الإمارات تُحقِّقُ نجاحاتٍ ديبلوماسيةٍ بمكافآتٍ غير مؤكّدة

كابي طبراني*

كان الأسبوع الفائت جيدًا لولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد.

التحرّكات التي تصدّرت عناوين الأخبار الرئيسة والسريعة تُعزّز مكانة الإمارات العربية المتحدة كقوّة إقليمية. وهي تسلّط الضوء على رغبة أبو ظبي في رسم مسارٍ يتنافس بشكل متزايد مع المملكة العربية السعودية، القوة الإقليمية الرئيسة في الخليج، ويتعارض أحيانًا مع سياسة الولايات المتحدة، كما يسخر من اتهاماتٍ مزعومة من نشطاءٍ وسياسيين غربيين بانتهاكات حقوق الإنسان.

قبل أيام، تم انتخاب اللواء الإماراتي أحمد ناصر الريسي كرئيسٍ جديد للإنتربول على الرغم من دعوات البرلمان الأوروبي لإجراء تحقيقٍ في مزاعم تدّعي بأنه أشرف على تعذيب معتقلين. في الشهر الفائت، رفع مواطنان بريطانيان، ماثيو هدجيز وعلي عيسى أحمد، دعوى قضائية ضده.

نفت الإمارات هذه المزاعم. “اللواء الريسي هو ضابطٌ مُحترف مُتميّز يتمتّع بسجلٍ حافلٍ من الإنجازات على مدار 40 عامًا في الشرطة المجتمعية والوطنية. وبصفته رئيس الإنتربول، سيظل ملتزماً بحماية الناس، وجعل المجتمعات أكثر أمانًا وتوفير أجهزة إنفاذ قانون عالمية بأحدث الأدوات في مكافحة الشبكات الإجرامية المتطورة”، قالت سفارة الإمارات في لندن.

وفاز الريسي  في الانتخابات التي جرت في مؤتمر منظمة الشرطة الجنائية الدولية الذي عُقِدَ في اسطنبول في الأسبوع الفائت، رُغم اتهام تركيا بأنها أكبر مُنتهكي نظام الإنتربول، قبل أسابيع من تولّي دولة الإمارات مقعدها كعضوٍ غير دائم في مجلس الأمن الدولي. وقد تم انتخابه بعد يومٍ من قيام الشيخ محمد بزيارة رائدة لأنقرة لإصلاح العلاقات مع تركيا وإعطاء الرئيس رجب طيب أردوغان شريان حياة اقتصادي. وكانت تركيا والإمارات على خلافٍ منذ عقدٍ بسبب الدعم التركي للثورات الشعبية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والإسلام السياسي.

الواقع أن التقارب هو جزءٌ من جهد أوسع من قبل الخصوم في الشرق الأوسط، مدفوعًا بشكلٍ مستقلٍّ من قبل الولايات المتحدة والصين وروسيا، للحدّ من التوترات الإقليمية ومنع النزاعات والصراعات من الخروج عن السيطرة.

كانت الإمارات وتركيا على طرفَي نقيض في الحروب الأهلية في ليبيا وسوريا التي اندلعت في أعقاب الثورات الشعبية والخلافات في شرق البحر الأبيض المتوسط. وقد سعت أبو ظبي إلى عكس إنجازات الانتفاضات التي دعمتها أنقرة والتي نجحت في إسقاط حسني مبارك في مصر. كما اتهمت تركيا الإمارات بأنها موّلت محاولة عسكرية فاشلة في العام 2016 لإزالة أردوغان من السلطة.

تشمل التحركات الإماراتية أيضًا محاولة الحلول مكان قطر وتركيا لإدارة مطار كابول الدولي، ومساعٍ لإعادة سوريا إلى الحظيرة الدولية رُغم السياسة الأميركية الهادفة إلى عزل البلاد، وخطواتٍ لتحسين العلاقات مع إيران. بالإضافة إلى ذلك، أبرمت الإمارات في الأسبوع الفائت صفقة طاقة شمسية مع الأردن وإسرائيل سعت المملكة العربية السعودية إلى إفشالها.

تأمل الإمارات بأن إحياء عضوية سوريا في جامعة الدول العربية وتمويل إعادة الإعمار فيها سوف تُقنع الرئيس بشار الأسد بفك علاقاته الوثيقة مع إيران أو على الأقل إضعافها. وتزامنت زيارة الشيخ محمد إلى تركيا مع محادثاتٍ إماراتية في دبي مع مسؤول إيراني رفيع قبل زيارة مرتقبة لطهران هذا الأسبوع يقوم بها مستشار الأمن القومي الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان.

لا شك أن هذه التحرّكات تُعزّز مكانة الإمارات كقوّة وسطى مؤثّرة في الساحة الدولية رُغم كونها دولة صغيرة تُعاني من عجزٍ سكاني. ومع ذلك، فإنها تثبت أيضًا أن الحدّ من التوترات وإدارة الخلافات لا يؤدّيان بالتعريف إلى دفن المدافع أو إنهاء الخصومات أو تقليل المنافسة.

والسؤال، إلى أي درجة ستنجح التحرّكات الإماراتية في إقناع مُستبدّين مثل بشار الأسد أو رجب طيب أردوغان بتغيير سياساتهما بشكل جذري؟ على سبيل المثال، من المُستبعَد أن يُغيّر الأسد علاقاته مع طهران التي ما زالت تحمي نظامه وتسيطر مليشياتها على مفاصل البلاد. كما من غير المرجح أن تُغلق تركيا قاعدتها العسكرية في قطر التي وسّعتها خلال المقاطعة الديبلوماسية والاقتصادية التي استمرت 3.5 سنوات بقيادة الإمارات والسعودية للدولة الخليجية. كان إغلاق القاعدة أحد مطالب المقاطعة.

أردوغان بحاجة ماسة إلى الاستثمارات. وهو يرى في غصن الزيتون الاقتصادي للشيخ محمد وسيلة لعكس اتجاه الانكماش في اقتصاد بلاده الذي يُهدد بمزيد من الانحدار. وأجّجت الأزمة بالفعل احتجاجات في الشوارع حيث تأمل المعارضة في إلحاق الهزيمة به في الانتخابات المقبلة.

وفي خطوةٍ مفاجئة، أعلنت دولة الإمارات بعد ساعات من لقاء أردوغان مع الشيخ محمد أنها ستُخصّص 10 مليارات دولار أميركي في صندوق استثماري يستهدف قطاعات الطاقة والغذاء والصحة وتغيّر المناخ في الاقتصاد التركي وكذلك التجارة. ومن المرجح أن تؤدي الاستثمارات الإماراتية في الموانئ التركية إلى تعزيز شبكة إدارة الموانئ العالمية والخدمات اللوجستية ل”شركة موانئ دبي العالمية” في شرق البحر الأبيض المتوسط.

بالإضافة، قال مسؤولون إيرانيون إن التحرّكات الإماراتية جعلت من الممكن إنشاء ممر نقل من الإمارات إلى تركيا عبر إيران. وقد رست أول سفينة غادرت الشارقة في الإمارات في طريقها إلى مرسين في تركيا في ميناء الشهيد رجائي الإيراني بعد يوم من زيارة الشيخ محمد.

يتوقع أردوغان أن تساهم الاستثمارات الإماراتية في دعم الاقتصاد التركي المتعثّر في وقت تتدهور فيه عملته. وقد ارتفعت الليرة التركية بنحو نقطة واحدة مع وصول الشيخ محمد إلى البلاد.

ولكن، قد لا تقف قطر مكتوفة الأيدي، وهي التي استثمرت حتى الآن 22 مليار دولار أميركي في تركيا، فيما تعمل الإمارات على تحسين علاقاتها مع أنقرة. على العكس، يمكن أن تسعى الدوحة إلى تعزيز علاقاتها الحالية بمزيد من الاستثمارات.

لا يزال من غير الواضح مقدار الثمن السياسي الذي قد يدفعه أردوغان مقابل الدعم الإماراتي. حتى الآن، أوقف نشاط “الإخوان المسلمين” في اسطنبول استجابة لمطالب إماراتية ومصرية، لكنه رفض طرد “الإخوان المسلمين” أو تسليمهم إلى مصر.

وبالمثل، فإن محاولة الإمارات للحلول محل قطر وتركيا في مطار كابول قد تكون معركة شاقة. من الصعب أن نفهم سبب رغبة طالبان في إثارة احتكاك مع قطر، التي تمثّل المصالح الأميركية في أفغانستان بالإضافة إلى توفير موطنٍ للبعثات الديبلوماسية الغربية التي تتعامل مع أفغانستان، واستضافة محادثات الجماعة الإسلامية مع الولايات المتحدة.

باختصار، قد يكون أردوغان مُحبَطًا لأنه يُعيد بناء العلاقات مع الإمارات، لكنه لم يغيّر نهجه حتى الآن. وهذا بدوره قد يعرقل ما ستحققه المصالحة مع الإمارات على الصعيد السياسي.

قال الصحافي التركي البارز جنكيز كاندر: “ربما يمر الاقتصاد التركي بأحلك أيامه، لكن السياسة الخارجية لا تزال تسمح … لأردوغان بتسجيل نقاط”.

في الوقت الذي يسعى إلى تحسين علاقاته المتوترة مع دول الشرق الأوسط -الإمارات ومصر والسعودية وإسرائيل- يحاول أردوغان أيضًا إنشاء مجال نفوذه من خلال بث حياة جديدة في منظمة الدول التركية، التي تضم تركيا وأذربيجان وكازاخستان وقيرغيزستان وأوزبكستان، ويبلغ عدد سكانها حوالي 170 مليون نسمة.

ومع ذلك، يمكن للتقارب الإماراتي-التركي أن يساعد على تشكيل التطورات في مناطق الصراع مثل ليبيا، حيث دعمت الإمارات وتركيا أطرافًا مُتعارضة ومُتخاصمة.

مع الانتخابات الليبية المقرر إجراؤها في الشهر المقبل، تُراهن الإمارات على أحد حصانين في السباق: قائدُ ما يُعرف ب”الجيش الوطني الليبي” اللواء خليفة حفتر وعارف النايض. والنايض هو سفير سابق لليبيا في دولة الإمارات ويرأس مجموعة إماراتية تنشر النسخة المعتدلة للإسلام. كانت المجموعة واحدة من مجموعات عدة تمّ إنشاؤها لمواجهة رجال الدين الإسلاميين المتشددين المدعومين من قطر.

وقد أشارت تقارير إلى أن التقارب مع الإمارات لم يُقلّل من النفوذ التركي في ليبيا، وأفادت إن نجل حفتر، صدام حفتر، قام بزيارات منفصلة إلى تركيا وإسرائيل لطلب الدعم.

من ناحية أخرى، في خطوة دعمت الديبلوماسية الإماراتية مع أنقرة، أطلق حفتر في الأسبوع الفائت سراح سبعة مواطنين أتراك احتجزتهم قواته طوال العامين الماضيين.

“تركيا في وضع سيئ اقتصاديًا، ويبدو أن أردوغان ينهار سياسيًا. ولكن، قد يكون من السابق للأوان استبعاده وشطبه من الساحة وذلك بفضل التطورات الخارجية”، على حدّ قول كاندر.

  • كابي طبراني هو ناشر ورئيس تحرير مجلة وموقع “أسواق العرب”. ألّف خمسة كتب بالعربية والإنكليزية من بينها “الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني: من وعد بلفور إلى إعلان بوش” (2008)؛ “كيف تُخطّط إيران لمواجهة أميركا والهَيمَنة على الشرق الأوسط” (2008)؛ و”معاقل الجهاد الجديدة: لماذا فشل الغرب في احتواء الأصولية الإسلامية”، (2011). يُمكن متابعته عبر موقعه: gabrielgtabarani.com أو عبر تويتر على: @GabyTabarani

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى