التضخّم بالشكل الصحيح. إذا تجاوز التضخّم الهدف الرسمي، فيجب عندها زيادة معدلات/فوائد السياسة لتهدئة الاقتصاد واستقرار الأسعار. لا يمكن للاقتصاد الصغير المفتوح الذي يُموِّل نموّه بالمدّخرات الأجنبية أن يُحاربَ التضخّم ووقف انخفاض قيمة العملة بدون سياسةٍ نقدية موثوقة. نهج “الصيد” الجديد والتجارب غير المؤكّدة ليس بديلًا.

  • سبنيم كاليملي أوزكان هي مستشارة سياسة كبيرة سابقة في صندوق النقد الدولي، وأستاذة الاقتصاد في جامعة ميريلاند، كوليدج بارك. يمكن متابعتها عبر تويتر على: @skalemliozcan
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى