كيفَ تُديرُ حكومة بينيت الصراع مع قطاع غزة

تتبنّى الحكومة الإسرائيلية ثلاث سياسات للمحافظة على أطول فترة هدوء مُمكنة على الحدود مع غزة ليتسنّى لها التركيز على الملف النووي الإيراني، ولكن ما هو موقف حركة “حماس” من هذه السياسات؟

محمود الزهار: “لن نقبل أسلوب التسوّل الذي تريده إسرائيل”

رهام عودة*

بعد انتهاء الجيش الإسرائيلي من عمليته العسكرية “حامي الأسوار” على قطاع غزة في شهر أيار/مايو 2021، أعلنت الحكومة الإسرائيلية بقيادة رئيس وزرائها نفتالي بينيت عن سلسلة من التسهيلات الإنسانية، والاقتصادية لسكان قطاع غزة. وكشف وزير الخارجية يائير لبيد، في شهر أيلول/ سبتمبر2021، عن خطة حكومته لإدارة الصراع مع غزة، ضمن معادلة “الاقتصاد مقابل الهدوء“، أي محاولة تحقيق الهدوء الأمني على الحدود الإسرائيلية مع غزة، إضافة إلى منع تعاظم قوة “حماس” العسكرية، مقابل تقديم تسهيلات اقتصادية للغزيين، وإعادة الإعمار.

تسعى سياسة حكومة بينيت إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من الاستقرار الأمني في الجنوب الإسرائيلي، لضمان استقرارها، وليتسنّى لها التفرّغ للملف الإيراني النووي، الذي يشغل أولوية أمنية كبرى، فقد احتل هذا الملف أجندة الإجتماع الأول لرئيس الوزراء الإسرائيلي مع الرئيس الأميركي جو بايدن، حيث تعهّد بينيت بالعمل على منع إيران من إنتاج سلاح نووي. هناك ثلاث سياسات رئيسة تعتمدها حكومة بينيت مع غزة، في ظل رغبتها بعدم التشتّت الأمني، والتركيز أكثر على الملف الإيراني:

1- سياسة العصا والجزرة

تُحاول حكومة بينيت من حينٍ لآخر استخدام سياسة “العصا والجزرة”، أو أسلوب “العقاب والثواب” لضبط سلوك حماس، فمثلاً، عندما تُطلق الفصائل الفلسطينية في غزة رشقة من الصواريخ على المدن الإسرائيلية، يُلوح الجيش الإسرائيلي على الفور بالعصا المُتمثّلة بقصفٍ جوي للمواقع العسكرية ل”حماس”، أو التهديد بشن عملية عسكرية، أو إغلاق معبر كرم أبو سالم، ومنع إدخال البضائع، أو منع الصيادين من الصيد في بحر غزة.

وعندما تشعر حكومة بينيت بفترة من الهدوء الأمني، تُقدّم الجزرة المُتمثّلة في بعض التسهيلات المدنية لسكان غزة، مثل توسيع مساحة الصيد في البحر، وإعادة فتح معبر كرم أبو سالم التجاري بشكل كامل لإدخال المعدات والبضائع، وزيادة حصة تجار غزة للمرور عبر معبر إيرز للعمل في إسرائيل.

2- سياسة “جزّ العشب”  

يبدو أن حكومة بينيت لا ترغب غي القضاء على حكم “حماس” في غزة بشكل كامل، حتى لا يحدث فراغ أمني في القطاع، فيصبح مرتعاً للجماعات المتطرفة التي لا يمكن السيطرة عليها. تُدرك حكومة بينيت أن القضاء على “حماس” يتطلب حرباً بريةً كبيرةً لتجريد القطاع من السلاح، وهذا بحد ذاته يُعد مغامرة خطيرة، لا تريد حكومة بينيت التورّط بها في ظل انشغالها بالملف النووي الإيراني.
لذا تحاول حكومة بينيت استخدام سياسة “جزّ العشب” مع حركة “حماس”، التي دعت إليها وزيرة الداخلية الإسرائيلية أيليت شاكيد، في تصريح لقناةٍ تلفزيونية إسرائيلية. تهدف سياسة “جز العشب” إلى منع تعاظم قوة حركة “حماس” العسكرية، عبر شنّ إسرائيل لعمليات جوية عسكرية من وقت لآخر تستهدف البنية التحتية العسكرية للحركة في كل مرّة يحدث تصعيدٌ أو إطلاق صواريخ من غزة، وتلك استراتيجية تبنّاها من قَبل رئيس الوزراء السابق بنيامين نتانياهو في تعامله مع “حماس”، ما يجعل الحكومة الإسرائيلية تُركّز جهودها على الملف الإيراني وفي ذات الوقت تٌذكّر قادة “حماس” وأهالي القطاع بمدى قوتها العسكرية.

3- الإعتماد على الوساطة العربية

عندما تشتعل الأوضاع الأمنية على الحدود الإسرائيلية مع غزة، تلجأ حكومة بينيت عادةً إلى مصر أو قطر للتوسّط بينها وبين حركة “حماس” للتوصل إلى تفاهمات غير مباشرة مع الحركة الإسلامية تضمن فترة هدوء نسبي على الحدود، مثلا، توسّطت مصر لوقف إطلاق النار الذي استمر لمدة 11 يوماً بين إسرائيل وحماس خلال شهر أيار/مايو 2021، وحاول السفير القطري محمد العمادي، خلال شهر آب/أغسطس 2021، التوسط بين حماس وإسرائيل لتهدئة الأوضاع وحلّ الخلاف حول آلية دخول المنحة القطرية إلى غزة، لذا لا تستطيع حكومة بينيت الاستغناء عن الدور العربي لتحقيق هدنة مؤقتة مع حركة “حماس”. وتحاول مصر حالياً إقناع الفصائل الفلسطينية بالتروّي وعدم العودة لإطلاق النار على الرغم من تأخير بينيت لصفقة الأسرى ودفع رواتب حكومة “حماس” في غزة، حيث اجتمعت المخابرات المصرية خلال تشرين الأول/ أكتوبر 2021 بقادة “حماس” والجهاد الإسلامي لتهدئتهم ومناقشة خطة إعمار غزة، ما يعطي فرصة لسكان غزة لتنفس الصعداء في ظل تسهيلات إسرائيلية تأتي مقابل المحافظة على أمن المدن الإسرائيلية في محيط القطاع.

مدى نجاح تلك الاستراتيجيات

تتشابه استراتيجية العصا والجزرة والتدخّل الخارجي التي يعتمدها بينيت مع غزة مع سياسة نتنياهو، الذي حاول من قبل شراء صمت “حماس” لإعادة الهدوء على الحدود الإسرائيلية. لكن لتلك الاستراتيجية نتائج متباينة فهي قد تؤدي إلى فترة من الهدوء على الحدود لبعض الوقت، لكن “حماس” قد تعود لسياستها الانتقامية في حال حدوث أي اشتباكات جديدة بين قوات الأمن الإسرائيلية ونشطاء فلسطينيين في القدس الشرقية أو أي هجوم إسرائيلي ضد عناصرها في غزة والضفة الغربية.

لكن بينيت يبدو مختلفاً عن نتنياهو من حيث تردّده وتأخيره في دفع رواتب موظفي “حماس”، لأنه لا يريد تقديم المزيد من المكافآت للحركة، فتظهر على أنها الطرف المنتصر مقابل إسرائيل، بينما سمح نتنياهو بتسليم حقائب الدولارات عبر معبر إيرز إلى حكومة “حماس” في غزة لمنع أي تصعيد عسكري قدر الإمكان. من ناحية أخرى، لا تزال “حماس” تشعر بالتوجّس، وتعتبر التسهيلات وسائل فاشلة ومرفوضة، وعبارة عن مقايضة الأمن مقابل الغذاء والدواء، وحسب تصريحات محمود الزهار القيادي في “حماس” فإنه لا يمكن للحركة أن تتخلى عن السلاح، ولن تقبل أسلوب التسوّل الذي تريده إسرائيل.

لذا من المتوقع ألّا تُحقّق سياسات حكومة بينيت مع قطاع غزة استقراراً أمنياً طويل الأمد على الحدود الإسرائيلية، بسبب عدم اقتناع “حماس” بالتسهيلات التي تُقدّمها إسرائيل، وقد يشهد القطاع تصعيداً عسكريا آخر، خصوصاً في حال لم يتم الوصول لصفقة تبادل أسرى بين “حماس” وإسرائيل، حيث تشكل صفقة تبادل الأسرى أولوية كبرى لدى قادة الحركة، فتحقيق الصفقة يعني أنها تفي بوعودها للأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية وأيضاً تزيد تعزيز شعبيتها بين الفلسطينيين، وتظهر بوصفها الطرف المنتصر الذي أخضع إسرائيل. هذا يمكنها من استقطاب داعمين لها في الضفة الغربية والخارج، ويصبح بإمكانها تالياً السيطرة على الضفة الغربية في حال انهارت السلطة الفلسطينية. لكن يبدو أن بينيت يشعر بالريبة من خطة “حماس”، ولن يستسلم لمطالبها بسهولة ما قد يورطه في معركة أخرى معها في غزة.

  • رهام عودة هي كاتبة ومحللة سياسية فلسطينية مقيمة في غزة. يمكن متابعتها عبر تويتر على:@RehamOwda . الآراء الواردة في المقال خاصة بها وتُمثّلها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى