تداعياتُ تَسريحِ اليمنيين من السعودية على مُستَقبَلِ السلام

تطبيق قرار خفض عدد اليمنيين العاملين في المملكة العربية السعودية سوف يُعقدّ المشهد السياسي، والاجتماعي، والأمني، ويُعيقُ مسارَ السلامِ في اليمن على المدَيَين القريب والمتوسّط.

الحركة الحوثية: تستخدم الخطوة السعودية لمصلحتها!

عادل دشيلة*

اتّخذَت  المملكة العربية السعودية في تموز/ يوليو 2021 قرارًا بخفض نسبة العمال اليمنيين 25% من إجمالي اليمنيين الذين يعملون في البلاد، الأمر الذي أدى في شهر آب/أغسطس الماضي إلى ظهور موجة استياء قوية بين اليمنيين المُقيمين في المناطق الجنوبية من السعودية. إن الشروع في تطبيق القرار ستكون له تداعيات سلبية، وفي ظل حربٍ مستمرّة منذ أكثر من ست سنوات، فإن التسريحَ الجماعي سيؤثّر في اليمنيين في الداخل ويُفاقم الأزمات الاقتصادية والإنسانية السيئة أصلًا.

تهدف رؤية 2030  التي أطلقها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى خفض معدّل البطالة بين السعوديين إلى 11% بنهاية 2021، وإلى 7% بحلول العام 2030 عبر برنامج وطني لتحقيق ما سُمي بـ “توطين الوظائف”، والمتمثّل في جعلِ عددٍ كبيرٍ من المهن تقتصر فقط على السعوديين، مع زيادة كبيرة في الرسوم التي ينبغي على العامل الوافد أن يدفعها. وفيما يبدو أن هذا القرار هو من حقّ السعودية، غير  أن تسريح العمال اليمنيين، بدون العمال من الدول الأسيوية الأخرى،  يثير التساؤلات بشأن دوافع المملكة، التي تستمر في تأكيد دعمها لليمنيين. وفي هذا السياق، فإن نسبة العمال اليمنيين تعتبر الأقل بين الوافدين الأجانب في المملكة، ويبلغ عددها ما يقرب من مليون ونصف عامل في مختلف الوظائف.

تعمّق الأزمة الإنسانية

أكدت منظمة “هيومن رايتس ووتش” أن العمّال اليمنيين في السعودية مُعرَّضون لخطر الإعادة القسرية الجماعية. وبرّرت الرياض خطواتها بأنّها تهدف إلى توفير فُرَصِ عملٍ للمواطنين في الجنوب، في إطار جهودها لمعالجة مشكلة البطالة في السعودية التي بلغت 11.7 في المئة، وهي خطوة مدفوعة أيضًا باعتباراتٍ أمنية في المناطق القريبة من المعارك، التي يخوضها تحالفٌ بقيادة السعودية ضد جماعة الحوثي. ورُغم أنه تم التراجع عن قرارِ التسريح في بعض المؤسسات الأكاديمية والطبية، فإن عدد المُستفيدين من هذا التراجع غير ذي معنى، لأن الاستمرار في ترحيل العمّال اليمنيين في هذا الوقت ستكون له تداعيات بالغة الخطورة على مستقبل السلام في اليمن، والوضع الإنساني والسياسي والعسكري والأمني والاقتصادي والمعيشي والاجتماعي، وعلى مستوى العلاقات اليمنية السعودية.

على المستوى الإنساني، منذ بداية النزاع، دُمِّرت البنية التحتية الحيوية في اليمن، وفرّ أكثر من 4 ملايين يمني من منازلهم وظلّوا نازحين داخليًا. إن تسريحَ العمّال اليمنيين سيُعمّق أزمةً إنسانية غير مَسبوقة، وستَفقُدُ كثيرٌ من الأسر اليمنية مصدر رزقها في وقتٍ لا تتوفّر فيه بدائل. حسب تقديرات الأمم المتحدة، هناك مجاعة وشيكة في اليمن واسعة النطاق. ومع دخول الصراع عامه السابع، فهناك ما يقرب من 21 مليون شخص، أي  أكثر من 66 في المئة من إجمالي عدد السكان بحاجة إلى مساعدات إنسانية وحماية. وخروج عدد كبير من العمال اليمنيين يعني مضاعفة الأزمة الإنسانية، ما سيزيد من أعباء المجتمع الدولي والأمم المتحدة، ولن يكون باستطاعة المنظمات الإغاثية الدولية معالجة الأزمة، وقد يصبح الوضع الإنساني خارج السيطرة، وينزلق اليمن إلى مجاعة أكثر  عمقًا.

على المستوى السياسي، ستفقد الحكومة الشرعية ما تبقّى لها من مصداقية أمام المواطن اليمني، ويُضعِفُ موقفها السياسي أمام الحركة الحوثية، والحركة الانفصالية ممثلة بالمجلس الإنتقالي، إذ كيف يمكن للحكومة أن تقول إن علاقة استراتيجية تربطها مع السعودية، وقيادتها تُقيمُ في الرياض، ولم تستطع أن ترعى مصالح مغتربيها. ولذلك، إن تسريح العمال اليمنيين في الوقت الراهن يُضعف حليف السعودية والمتمثل في الحكومة الشرعية اليمنية بشكل أكثر مما هو عليه الآن، ويقود اليمن إلى مربع الفوضى والاقتتال الأهلي أكثر من أي وقت مضى.

أمّا الآثار الأمنية والعسكرية، فتتمثّل في احتمالِ إلتحاق مجموعات من العمال العائدين من السعودية بالجماعات المسلحة بحثًا عن لقمة العيش. وقد استفاد بعض الجماعات المسلحة كتنظيم “القاعدة” من مثل هذا القرار في الماضي. ففي العام 2013، قامت الحكومة السعودية بحملةٍ لتصحيح أوضاع المُخالفين اليمنيين، ورحّلت بعضهم. حينها طالبت القوى السياسية اليمنية حكومة السعودية بالتريّث في تطبيق القرار على اليمنيين واستثنائهم. وحذّر بعض القادة السياسيين الرياض من أن الحركة الحوثية تستقبل المُرحَلين اليمنيين عبر الحدود وتستميلهم لاستخدامهم في أغراض مُعادية تمسّ الأمن القومي السعودي. من المرجح أن يتكرّر هذا السيناريو في حال طُبِّقَ قرار التسريح، وأن يلتحق بعض العائدين بالحركة الحوثية المُسلّحة، وبعضهم بجماعة المجلس الانتقالي المسلحة، وآخرون بالجماعات الإرهابية كتنظيم “القاعدة”. سينعكس ذلك على الوضع الأمني في بلد يعيش مرحلة اللاستقرار واللادولة، وسوف يقلل من فرص بناء تسوية سياسية شاملة، ويزيد انتشار الصراعات المسلحة.

إتخاذ مثل هذا الإجراء سوف يُعقّد مهمة المجتمع الدولي في تحقيق السلام والاستقرار، خصوصًا التزامه بإنهاء الحرب في اليمن التي أسفرت عن مقتل نحو 233 ألف شخص بحسب تقديرات الأمم المتحدة، منذ استيلاء الحركة الحوثية على مؤسسات الدولة اليمنية في صنعاء في 2014.

في العام 2013 قامت الحكومة السعودية بترحيل عُمّالٍ يمنيين، وكان لذلك القرار تداعيات اقتصادية، حيث شكّل تدفق المرحّلين اليمنيين من المملكة ضغطًا على حكومة الوفاق الوطني، ولم تستطع  القيام بمهامها في استيعابهم. ولذلك، خرج الوضع عن السيطرة في العام 2014، واستطاعت الحركة الحوثية إسقاط حكومة الوفاق الوطني بحجّة ضعفها في معالجة الجوانب الاقتصادية. حاليًا، التداعيات على المستوى الاقتصادي ستكون كبيرة، وسوف يُعاني اليمن من انخفاض التحويلات جرّاء خروج العمال اليمنيين من السعودية. وهذا سيؤثّر في العملة الوطنية المُنهارة من الأساس، وعلى الاقتصاد المتدهور منذ انطلاق عاصفة الحزم في العام 2015.

يطال الفقر 71-78 في المئة من اليمنيين، ونتيجة للإنهيارالاقتصادي، فإن تسريح العمال اليمنيين من السعودية سوف يؤدي إلى تضرّر الفئات التي تعتمد على حوالات العمال اليمنيين من المملكة بشكل خاص، وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن 80 في المئة من العمال اليمنيين فقدوا أعمالهم، بحسب ما أورده اتحاد العمال اليمنيين. وحاليًا، إنهار الريال اليمني مقابل الدولار، حيث وصل سعر الدولار إلى حاجز 1500 ريال يمني في المناطق التي تحكمها الحكومة اليمنية. الاستمرار في ترحيل العمال اليمنيين مع الإبقاء على العمالة المؤهلة بشكل مؤقت لا يعني حلّ المشكلة، ولكن التريث في تطبيق القرار على الأقل في الوقت الراهن يخدم السلام.

ينبغي أن تكون مساعدة اليمن للخروج من أزمته الحالية وبناء ما دمرته الحرب، ودعمه اقتصاديًا حتى يستعيد المواطن اليمني ثقته بالنظام السياسي، ضمن أولويات الدول المجاورة لليمن والمجتمع الدولي. أمّا تسريح اليمنيين من السعودية فسوف يُعقدّ المشهد السياسي والاجتماعي والأمني، ويُعيق مسار السلام في اليمن في المَدَيَين القريب والمتوسط. وهذا قد يؤدي إلى مزيد من الفوضى والعنف، ويُقلص فرص تحقيق السلم الأهلي اليمني، وقد ينقل بعض تداعياته إلى دول الجوار.

  • عادل دشيلة هو كاتب وباحث يمني حاصل على درجة الدكتوراه في الأدب الإنكليزي. يمكن متابعته عبر تويتر على:  @AdelDashela

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى