الشرق الأوسط وتحوّل الطاقة العالمي

يشهد العالم حالياً تحوّلاً في مجال الطاقة حيث يتجه إلى الطاقة المتجددة بهدف الحدّ من زيادة متوسط درجة الحرارة العالمية إلى أقل من درجتين مئويتين وتحقيق نظام طاقة خالٍ وصاف من الانبعاثات بحلول العام 2050. كيف يتعامل الشرق الأوسط مع هذا التحوّل؟

الأمير محمد بن سلمان: إطلاق مبادرة للوصول للحياد الصفري في العام 2060 من خلال نهج الاقتصاد الدائري للكربون

كارين يونغ*

يقع الشرق الأوسط في قلب تحوّلنا العالمي في مجال الطاقة، ونتوقّع أن تكون السنوات الخمس إلى العشر المقبلة فترة تحوّلٍ صعب، ولكنها أيضاً فرصة فريدة لمنتجي النفط والغاز. الهدف من هذا التحوّل هو محاولة الحدّ من زيادة متوسط ​​درجة الحرارة العالمية إلى أقل من (2) درجتين مئويتين وتحقيق نظام طاقة خالٍ وصافٍ من الانبعاثات بحلول العام 2050. تُمثّل المرحلة الأولى من التحوّل في السنوات الخمس المقبلة فرصةً للشرق الأوسط لكي يكون جسراً من حيث التكنولوجيا الجديدة، وإنتاج الهيدروكربونات الأنظف، والتغيير المُبتَكَر في توصيل الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة. هناك أيضاً ميزة الطلب القوي على النفط في المدى المتوسط ​​الذي لا يسعى المستثمرون للوفاء به، حيث تنخفض النفقات الرأسمالية في مجال التنقيب عن النفط والغاز في العام 2021، ومن المتوقع أن تصل إلى أقل من نصف ذروة 2014 البالغة 752 مليار دولار. في الوقت الحالي، إنه شعار “أُحفر، يا عزيزي، أحفُر”، ولكن في غضون خمس إلى عشر سنين، قد يكون الشعار هو “بِع، عزيزي، بِع” (أو “نتمنّى لو كنّا بِعنا”) كما تسعى شركات النفط الوطنية إلى تبسيط محافظها وتفريغ بعض أصولها لتوزيع المخاطر. سيؤدي توزيع المخاطر بين الشركاء إلى جلب بعض الخصخصة إلى عمليات النفط والغاز التقليدية، ولكنه سيؤدي أيضاً إلى تقريب المُنتجين من عملائهم (في الغالب في آسيا)، على الصعيدَين السياسي والاقتصادي.

في حين أن شركات النفط والغاز المملوكة للدولة ستجني ثمار ارتفاع الأسعار الآن، إلّا أن هناك القليل من التوقّعات بشأن ابتكار سياسات رئيسة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، من حيث خفض استهلاك الطاقة المحلي وحدود الصناعات الاستخراجية. إن أهدافَ الحكومات لإنتاج الطاقة المُتجدّدة للكهرباء طموحة في أماكن قليلة (على سبيل المثال، تهدف جيبوتي إلى الوصول إلى 100٪ من طاقتها من مصادر الطاقة المتجددة بحلول العام 2035)، لكن التنفيذ كان محدوداً. يُولّد الشرق الأوسط أقل من 2٪ من احتياجاته من الكهرباء من مصادر مُتجَدِّدة (باستثناء الطاقة الكهرومائية) ويدعم العديد من الحكومات بشكل كبير تكلفة الطاقة (سواء كانت البلاد منتجة للهيدروكربونات أم لا). يبرز المغرب كرائدٍ في استخدام 35٪ من الطاقة المتجددة لمزيج الطاقة المحلي؛ لكن هذا يأتي نتيجة سنوات من الاستثمار والتعاون مع جهود الاتحاد الأوروبي لاحتضان القطاع. بالنسبة إلى منتجي النفط والغاز في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، من المرجح أن تُركّز التحوّلات الآن وعلى مدى السنوات الخمس المقبلة على: تحقيق الدخل من الموارد الحالية، وتغيير المنتجات لتلبية تفضيلات المستهلكين (سواء استخدام الغاز الطبيعي المسال أو النفط “الأنظف” في استخراجه، أو الاستثمار في ناقلات الطاقة غير الكربونية مثل الهيدروجين الأخضر إلى جانب تحسين الخبرة في إنتاج البتروكيماويات)، والتركيز على حصة السوق وعلاقات العملاء.

في حين أن المنافسة على أسواق التصدير ستُعيد تشكيل العلاقات الجيوسياسية في الخارج، سيكون الشرق الأوسط في الداخل نقطة مركزية بالنسبة إلى المنافسات المحلية في القرن الحادي والعشرين حول تقديم خدمات المرافق الحكومية والقدرة على إثبات الكفاءة في توزيع إيرادات الموارد الطبيعية. يمكن أن يحدث الكثير بشكل خاطئ، ولكن سيكون من مصلحة الولايات المتحدة، والمُستهلكين الرئيسيين لمنتجات الطاقة في الشرق الأوسط في آسيا وعبر الأسواق الناشئة، الاستثمار ليس فقط في جهود الدولة لإتقان إنتاج مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية و الهيدروجين الأخضر، ولكن لتشجيع الإمكانات اللامركزية للطاقة المتجددة في الطاقة الشمسية الموزعة ومنتجي الطاقة المستقلين الذين يمكنهم العمل عبر أنظمة الشبكات الوطنية وحتى الإقليمية.

إذا كانت هذه هي بالفعل الطفرة النفطية التالية والأخيرة، فستكون هناك فترة من إعادة التهيئة داخل شركات النفط الوطنية في المنطقة لتحويل أعمالها لتشمل الوقود المؤقت مثل الغاز الطبيعي المسال، ومضاعفة إنتاج البتروكيماويات، مع تحقيق تقدم في مجال منتجات الطاقة الجديدة مثل الطاقة الشمسية والهيدروجين الأخضر لتوليد الكهرباء وناقلات الطاقة غير الكربونية. وفي جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط، ستشهد شركات النفط الوطنية تعاوناً مع بعض الشركات الإقليمية العملاقة المُهَيمنة التي تتمتع بميزة كبيرة في الوصول إلى رأس المال، إما من خلال الديون أو مبيعات الأصول والشراكات الاستثمارية الجديدة. ستشهد هذه الفترة المؤقتة أيضاً بعض الطلب الثابت على المنتجات النفطية، لا سيما في وقود الطائرات والنقل البحري، وفي الصناعات الثقيلة لإنتاج الأسمنت والألمنيوم والصلب، على سبيل المثال.

ومع ذلك، بالنسبة إلى تلك البلدان التي بدأت للتو النظر في تحويل توليد الكهرباء المحلية من محطات تعمل بالنفط والغاز إلى مصادر الطاقة المتجددة، سيكون هناك تأخّرٌ كبير في الحصول على التمويل لبناء محطات جديدة وعملية تحديث أنظمة الشبكة وتسليم محطات جديدة لإنتاج الطاقة. في الولايات المتحدة والمؤسسات المالية الدولية وتلك الدول الغربية والغنية التي تقود الإجماع السياسي نحو نظام طاقة خالٍ من الانبعاثات، عليها التزام وواجب بتسهيل تدفقات رأس المال لبناء البنية التحتية للطاقة المتجددة.

كمنطقة، سيحتفظ الشرق الأوسط بحصته من إنتاج الهيدروكربونات في سوقٍ قد تشهد انخفاضاً في الإنتاج في العديد من المناطق الجغرافية الأخرى، بسبب تضاؤل ​​الاستثمار في التنقيب والإنتاج، وبسبب المشهد السياسي الديناميكي الذي لا يُشجّع استخراج النفط والغاز الجديد. مع مباركة الإنتاج المنخفض التكلفة وانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون المنخفضة بشكل عام المرتبطة بإنتاج النفط، سيتمكن بعض المنتجين الخليجيين (لا سيما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت) من الاستفادة من قدراتهم من خلال تغيير تفضيلات المستهلكين في المصادر الأنظف. في سوق الغاز، يعمل تفضيل المستهلك نفسه أصلاً على تشكيل سوق للغاز الطبيعي المُسال منخفض الكربون، ولدى الغاز مسار أكبر للنمو كحصة في مزيج استهلاك الطاقة العالمي حتى العام 2040. ستكون هناك تفاوتات جديدة بين منتجي النفط والغاز على حد سواء في الشرق الأوسط، وبين هؤلاء المصدرين وجيرانهم المستوردين في المنطقة. يمكننا توقّع تدفقات تجارية جديدة وأنواع جديدة من الطلب على المنتجات، حيث قد ينخفض ​​الطلب على البنزين لمحركات الاحتراق الداخلي في الغرب؛ من المرجح أن يزداد الطلب على غاز البترول المسال والنفتا والإيثان؛ كما ستشهد صناعة البتروكيماويات توسّعاً مُستمرّاً، بخاصة في الأسواق الناشئة.

في الفرص الجديدة، سيقود بعض منتجي النفط والغاز في الشرق الأوسط الابتكار في التكنولوجيا لتعزيز استخراج الهيدروكربون، مما يجعل إنتاجه أنظف. ستساعد “المواد الهيدروكربونية المُصمَّمة” على تحقيق أهداف الانبعاثات وتبرز أمام المستهلكين، إلى جانب توفير الكفاءات للمنتجين وتدفقات إيراداتهم. على سبيل المثال، في سلطنة عُمان، يستخدم مشروع “ميرا” الطاقة الشمسية لتوليد البخار لاستخراج النفط بشكل مُتقدّم. وهناك مشاريع في المملكة العربية السعودية تعمل على تطوير تقنيات احتجاز الكربون لتحويل انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون إلى مواد أولية للبتروكيماويات. لكن القدرة على شراء واستخدام التكنولوجيا الجديدة ليست كإتقانها للتصدير والهيمنة عبر السوق الإقليمية. هنا توجد فرصة هائلة للاستثمار والمنافسة لمواجهة تحديات النمو الاقتصادي في المنطقة.

  • كارين يونغ زميلة أولى والمديرة المؤسِّسة لبرنامج الاقتصاد والطاقة في معهد الشرق الأوسط في واشنطن. يمكن متابعتها عبر تويتر على: @ProfessorKaren
  • كُتِب المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى