إجتماع جنيف بشأن سوريا، هل يُحقّق اختراقاً هذه المرّة؟

أسامة الشريف*

للمرّة الأولى منذ ما يقرب من عامين، شارك الطرفان المُتعارضان في الصراع السوري في رئاسة اجتماع للجنة الدستورية السورية هذا الأسبوع في جنيف بعد أن اتفقا في وقت سابق على بدء عملية صياغة دستور أساسي جديد للبلاد. بعد توقف دام تسعة أشهر، تعقد اللجنة، التي تضم مُمثّلين عن النظام السوري وأعضاء من المعارضة السياسية بالإضافة إلى شخصيات بارزة في المجتمع المدني، الجولة السادسة من المحادثات تحت رعاية الأمم المتحدة.

وقال مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، غير بيدرسن، إن اللجنة ستناقش المبادئ الأساسية في يومها الأول، ثم تبدأ في صياغة مواد الدستور الجديد. ستقوم لجنة مُكَوَّنة من 45 عضواً بصياغة المواد قبل عرضها على لجنةٍ من 150 عضواً للموافقة عليها.

لم تؤدِّ المناقشات المُنفصلة التي دامت سنتين إلى أيّ مكان، حيث رفض ممثلو النظام السوري الالتزام بأيِّ شيء على الورق. لكن الأشهر القليلة الماضية شهدت تحركات ديبلوماسية حاسمة كان لها، على ما يبدو، تأثيرٌ مباشرٌ على موقف نظام دمشق.

ربما تكون زيارة الرئيس بشار الأسد إلى موسكو في أيلول (سبتمبر) ولقاؤه بالرئيس فلاديمير بوتين قد غطت الجانب السياسي للمضي قدماً نحو تسوية الصراع السوري المستمر منذ عقد من الزمن. جاءت تلك الزيارة بعد شهر من توجه العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، إلى موسكو لمناقشة، من بين أمورٍ أخرى، الأزمة السورية مع بوتين. في أيلول (سبتمبر) وعلى هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، أجرى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف محادثات مع نظيره السوري فيصل المقداد غطّت الاجتماعات المقبلة للجنة الدستورية السورية في جنيف. كما التقى وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي بالمقداد في نيويورك وبحث سبل إيجاد حلّ سياسي للصراع السوري.

ويُعتَقَد أن بوتين حثّ الأسد على إبداءِ المرونة المطلوبة في جنيف. في البداية، استند تشكيل اللجنة إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 لعام 2015، ولكن فقط بعد تدخّل روسيا في العام 2018، تم الاتفاق على إطارِ عملٍ نهائي بين النظام والمعارضة. ومنذ ذلك الحين، عُقِدَت خمسة اجتماعات بدون إحراز تقدّمٍ يُذكَر. وقال ممثلو النظام في وقت سابق إنه لن يتم تنفيذ أيّ اتفاق على الأرض. في أيار (مايو) الفائت، أُعيدَ انتخاب الرئيس الأسد لولاية رابعة، لكن قلّة فقط من الدول اعترفت بالنتيجة.

ولكن منذ ذلك الحين، بدا أن هناك تحوّلاً كبيراً في النظرة الإقليمية إلى الصراع الذي أودى بحياة مئات الآلاف وشرّد الملايين. وافقت الولايات المتحدة، أكبر مانح، على مواصلة تقديم المساعدات الإنسانية لحوالي 11 مليون نازح سوري عبر تركيا. وبينما تصرّ إدارة بايدن على أنها لن تتعامل مع نظام الأسد وستُواصل فرض العقوبات بموجب قانون قيصر، فقد اقترحت تزويد لبنان المُتعطّش للطاقة بالكهرباء والغاز الطبيعي من الأردن ومصر عبر الأراضي السورية.

تزامنت هذه المبادرة مع دعوة الملك عبد الله للولايات المتحدة وأوروبا لإشراك الروس في إيجاد نهاية سياسية للصراع من خلال التركيز على تغيير سلوك النظام بدلاً من تغيير النظام. ونتيجة لذلك، أعاد الأردن فتح حدوده مع سوريا واستضاف كبار المسؤولين الحكوميين والعسكريين السوريين في عمّان. وفي وقت سابق من هذا الشهر تلقى الملك عبد الله اتصالاً من الأسد، هو الأول منذ العام 2011.

قامت كلٌّ من الأردن ومصر والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان والمملكة العربية السعودية ببوادر حسن نيّة تجاه دمشق على أمل إعادة دمج سوريا في الحظيرة العربية بهدف تقويض نفوذ إيران في ذلك البلد. هذا الهدف تشترك فيه موسكو، التي دعا زعيمها جميع القوات الأجنبية غير المدعوّة من النظام إلى مغادرة البلاد، وكذلك إسرائيل. الموقف الأميركي غير واضح لكن الأردن ومصر ما كانا اتَّجَها نحو تطبيع العلاقات مع الأسد لولا الموافقة الضمنية لواشنطن.

وثيقةٌ سرّية قيل إنها أردنية، نشرتها صحيفة “الشرق الأوسط” في وقت سابق من هذا الشهر، تُشير إلى اتخاذ خطواتٍ عملية لتطبيع العلاقات مع سوريا مع الاعتراف بالمصالح الروسية في ذلك البلد مُقابل تغيير تدريجي في سلوك النظام. يتماشى هذا النهج الجديد مع ما اقترحه بيدرسن، وهو تبنّي خطة تدريجية تبدأ بتفاهمٍ أميركي-روسي بشأن سوريا.

بالعودة إلى جنيف، من السابق لأوانه إظهار الحماس والتفاؤل، لكن حقيقة أن الجانبين يجتمعان وجهاً لوجه، وأنهما اتفقا على اتخاذ خطوات عملية نحو صياغة دستور أساسي جديد، هو تغيير كبير في موقف دمشق. بحلول يوم الجمعة، سنعرف المزيد وكيف ستبدو الخطوات التالية.

إنتقد الكثيرون عملية جنيف لفشلها في تحقيق أي نتائج حتى الآن، لكن هناك بدائل قليلة، إن وجدت، لمسارٍ سياسي متوازن من شأنه أن يرسم خارطة طريق تُتوَّج بتسويةٍ سياسية. بطبيعة الحال، هناك العديد من العقبات على الطريق، وفي حين أن المبادرة الأردنية-المصرية المشتركة هي مبادرة إجرائية، فمن المتوقع أن يرد الأسد بالمثل بإبداء بعض المرونة والاستعداد للنأي بنفسه عن إيران، لكن النظام حتى الآن أبقى أوراقه سرّية وقريبة من صدره.

  • أسامة الشريف هو صحافي ومٌحلّل سياسي مُقيم في عمّان، الأردن. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @OsamaAlSharif3

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى