سلطنة عُمان تستثمر في الموانئ لكي تصبح بوابة الخليج

تُراهِنُ سلطنة عُمان التي تُعاني من ضائقة مالية على الموانئ ومحطات الحاويات ذات الموقع الاستراتيجي لتوسيع قطاع الخدمات اللوجستية، على أمل أن تكون بمثابة بوابة رئيسة لأسواق الخليج.

ميناء صحار: طموحه أن يكون بديلًا من جبل علي في دبي

محمد سليم*

تحتلّ منطقة الخليج العربي موقعًا استراتيجيًا يتوسّط خطوط التجارة العالمية، ما يجعل من موانئها مراكز اقتصادية مهمّة للاقتصادات الوطنية.

واستثمرت دول الخليج منذ سنوات عديدة، في بناء موانئ عملاقة تُمكّنها من خدمة خطوط التجارة، وتُسهّل تصدير مواردها إلى العالم، إضافة إلى خطط التنويع الاقتصادي الاستراتيجية التي تعمل عليها الحكومات لتقليل الاعتماد على النفط وزيادة إنتاج القطاعات الأخرى.

ولعلّ الاهتمام الكبير الذي أولته دول الخليج لموانئها البحرية، خلق نوعًا من المنافسة المشروعة بين هذه المرافئ على خطوط التجارة البحرية الدولية، والتي يبدو أن سلطنة عُمان دخلتها بقوة للاستفادة من موقعها خارج مضيق هرمز.

الواقع أن مسقط تسعى في خطتها الاقتصادية الطموحة، لبناء توسعة لموانئها، وخصوصًا ميناء صحار الاستراتيجي، لينافس عدداً من الموانئ الخليجية وبالأخص ميناء جبل عليّ القريب.

وذكرت وكالة “بلومبيرغ” الأميركية، في 30 آب (أغسطس) 2021، أن عُمان تعمل حالياً على تعزيز حضورها في مجال خدمات تزويد السفن بالوقود في ميناء صحار، مشيرة إلى أن مسقط تتطلع إلى منافسة منطقة “جبل علي” الإماراتية.

ويقول عبد الرحمن الحاتمي، الرئيس التنفيذي للمجموعة اللوجستية الوطنية العُمانية، مجموعة أسياد:”نريد تحسين مساهمة الخدمات اللوجستية بشكل كبير في اقتصادنا. نحن في الواقع نبني هذا القطاع للجيل المقبل. هذه مسؤوليتنا”.

مع تضاؤل ​​احتياطات النفط الخام العُماني التي يمكن أن تُستَنفَد خلال 25 إلى 30 عامًا المقبلة عند مستويات الإنتاج لعام 2019، تستهدف الدولة خمسة قطاعات، بما فيها الخدمات اللوجستية، لإعادة تنشيط اقتصادها وتنويع الدخل الحكومي الذي يأتي 40٪ منه حاليًا من عائدات النفط.

يُمكن أن تُوظّف الخدمات اللوجستية 300,000 شخص في عُمان بحلول العام 2040 فيما هي تقوم بتعزيز موقعها في مركز طرق الشحن العالمية لتبرز كبوابة الخليج. لقرونٍ، حكمت عُمان من خلال إمبراطورية تجارية بحرية واسعة شملت معظم غرب المحيط الهندي.

اليوم، إحدى المزايا الإستراتيجية للسلطنة هي موقعها خارج مضيق هرمز. يربط هذا الممر المائي الضيّق الإمارات العربية المتحدة، القوة اللوجستية الحالية في الخليج، ببقية العالم. وكان الحرس الثوري الإيراني استولى على سفنٍ في مضيق هرمز الاستراتيجي، وأعلن إنه قد يغلقه مما رفع أقساط التأمين على السفن.

في أعقاب الهجوم الذي تعرّضت له ناقلات بتروكيماويات قبالة سواحل دولة الإمارات لعملاء يابانيين وتايوانيين في حزيران (يونيو) 2019، قفزت أسعار التأمين على الناقلات عشرة أضعاف.

قال رايان بوهل، محلل الشرق الأوسط في شركة “ستراتفور” للمخاطر الجيوسياسية ومقرها الولايات المتحدة: “حتى لو لم تؤثّر الحرب العلنية ولا الهجمات السرية على الإمارات العربية المتحدة، فإن تصوّرها قد يُقنِع بعض الشاحنين بالاستفادة بشكل متزايد من موانئ عُمان المحايدة”. في الواقع، تُحافظ عُمان على علاقاتٍ ودّية مع جمهورية إيران الإسلامية، التي تشترك معها في مضيق هرمز.

قال محمود الوهيبي، خبير التخطيط الحضري الذي عمل في الاستراتيجية الوطنية العمرانية العُمانية حتى أيلول (سبتمبر) 2021 وكان مشاركًا في خطة التنمية العمانية، الرؤية 2040: “يمكن أن تكون عُمان بمثابة مركزٍ لوجستي للمنطقة، وليس كسوق بمفردها. والاتفاقات مع دول الجوار ضرورية لتحقيق ذلك، لكن لا توجد حاليًا إرادة سياسية من دول الخليج الأخرى. إنها لا تُريدنا أن نسيطر على سوق الخدمات اللوجستية في المنطقة”. ويحتل الناتج المحلي الإجمالي للبلد المرتبة 70 على مستوى العالم.

يعتقد الحاتمي أن عُمان “في وضعٍ جيد” في ما يتعلق بموقعها. وقال: “نتحدّث مع نظرائنا اللوجستيين في دول مجلس التعاون الخليجي حول كيفية الاستفادة من ذلك”، داعيًا دول مجلس التعاون الخليجي الست إلى “العمل معًا” على تحسين الممرّات اللوجستية.

سكة حديدية غير مُكتَمِلة

على بعد 400 كيلومتر بالسيارة من العاصمة العُمانية مسقط، يتشكّل المثال على التحديات المقبلة. الطريق الوحيد الذي يربط السلطنة بالمملكة العربية السعودية ينتهي فجأة عند الحدود. قال ضابطٌ في شرطة عُمان السلطانية: “إن معبر رملة خلة الحدودي جاهز من جانبنا، لكننا لا نعرف متى سيتم فتح باب الدخول إلى السعودية رسميًا”.

حقّقت دول الخليج الحساسة للسيادة تقدّمًا محدودًا في ربط بنيتها التحتية الاستراتيجية. ظهر انعدام الثقة بين دول الخليج بشكل كامل من العام 2017 إلى أوائل العام 2021 عندما فرضت السعودية والإمارات والبحرين ومصر حصارًا على قطر، ما أدّى إلى قطع الطرق الجوية والبرية والبحرية المؤدية إلى شبه الجزيرة. كردّ فعل، وسّعت الدوحة من قدرتها على مناولة الحاويات والصناعة الزراعية، الأمر الذي حدّ من الحاجة إلى الاعتماد على موانئ دول الخليج الأخرى.

رُغم ذلك، هناك أمل. قال الوهيبي إن السكك الحديدية الخليجية، وهي شبكة سكك حديدية إقليمية لم تتحقّق بعد، هي “مشروعٌ محوري” من شأنه أن “يُحوّل” الموانئ العُمانية. ومن شأنه أن يغير ديناميكيات الخدمات اللوجستية في المنطقة ولكن أيضًا البيئة السياسية، ويُعزّز الثقة المتبادلة”.

إلى جانب الفوائد الاقتصادية وتسهيل التنقل بين دول الخليج، ستعمل شبكة السكك الحديدية أيضًا على خفض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون بنسبة 70 إلى 80٪ مُقارنةً بالشاحنات، وفقًا لتقديرات الاتحاد للقطارات. تعهدت الإمارات والسعودية والبحرين بأن تكون خالية من الكربون بحلول العام 2050 و2060 على التوالي.

لكن طموحات عُمان في أن تكون نقطة الدخول إلى الخليج تُنافس هيمنة الإمارات في مجال الخدمات اللوجستية. شركة موانئ دبي العالمية المُشغّلة للموانئ تنقل ما يقرب من واحد من كل 10 حاويات في العالم. وهي تدير موانئ ومحطات ومناطق حرّة ومراكز لوجستية عبر ست قارات، بما فيها ميناء جبل علي الرائد في دبي، والذي يساهم بحوالي ربع الناتج المحلي الإجمالي للإمارة.

يُمكن لسلطنة عُمان أن تُحوّل المنافسة الاقتصادية الناشئة بين السعودية والإمارات إلى فرصة. وقال الوهيبي: “بالنسبة إلى السعودية، عُمان هي بديل من الإمارات من حيث الموانئ والخدمات اللوجستية – نوع من الخطة ب. لذلك إذا حدث أي شيء مع الإمارات فإن ذلك لا يؤثّر فيها”.

عدّلت الرياض قواعد الاستيراد الخاصة بها في تموز (يوليو) 2021 لاستبعاد البضائع من امتيازات التعرفة التفضيلية داخل دول مجلس التعاون الخليجي والتي تُصنع في المناطق الحرة الخليجية – وهي مُحرّك رئيس لاقتصاد الإمارات. وبعد شهر، زار وفد سعودي برئاسة وزير الاستثمار خالد الفالح عُمان لاستكشاف فرص الاستثمار وأعرب عن اهتمامه بتوسيع العلاقات الاقتصادية.

وقد ذكرت صحيفة “لويدز ليست” (Lloyd’s List) الملاحية أن المنافسة بين موانئ الخليج، التي جعلت توسّع ميناء دبي “أصعب بكثير”، ليس التحدّي الوحيد للإمارة. يواجه أكبر ميناء في الشرق الأوسط منافسة شديدة داخل الإمارات مع صعود ميناء أبوظبي.

موانئ مهمة ولكن…

منذ أن خلف السلطان هيثم ابن عمه السلطان قابوس، الذي حكم البلاد لنحو نصف قرن، تطلّع السلطان الجديد بشكلٍ أساس إلى الداخل لاحتواءِ العجزِ المُتصاعد في الموازنة في محاولةٍ للحفاظ على سياسة عُمان الخارجية المستقلة والمُحايدة. في منتصف نيسان (أبريل) 2021، قدّمت عُمان ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5٪، وبدأت إعادة تنظيم الشركات الحكومية. لكن تكثيف الضغط على المالية العامة قد يدفع السلطنة للاستفادة بشكل أكبر من شبكة علاقاتها الديبلوماسية الواسعة للترويج للموانئ العُمانية كبوابة تنافسية مُحايدة في الخليج. “هذه الفرصة محدودة بسبب حقيقة أن موانئ دولة الإمارات هي أكثر تطوّراً وتصل إلى السوق الداخلية الكبيرة للإمارات نفسها”، قال بوهل من ستراتفور، مضيفًا: “سيستمر بعض الشاحنين في المخاطرة رُغم احتمال حدوث اضطراب”.

عُمان هي موطن لثلاثة موانئ رئيسة هي: صحار وصلالة والدقم.

يبعد صحار عن العاصمة مسقط نحو 200 كيلومتر، وحصل على جائزة أفضل ميناء لعام 2016 من مؤسسة “ماريتايم ستاندردز” المُتخصّصة في القطاع البحري. وقد بدأ العمل فيه في العام 2004، ويستقبل حاليًا ما يزيد على 3,000 سفينة سنويًا، ويتعامل مع ما يقارب 1.5 مليون طن من البضائع أسبوعيًا، ولديه قدرة على التعامل مع أكثر من مليوني حاوية نمطية كل عام.

ويُعتبر ميناء صحار البوابة الرئيسة للاستيراد والتصدير في السلطنة، حيث إن أكثر من 60% من واردات عُمان تمرّ عبره، إلى جانب أكثر من 40% من الصادرات، وأكثر من 80% من البضائع المُعاد تصديرها. وبذلك يقوم الميناء والمنطقة الحرة بدور حيوي في ربط السلطنة بالأسواق العالمية.

ويهدف ميناء صحار والمنطقة الحرة في رؤيته المستقبلية “صحار 2040” إلى أن يكون مركزًا لوجيستيًا وصناعيًا مُتكاملًا يوظّف أحدث التقنيات العالمية ويُطبق أعلى معايير الاستدامة في أنشطته المختلفة.

أما ميناء صلالة فيعمل في المقام الأول كمركزٍ محوري لإعادة الشحن لخدمة الأسواق الإقليمية، بما فيها أسواق شرق إفريقيا واليمن. وتعمل محطات إعادة الشحن كموصلات وروابط، حيث تنقل وتحوّل الحاويات من خطوط المسافات الطويلة إلى خطوط المسافات القصيرة التي تتجه نحو الوجهة النهائية للبضائع.

أكبر مساهم في ميناء صلالة، الشركة الهولندية “إي بي أم تيرمينالز” (APM Terminals) المملوكة لشركة “ميرسك” (Maersk) -وهي واحدة من أكبر مُشغّلي الموانئ والمحطات في العالم- تعتبر الميناء الجنوبي لسلطنة عُمان جُزءًا مهمًّا من شبكتها في الشرق الأوسط. وقال متحدث باسم الشركة: “نتوقّع أن تزداد هذه الأهمية أكثر في المستقبل”، مشيرًا إلى “الكفاءة العالمية” للمحطة.

في العام 2020، صنّف مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية موانئ عُمان في المرتبة الأولى من حيث سرعة تداول الحاويات، وهي أسرع قليلاً من الموانئ الإماراتية.

على بُعدِ حوالي 550 كيلومترًا شمال صلالة، كان من المتوقَّع أن تصبح مدينة الدقم الساحلية محطة خارج مضيق هرمز لتصدير نفط الخليج إلى الأسواق الدولية. لكن الوهيبي قال إن التعاون الإقليمي فشل، ومحطة الدقم “ضائعة نوعًا ما” بين ميناءَي صحار وصلالة، “لا تعرف بالضبط ما هو الدور الذي ستقوم به”.

وقال الحاتمي إن الدقم في وضعٍ جيد لخدمة الصناعات العُمانية مثل النفط والغاز والثروة السمكية والمعادن. وقال: “نتحدّث عن مليارات الأطنان من الاحتياطات، لذا يمكن استخدام الدقم للتصدير إلى دولٍ سريعة الحركة مثل الهند والصين”. وقد أشارت إدارة التجارة الدولية التابعة لوزارة التجارة الأميركية إلى أن الموارد المعدنية المُضيفة في عُمان “لا تزال غير مُستَغَلَّة نسبيًا، مع وجودِ رواسب كبيرة من المعادن والمعادن الصناعية في انتظار الاستخراج”.

اجتذب الميناء البحري العميق أيضًا اهتمامًا عسكريًا لتسهيل عمليات الانتشار في المحيط الهندي، بما في ذلك السفن الهندية والأميركية. ورست حاملة الطائرات الملكية البريطانية “HMS Queen Elizabeth” في ميناء الدقم في تشرين الثاني (نوفمبر) 2021 لإجراء مناورات مشتركة.

كشفت برقية نشرتها “ويكيليكس” أن وكيل وزارة الموانئ والشؤون البحرية العُمانية قال بالفعل في العام 2009 إن الدقم ستكون “ميناء رئيسًا لسفن البحرية”.

ومع ذلك، تُكافح عُمان لتحريك الإبرة لجذب أصحاب الأعمال الذين لا يزالون ينظرون إلى جبل علي كمحور المنطقة للتواصل مع العالم. وفقًا للمركز الوطني للمعلومات الإحصائية، استحوذت الإمارات على 24٪ من الصادرات العُمانية غير النفطية وإعادة التصدير في العام 2017.

على الرغم من الأهداف الطموحة، لا يزال القطاع اللوجستي في عُمان في بداياته. بينما يحتل ميناء جبل علي المرتبة 11 على مستوى العالم، مُتناولًا 13.5 مليون حاوية 20 قدمًا في العام 2020، سجل أكبر ميناء في عُمان – صلالة – حجمًا أقل بثلاث مرات واحتلال المرتبة 43.

“من الناحية الاقتصادية، لم تستغل عُمان البنى التحتية للموانئ بشكل كافٍ. لقد بنيناها، لكن علامة الاستفهام الآن هي في الحقيقة ما هي الفوائد الاقتصادية؟”، سأل الوهيبي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى