كارِثَةُ الإنتخاباتِ الآتية في لبنان

مايكل يونغ*

في الوقت الذي يستعد لبنان للإنتخابات التشريعية، المُقرَّر إجراؤها في آذار (مارس) المقبل، بدأ الشكّ يساور عددًا كبيرًا من اللبنانيين في ما إذا كانت ستحدث بالفعل. ومن المتوقع أن يكون 2022 عاماً صعباً على لبنان، ذلك أن هناك انتخابات رئيسة ستجري خلاله: الإنتخابات النيابية ورئاسة الجمهورية.

في مقابلةٍ نُشرت يوم الجمعة الفائت (19/11/2021) في صحيفة “الأخبار” الموالية ل”حزب الله”، أعلن الرئيس ميشال عون أنه في نهاية فترة ولايته، سيتنازل بالتأكيد عن موقعه في قصر بعبدا لرئيس يخلفه. وقال مضيفًا: “لكنني لن أسلّم إلى فراغ”. وقد فُسِّرَت هذه العبارة على نطاق واسع على أنها تهديد، يحمل في طياته أنه إذا فشلت الكتل البرلمانية في التوصّل إلى إجماعٍ على مَن يخلفه (البرلمان ينتخب رؤساء الجمهورية في لبنان)، فإن عون سيرفض ترك منصبه.

العلاقة بين الانتخابات البرلمانية والرئاسية ستكون وثيقة للغاية. يودّ عون تسليم منصبه لصهره، جبران باسيل، لكن من الواضح أن الأخير لا يحظى بدعم الغالبية في البرلمان. إذا كان أداؤه سيئًا في الانتخابات النيابية، على رأس التيار الوطني الحر، فستتراجع فرصه أكثر من ذلك لأنه يخضع حاليًا لعقوبات أميركية.

سوف يكون خصوم باسيل السياسيون، وهم كثيرون، سعداء بمثل هذه النتيجة، والتي من الواضح أنها كانت وراء موافقتهم على موعد الانتخابات النهائي في آذار (مارس). يبدو أن افتراضهم يقوم على أن الرئيس وصهره من المحتمل أن يخسرا عددًا كبيرًا من الناخبين في الدوائر ذات الغالبية المسيحية بسبب الوضع المزري في لبنان. لذلك، من الأفضل منحهما إطارًا زمنيًا أقصر للتحضير. بدوره، قال عون إنه لن يوقّع على مرسوم انتخابات آذار (مارس)، ولن يفعل ذلك إلّا إذا أُجريت الانتخابات في أيار (مايو).

بعيدًا من الحسابات المُعقّدة للأحزاب، هناك شيءٌ واحد شبه مؤكد: “حزب الله” يُفضّل تأجيل الانتخابات، لأن هذا يعني أن البرلمان الحالي، الذي يتمتّع فيه بغالبية مع حلفائه، ينتخب رئيسًا جديدًا. في حين أن الحزب قد يكون واثقًا من أنه سيحتفظ بالدعم الشيعي، وكذلك حليفته “حركة أمل”، فإنه لا يمكن أن يكون على يقين من أن عون وباسيل وحلفاءهما سيحافظون على العدد الكافي من المقاعد النيابية.

بعبارةٍ أخرى، يبعث إجراء الانتخابات التشريعية قدرًا كبيرًا من عدم اليقين ل”حزب الله”. إذا خسر غالبيته، فسيجد الحزب صعوبة في إيصالِ رئيسٍ للجمهورية من اختياره، مع احتمال إيجاد مرشح حلّ وسط.

ومع ذلك، هناك مشاكل عدة في تأخير الانتخابات. أوّلاً، أغلبية الثلثين مطلوبة لتعديل الدستور في هذا الاتجاه، وسيتعيّن على عون التوقيع على القرار. إن تمديدَ ولاية البرلمان سيكون مُثيرًا للجدل وسط الغضب الداخلي والضغوط الدولية لإجراء الإنتخابات في وقتها المُحدّد. علاوة، قال عون إنه لا ينبغي تأجيل الانتخابات، ما يُشيرُ إلى أنه قد يرفض التوقيع على التمديد.

قد يكون هذا شكلًا من أشكال الضغط من جانبه لفرضِ أحد بديلين. إما أن تجري الانتخابات في موعدها، وهي نتيجة لن يرحّب بها “حزب الله”. أو، إذا لم يتم إجراء الإنتخابات ولا يمكن تمديد ولاية البرلمان، فلن يكون هناك مجلس تشريعي شرعي فعّال لانتخاب خليفة لعون، وهذا من شأنه أن يخلق فراغًا في الدولة. لكن عون وباسيل ربما يحسبان أن أيّ حلّ للمشكلة يتطلب صفقة شاملة تُوصل باسيل إلى السلطة.

بغض النظر عن الطريقة التي ينظر بها المرء إلى القضية، فإن طموحات عون وباسيل تخلق توتّرات أساسية مع “حزب الله” و”حركة أمل”. في حين أنه من غير المرجح أن ينفصل باسيل عن “حزب الله”، إلّا أنه يبدو على استعداد للعب على الإلتزامات السياسية للحزب لتأمين موقعه كخليفة لوالد زوجته.

كما سيواجه “حزب الله” مشكلة أخرى. إذا قرّر دعم مرشح آخر غير باسيل، فسيتعيّن عليه اختيار بديل يحظى بشرعية مسيحية للإستفادة منها، أو رؤية روابطه مع المسيحيين تتلاشى. إذا اختار “حزب الله” سليمان فرنجية، الحليف المُقرّب الذي يحظى أيضًا بدعمٍ من النظام السوري، فليس هناك شك في أن باسيل وقائد “القوات اللبنانية” سمير جعجع سيعارضانه بشدّة.

في هذه الحالة، قد تضطر الأطراف إلى البحث عن مُرشّحٍ حل وسط. والشخص الوحيد المُتميز حاليًا هو قائد الجيش العماد جوزيف عون. لكن “حزب الله” لن يرحّب به لأنه يرى أن الجنرال مُقرَّب من الأميركيين، كما أن الجيش كان تولّى القيادة في تحييد “حزب الله” و”حركة أمل” عندما دخل أعضاءٌ منهما إلى مناطق مسيحية بأسلحتهم في 14 تشرين الأول (أكتوبر).

وفقًا لتقارير إعلامية، قام ميشال عون أخيرًا بجمع قائد الجيش وباسيل، من أجل تحسين علاقتهما. في حين أن هذا قد يكون تحضيرًا للترشّح الوسطي لقائد الجيش، فمن المرجح أن يكون رئيس الجمهورية قد أرسل رسالة شديدة اللهجة إلى “حزب الله”: إذا لم تؤيد باسيل، فتوقّع منّا أن ندعم العماد جوزيف عون.

في وقتٍ تتفاقم الأزمة الاقتصادية، يبدو أن لبنان يدخل مرحلة أكثر قتامة من الفتنة. المنافسات السياسية في البلاد ستعني بالتأكيد المزيد من الجمود المنهك وسط فقرٍ وطني آخذ في الاتساع.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى