الأردن: المرأة والمُواطَنة المُتساوية في مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية

مروان المعشّر*

جاءت توصيات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية في الأردن خطوة في الاتجاه الصحيح؛ من المأمول أن تُحفّز تدريجاً الحياة السياسية، وتُسهِمُ في تجسير الثقة بين الدولة ومواطنيها، وأن تنهضَ بدور الشباب والمرأة، إن وَجَدت هذه التوصيات طريقها للتنفيذ في المرحلة المقبلة. كما كان الحال عند تشكيل اللجنة، جابهت توصياتها عاصفة من الانتقادات ومحاولات للتشكيك بأهدافها وعدم الرضا عن نتائجها بدرجات متفاوتة. يبدو لي أن الحلقة الأضعف في هذه التوصيات تلك المتعلقة بالمرأة، والتي جاءت قاصرة عن ترسيخ مبدأ المساواة بين المرأة والرجل من خلال إدخال التعديلات الدستورية اللازمة لإعطاء المرأة حقوقها التشريعية الكاملة.

ونحن نلج المئوية الثانية من عمر الدولة، كيف نتوقّع من مواطنة أردنية أن تُشارك في العمل السياسي بحماس وهي تعلم أنها لا تقف تشريعياً على قدم وساق مع الرجل، ولا تتمتع بالحماية الدستورية التي تسمح لها بالخوض في عملية بناء الدولة جنباً الى جنب مع الرجل؟

للتذكير هنا، فقد نصّت توصيات اللجنة الملكية في خصوص التعديلات الدستورية المُتعلّقة بالمرأة على إضافة فقرة جديدة الى المادة السادسة من الدستور تنصّ على أن “تكفل الدولة تمكين المرأة ودعمها للقيام بدورٍ فاعل في بناء المجتمع بما يكفل تكافؤ الفرص على أساس العدل والإنصاف وحمايتها من جميع أشكال العنف والتمييز”. على الرغم من الصيغة الايجابية التي تتمتع بها هذه الاضافة نحو المرأة، إلّا أنها في اعتقادي غير كافية على الإطلاق. فالنص المقترح فيه الكثير من الضبابية والقليل من الوضوح حول موضوع المرأة والمواطنة المتساوية مع الرجل في الحقوق كما هي في الواجبات. بل إن تعبير “تمكين المرأة” قاصر في غاياته ومعانيه، فالمرأة في الاردن ليست ضلعاً قاصراً أو أقل تعليماً وثقافة من الرجل لنُطالب بتمكينها. كيف وهي التي تتفوّق على الرجل في تبوُّءِ المراكز الأولى في نتائج التوجيهي وتحتل النسبة المئوية الأعلى في المقاعد الجامعية. التمكين الحقيقي للمواطنة الأردنية — وقد توافقني في ذلك العديد منهن — يكون من خلال إزالة العراقيل التي تحول دون تمتّعها بحقوقٍ دستورية كاملة تؤدّي إلى إزالة أشكال التمييز ضدها في القوانين والتشريعات الأردنية. ولا يُعقَل أن تُختزَل حقوق المرأة بإجراءاتٍ شكلية كزيادة عدد النساء في مجلس الوزراء أو النواب او الأعيان. في حين إن زيادة أعداد النساء في مراكز صنع القرار أمرٌ في غاية الأهمية، فإن ذلك ليس بديلاً من تحقيق المساواة التشريعية لهنّ، والتي من شأنها أن تؤدي إلى زيادة أعدادهن زيادة طبيعية.

في الوقت الذي لا نتوقّف أدبياً عن التغنّي بأهمية دور المرأة في المجتمع كأمٍّ وبنتٍ وأختٍ وزوجة، نعود مراراً وتكراراً التأكيد على حرمانها كمواطنة أردنية من حقّها الدستوري، تارةً باستخدامِ مسوغات مغلوطة للدين والثقافة وتارة بذريعة أن ذلك من باب المؤامرات الخارجية لتفكيك الدولة الأردنية أو إفقار خزينتها.

لقد اصطدمت كافة المحاولات لتعديل المادة السادسة من الدستور تعديلاً صريحاً يُقِرُّ صراحةً بالمساواة التشريعية للمرأة مع الرجل بعقليةٍ ذكورية إقصائية استخدمت تلك الذرائع لاستمرار حرمان المرأة من الحصول على حقوقها التشريعية الكاملة. ومن الذرائع الواهية في العقود الأخيرة تلك المُتعلّقة بزيادة الأعباء المالية على خزينة الدولة نتيجة مشاركة المرأة في القوى العاملة (والتي لم تتعدَّ في أحسن الأحوال 14٪)  أو عدم منح أبناء المواطنات الأردنيات الجنسية الأردنية حتى لا يُساهم ذلك في تنفيذ مخطط الوطن البديل. بالاستماع لتلك الذرائع، سمح المُشرّع الأردني بالتمييز صراحة ضد المواطنات الأردنيات في قوانين العمل والضمان الاجتماعي والتقاعد والأحوال الشخصية وغيرها.

لم تُستخدَم تلك الذرائع حين اجتمعت ستون شخصية أردنية تُمثّل كافة المشارب السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد، وأجمعت قبل ثلاثين عاماً على نصٍّ صريحٍ في الميثاق الوطني بأن الأردنيين “رجالاً ونساءً أمام القانون سواء، لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات، وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين”. لم يعترض أحدٌ آنذاك من كافة هذه الاتجاهات، بل أَقرَّت حينذاك كافة مكوّنات المجتمع بالحق الطبيعي التشريعي للمرأة من دون ذكرِ ذريعةِ التوطين. ولم يقل أحدٌ كذلك آنذاك إن المساواة التشريعية للمرأة بدعة أجنبية، كما يُقال الآن، في محاولات وذرائع ممجوجة تفتقر الى الحدّ الأدنى من احترام حقوق المرأة.

رُغمَ ذلك، لم تجد هذه التوصية آنذاك، كغيرها من التوصيات التقدّمية التي جاءت بها لجنة الميثاق الوطني، طريقها الى تعديلٍ دستوري يكفل استدامتها.

ثم جاءت لجنة التعديلات الدستورية برئاسة دولة المرحوم أحمد اللوزي في العام ٢٠١١ لتصل الى النتيجة نفسها بتعديل المادة السادسة بما ينسجم مع الميثاق الوطني، إلّا أن تدخّلاتٍ حالت دون تضمين هذا التعديل في الوثيقة النهائية ولذات الذرائع مرةً أخرى.

وقد جرت محاولات داخل اللجنة الملكية، وللمرة الثالثة خلال ثلاثين عاماً، للتوافق حول النتيجة عينها التي خلصت إليها لجنة الميثاق الوطني، إلّا أن النص النهائي يُظهر مرة أخرى قوة المجتمع الذكوري في فرض نفسه، والتشبّث بنصوصٍ ما عادت تصلح لبناء الدولة الحداثية والحديثة التي نطمح لها.

إن المساواة التشريعية للمرأة ليست حقاً مبدئياً فحسب، ولكنها أيضاً ضرورة حتمية لتكبير حجم الاقتصاد الكلي بما يعود بالنفع على المجتمع بكافة مكوّناته. وقد أثبتت العديد من الدراسات الأكاديمية أن الاقتصاد الكلّي لأيِّ دولةٍ ينمو اطراداً مع عمل المرأة والمساواة التشريعية لها، بما يُعظّم الإنتاجية ويُكبّر حجم الناتج المحلي الاجمالي. وما زلنا نُعاند في ذلك وندّعي بأن عمل المرأة يسلب من فُرَصِ العمل للرجل.

لا يزال الطريق طويلاً في الأردن أمام تحقيق المرأة حقها في المساواة التشريعية الكاملة، ولكن السبب الرئيس وراء ذلك ليس سياسياً بحتاً أو اقتصادياً، إنه، بصريح العبارة، عقليتنا الذكورية. مجتمعنا كلّه رجالاً ونساءً يدفع ثمن هذه العقلية، اقتصادياً وتنموياً وحضارياً.

  • مروان المعشّر هو نائب الرئيس للدراسات في مؤسسة كارنيغي، حيث يشرف على أبحاث المؤسسة في واشنطن وبيروت حول شؤون الشرق الأوسط. شغل منصبَي وزير الخارجية (2002-2004)، ونائب رئيس الوزراء (2004-2005) في الأردن، وشملت خبرته المهنية مجالات الديبلوماسية والتنمية والمجتمع المدني والاتصالات. يمكن متابعته عبر تويتر على: @MarwanMuasher

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى