كيف سيُؤثِّرُ التباطؤ الاقتصادي في الصين في الأسواق الناشئة؟

إنخفض مُعدّل النمو في الصين إلى 4.9٪ على أساس سنوي في الربع الثالث من العام الجاري، الأمر الذي أثار مخاوف بشأن تأثير هذا التباطؤ في الأسواق الناشئة.

“تشاينا إيفيرغراندي”: الشركة العقارية العملاقة التي تُهدّد مع شركات عقارية أخرى الإقتصاد الصيني.

عبد السلام فريد*

شهد الاقتصاد الصيني، الذي يُعتَبَر المُحرّك الرئيس للتجارة العالمية، أخيراً تباطؤاً في النمو، ما أدّى إلى زيادة المخاوف بشأن الآثار السلبية المُحتَمَلة في الأسواق الناشئة.

نما الاقتصاد الصيني بنسبة 4.9٪ على أساس سنوي في الربع الثالث من العام الحالي، حسبما أفاد المكتب الوطني الصيني للإحصاء في 18 تشرين الأول (أكتوبر)، وهي أقل بكثير من نسبة 7.9٪ على أساس سنوي المُسَجَّلة في الربع الثاني والتوسّع المُتَوَقَّع للعام بأكمله البالغ 8٪، حسب صندوق النقد الدولي.

كان العامل الرئيس وراء هذا الأداء المُخيِّب للآمال هو سلسلة من النقص في الطاقة، والتي كان لها تأثيرٌ في الإنتاج الصناعي في جميع أنحاء البلاد: اضطر العديد من المصانع إلى وقف الإنتاج في أواخر أيلول (سبتمبر) بعدما أدّى ارتفاع أسعار الفحم إلى دفع بعض منتجي الطاقة إلى خفض الإنتاج.

ومما زاد من تفاقم هذه المشكلات، أن النقص العالمي في الرقائق الدقيقة قد أثّر في إنتاج الإلكترونيات والمركبات، سواء في الصين أو على مستوى العالم.

بالإضافة إلى ذلك، فإن المخاوف المُتعلّقة بصناعة العقارات الصينية – والتي تمثل، إلى جانب الصناعات ذات الصلة، حوالي ربع الناتج المحلي الإجمالي للصين – أثّرت أيضاً في الاستثمار والثقة في الاقتصاد الأوسع.

على مدار شهرَي أيلول (سبتمبر) وتشرين الأول (أكتوبر)، لم تُسدّد شركة “تشاينا إيفيرغراند” (China Evergrande) العقارية العملاقة سلسلة من مدفوعات السندات الخارجية، وقد تتخلّف عن السداد هذا الأسبوع.

وبالمثل، حذّرت شركة العقارات الصينية الزميلة “سينيك هولدنغ” (Sinic Holdings) من أنه من غير المرجح أن تُسدّد 250 مليون دولار من السندات الخارجية المستحقة في وقت لاحق من هذا الشهر، كما تعثّرت مجموعة “تشاينا بروبيرتيز” (China Properties) في دفع سندات بقيمة 226 مليون دولار.

االتداعيات تصل إلى جميع أنحاء آسيا

نظراً إلى أن الصين هي ثاني أكبر اقتصاد في العالم وجذورها عميقة في النظام الاقتصادي العالمي، فإن أي تباطؤ قد تكون له آثار كبيرة في الأسواق الناشئة في جميع أنحاء العالم.

هذه الأسواق التي تُمثّل صادراتها إلى الصين نسبة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي هي الأكثر تضرّراً. على سبيل المثال، تستمد منغوليا ما يقرب من نصف ناتجها المحلي الإجمالي من الصادرات إلى الصين، بينما يبلغ الإجمالي في تايوان حوالي الثلث.

دولة أخرى يمكن أن تتأثر بالانكماش الاقتصادي المستمر في الصين هي فيتنام، التي سجّلت نمواً قوياً على مدار العقد الفائت إلى حدٍّ كبيرٍ على خلفية توسّع التجارة مع جارتها الشمالية. صدّرت البلاد 48.9 مليار دولار من البضائع إلى الصين في العام الماضي، وفقاً لوكالة “كومترايد” التابعة للأمم المتحدة، ما يُشكّل حوالي 20٪ من ناتجها المحلي الإجمالي.

تقريباً، يتكوّن نصف هذه الصادرات من المعدّات الكهربائية والإلكترونية، حيث تُعَدُّ فيتنام مصدراً رئيساً للهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر والأجزاء الكهربائية لجارتها.

والوضعُ مُشابِهٌ في ماليزيا، التي صدّرت في العام المنصرم ما قيمته 38 مليار دولار من البضائع إلى الصين، أي ما يُقَدَّر بنحو 20٪ من إجمالي تجارتها. مرة أخرى، يتألف الكثير من هذه الصادرات من الأجزاء المُستخدَمة في إنتاج الهواتف الذكية والسيارات وأجهزة الكمبيوتر والأجهزة المنزلية – وهي القطاعات التي ستُعاني إذا استمرت المشاكل الحالية.

بصرف النظر عن التجارة القائمة على المُنتجات بشكل صارم، يمكن أن يؤثر التباطؤ الاقتصادي في الصين أيضاً في عدد السياح الصينيين المُتّجهين إلى الخارج. من المحتمل أن يحدَّ هذا من عدد الوافدين إلى جنوب شرق آسيا، حيث بدأ عدد من البلدان أخيراً، تخفيف القيود على الحدود على أمل إحداث انتعاش في هذا القطاع.

علاقة إفريقيا القوية مع الصين

ستظهر آثار أي تباطؤ صيني طويل الأمد في مناطق أبعد بكثير من جنوب شرق آسيا.

طوّرت الصين في السنوات الأخيرة علاقات تجارية قوية مع عددٍ من البلدان الأفريقية، كثيرٌ منها يُصدّرُ كميات كبيرة من الموارد الطبيعية اللازمة للتوسّع الصناعي في الصين، مثل المعادن والفلزات والنفط.

أنغولا هي أكبر مُصدر في القارة السمراء إلى الصين، حيث قامت بشحن ما قيمته 23 مليار دولار من البضائع في العام 2019، بشكل أساسي الوقود المعدني والنفط.

ومع ذلك، فإن التباطؤ في اقتصاد الصين، وخصوصاً في قطاعها الصناعي، يمكن أن يؤثر في بلدان مثل جمهورية الكونغو وناميبيا وجمهورية الكونغو الديموقراطية، وكلها تستمد ما بين 15٪ و 20٪ من ناتجها المحلي الإجمالي من الصادرات إلى الصين.

التنويع التجاري هو المفتاح

على الرغم من أن الصين شريكٌ تجاريٌّ مُهمٌّ للعديد من الأسواق الناشئة، فقد نجح عددٌ من البلدان في تطوير اقتصاداتِ تصديرٍ مُتنوِّعة في الآونة الأخيرة.

وقد سلط الوباء الضوء على الحاجة إلى التنويع بشدّة، بعدما أدّى إلى تعطيل عددٍ كبير من سلاسل التوريد العالمية، والتي كان الكثير منها مُرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالصين.

نتيجةً لذلك، اتَّبَعَ العديد من الشركات والحكومات ما يُسَمَّى بإستراتيجية “الصين + 1″، حيث تسعى من خلالها إلى تنويع الطاقة الإنتاجية من خلال إنشاء خطوط مصانع في بلدان أخرى، مع الحفاظ على عملياتٍ مُهمّة في الصين.

نظراً إلى قربها الجغرافي من الصين والقطاعات الصناعية المتطورة وتكاليف العمالة التنافسية، بدأت دول الآسيان، مثل إندونيسيا وتايلاند وفيتنام، بالفعل الاستفادة من هذا التحوّل والإبلاغ عن مستويات عالية من تنويع الصادرات.

في إفريقيا، في حين أن عدداً من البلدان لديها علاقات تجارية قوية مع الصين، من المتوقَّع أن تُعزِّزَ منطقة التجارة الحرّة القارِيّة الإفريقية (AfCFTA)، التي تم إطلاقها أخيراً، تنويع التجارة من خلال زيادة التجارة بين البلدان الإفريقية بشكلٍ كبير.

تتطلب اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية من الأعضاء إزالة 90٪ من الرسوم الجمركية على السلع، وتسهيل حركة رأس المال والأشخاص، واتخاذ خطواتٍ نحو إنشاء اتحادٍ جمركي على مستوى إفريقيا، والذي يقول المؤيدون إنه سيُعزّز التجارة الإقليمية بشكلٍ كبير – وهي منطقة ذات إمكانات نموٍّ هائلة.

  • عبد السلام فريد هو مراسل “أسواق العرب” في بكين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى