وحِّدوا الأردن وفلسطين – مرّةً أخرى

على المملكة الأردنية الهاشمية أن تضم الضفة الغربية مرّة أخرى من أجل إنهاء الاحتلال الإسرائيلي غير الشرعي، وتحقيق السلام والازدهار، ومنح الفلسطينيين حقوقهم الديموقراطية.

الملك عبد الله الثاني والرئيس محمود عبّاس: هل يقبلان بإعادة توحيد الأردن مع فلسطين؟

حسن إسميك*

تنصُّ نظرية الفيلسوف واللاهوتي الإنكليزي “وليام الأوكامي” المعروفة ب” Occam’s razor، التي ساعدت العديد من المُفكّرين العظماء لقرون، على أن أبسط الحلول في معظم الأحيان هي أفضلها. وفي ضوء التحذير الذي وجَّهه الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الشهر الفائت في الأمم المتحدة لإسرائيل للانسحاب في غضون عام من الأراضي المحتلة، ربما آن الأوان للجانبين للإسترشاد بحكمة هذا الحكيم الذي عاش في القرن الرابع عشر.

من المؤكد أن وليام الأوكامي سيستحسن حلّ العاهل الأردني الراحل الملك عبد الله الأوّل لـ“المشكلة الفلسطينية”، فهو حلٌّ يجمع بين البساطة والمنطقية والواقعية في آن معاً: ضم الضفة الغربية ومنح الجنسية لكل فلسطيني.

عندما ضمَّ الأردنُّ الضفةَ الغربية في نيسان (إبريل) 1950 بعد اتفاقات الهدنة لعام 1949– وبعد أن رسم قرار التقسيم في العام 1947 معالم الدولة العربية الفلسطينية التي تصوّرتها الأمم المتحدة، انتابت المجتمع الدولي كله، باستثناء بريطانيا وباكستان، حالة من الذهول من جسارة فكرة الملك. وأنا اليوم سأتحدث عن مدى أهمية هذه الفكرة.

كان الضمُّ الأردني في العام 1950 بلا شك من أكثر عمليات الضمّ السياسي مرونة وأفضلها تصميماً في التاريخ الحديث، حيث أصبح جميع الفلسطينيين في الضفة الغربية مواطنين أردنيين، وتمَّ الاعتراف بهم سياسياً في البرلمان، مع 30 مقعداً لكلٍّ من الضفة الغربية والشرقية، وتمتعوا بالحقوق ذاتها التي يتمتع بها الأردنيون في الضفة الشرقية.

وفي المقابل، كانت كل محاولة للتوصل إلى حلّ منذ حرب الأيام الستة في حزيران (يونيو) 1967 مُعيبة للغاية أو مُعقّدة بلا داع أو غير مُتوازنة على الإطلاق، ما تسبّب بعقودٍ من الاضطرابات، ومئات الآلاف من الجرحى والقتلى الفلسطينيين والإسرائيليين.

سيطرت إسرائيل في حرب 1967 على شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة من مصر والضفة الغربية والقدس الشرقية من الأردن ومرتفعات الجولان من سوريا. تُعدُّ هذه المناطق “محتلَّةً” لأنها لم تكن جزءاً من إسرائيل قبل الحرب، والغزو الإقليمي محظور بموجب القانون الدولي.

في هذا القانون الدولي، يكمن الفرق بين “الضم الأردني” المُقتَرَح، والذي وافقت عليه جميع الأطراف، وبين ضمِّ إسرائيل الفعلي (أو بحكم القانون حسب بعض المدافعين عن اليمين الإسرائيلي) في أن الأوّل سيكون قانونياً؛ بينما أعلنت كل محكمة دولية عدم قانونية ذاك الأخير.

علاوة على ذلك، تنصّ المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة على أنه “لا يجوز لسلطة الاحتلال إبعاد أو نقل بعضٍ من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها”. كما تُحظِّرُ “عمليات النقل القسرية الفردية أو الجماعية، وكذلك ترحيل الأشخاص المحميين من الأراضي المحتلة”.

ولكي لا ينسى أحد، في أيار (مايو) 1967 لم يكن هناك أيُّ إسرائيلي يسكن الضفة الغربية التي كانت موطناً لما يقرب من مليون فلسطيني يعيشون تحت السيطرة الأردنية منذ عقدين من الزمن، مثلما عاش أسلافهم في الضفة الغربية وزرعوا أرضها لقرونٍ عدة مضت. بل يمكن القول: إنه لمن سخرية القدر حقاً، أنه يجب على أنصار يمين الضم الإسرائيلي – وبما أنهم يحبون الادعاء دوما بأن “الأردن هو فلسطين”- أن يدعموا إعادة الأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل إلى الأردن.

من الطبيعي أن تكون هناك تحديات واعتراضات كثيرة – لا سيما من أعضاء النظام الملكي الأردني والقوميين الفلسطينيين والمستوطنين اليهود وأنصار الضم المُتعصّبين – ولكن، كما سيظهر هذا المقال، يمكن التغلب على هذه التحديات.

في الواقع، إن إعادة النظر في حل الملك عبد الله الأوّل المثالي: ضم الضفة الغربية ومنح الجنسية الأردنية لكل فلسطيني، مع إضافة لا بدّ منها اليوم وهي قطاع غزة – بالإضافة إلى المستوطنين اليهود الراغبين في البقاء، هو أفضل أمل لحل الصراع العربي – الإسرائيلي.

لن يكون الاستيعاب الثقافي عائقاً أمام الوحدة الأردنية، لأن نسبة 50- 70٪ من سكان الأردن – بمَن فيهم أنا – هم من أصل فلسطيني وأكثر من 70% بقليل من اللاجئين الفلسطينيين -البالغ عددهم نحو مليوني لاجئ في المملكة – هم مواطنون أردنيون بالفعل. بالإضافة إلى ذلك، فإن معظم أعضاء الأحزاب السياسية الأردنية، العلمانية والإسلامية، هم من أصول فلسطينية.

في الواقع، صعد العديد من المسؤولين الأردنيين إلى السلطة من بدايات متواضعة في مخيمات اللاجئين في المملكة بدون أن ينشب أي نزاع كبير. يُعزى هذا الأمر بشكل كبير إلى أن الأردن هو الأقرب إلى فلسطين من حيث العادات والتقاليد وحتى النَسَب العائلي. وعلى الرغم من قرب غزة من سيناء، إلا أن أهلها ما زالوا أقرب إلى الأردن منهم إلى مصر.

علاوة على ذلك، يُعتَبَرُ الضم الأردني منطقياً لسبب آخر هو أن غالبية الفلسطينيين غير الأردنيين لديها موقف قوي ومؤيد للملك الأردني عبد الله الثاني (بحسب إستطلاعات حديثة تعود للعام 2019): 68% من سكان غزة و77% من سكان الضفة الغربية. كما سبق أن أظهر استطلاع للرأي نشرته جامعة النجاح الوطنية في أيار (مايو) 2016 أن 42% من الفلسطينيين يؤيدون الاتحاد مع الأردن، في حين أظهر استطلاع آخر أجرته صحيفة الحدث الفلسطينية على الإنترنت في العام نفسه أن 76% يؤيدون الكونفيدرالية مع المملكة.

إذا تم إعداد سيناريو التوحيد بشكلٍ مُناسِب –على أن تبقى القدس طبعاً منطقة مفتوحة للجميع– فإن ذلك سيعود بالفائدة على إسرائيل والأردن والفلسطينيين والعرب والمنطقة بأسرها. لن يحقق الجميع حينها قدراً أكبر من السلام والاستقرار في المنطقة فحسب، بل سيحقّقون أيضاً النمو الاقتصادي وزيادة التجارة من خلال الأسواق الجديدة.

حينها أيضا ستتخلّص إسرائيل أخيراً من الأعباء القانونية الناجمة عن سيطرتها على الضفة الغربية، ومن كل ما يُضر بسمعتها وعلاقاتها العامة، فتتمكّن من تفادي ازدراء المجتمع الدولي. وحيث أنه لن يكون للفلسطينيين جيش دائم، فسيمكن لإسرائيل حينها، وعبر مفاوضاتها مع الممثلين الفلسطينيين المشاركين في اتفاق الضم، أن تضمن نبذ الفلسطينيين للعنف ونزع سلاح الجماعات المسلحة مثل حركة “حماس” وتنظيم “الجهاد الإسلامي”، المتمركزَان في غزة.

سيضمن الاتفاق أيضاً الاعتراف بدور قوات أمنية أردنية حليفة للولايات المتحدة الأميركية وغير مُعادية لإسرائيل، والتي سبق أن تمَّ التنسيق والتعاون معها أمنياً لحراسة الحدود المشتركة. وعليه، لن تشعر إسرائيل بعد ذلك بالحاجة إلى إنفاق 5.6% من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع والتسلّح، وهي ثاني أعلى نسبة في هذا المجال بين دول العالم.

ستستفيد إسرائيل، لعقود عديدة آتية، من بيع التكنولوجيا للعالمين العربي والإسلامي. وبالمثل، سوف تستفيد الأسواق العربية من توظيف قوة عاملة إسرائيلية مُحترفة ومُدرَّبة تدريباً ممتازاً. سوف تتدفق التجارة والتعاون والنمو الاقتصادي في كلا الاتجاهين. وبذلك لن تنشغل إسرائيل بتحصين قبتها الحديدية لمواجهة العرب أو جيرانها في الإقليم أو الميليشيات مثل “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، بل سينشغل قطاعها الاقتصادي ببناء الجسور مع الدول التي تقدم مئات الملايين من العملاء والمستفيدين الجدد.

قد يجادل البعض بأن الاندماج الاقتصادي بعد اتفاقية وادي عربة بين الأردن وإسرائيل 1994 جاء بطيئاً ولم يأتِ بالقوّة التي كانت مأمولة. لكن اليوم، بات قياس طبيعة الاقتصاد العالمي يتم بالنانو ثانية وليس بالسنوات. لقد لاحظ العالم السرعة الخاطفة التي بدأ بها التعاون الاقتصادي الإسرائيلي-الإماراتي المشترك في العام 2020، وأعتقد أن التعاون مع “الأردن المُوَحَّد” سيكون على المستوى عينه تقريباً، خصوصاً وأن الحاجة إلى التعاون بين البلدين ستكون أكبر حجماً وأكثر استراتيجية بسبب التجاور الجغرافي بينهما.

علاوة على ذلك، ستلعب الحوافز والتعاون الاقتصادي دوراً رئيساً في المفاوضات ضمن إطار حل شامل للصراع العربي-الإسرائيلي. وهذا صحيح على المستوى الإسرائيلي – الأردني بعد الضم وعلى المستوى العربي-الإسرائيلي، بخاصة وأن إسرائيل دولة متطورة ولديها أصول إستراتيجية متقدمة في القطاع التكنولوجي. ومع احتياج الدول العربية لتقنياتها الحديثة، سيكون مُرحَّباً بالشركات الإسرائيلية كشركاء في مشاريع تجمع الطرفين.

التكامل الاقتصادي لن يحل قضية المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية. يعيش اليوم أكثر من 475,000 مستوطن إسرائيلي في الضفة الغربية وأكثر من 200,000 في القدس الشرقية. على الرغم من كونهم أقلية وأن التهديدات تُحيط بهم، فقد اختاروا البقاء في المستوطنات لسببين رئيسين: إما بسبب الإيديولوجيا، أو لأن تكلفة المعيشة في المستوطنات أقل مما هي عليه في إسرائيل.

قد يختار القسم الأول العودة إلى إسرائيل، لكن القسم الثاني قد يُفضّل أن يصير أردنياً، جنباً إلى جنب مع المستوطنين المعتقدين بأن الاستمرار في العيش على ما يعتبرونه أرضاً مُقدّسة هو واجب ديني. كقطاع أقلية تم السكن فيه حديثاً من المواطنين الأردنيين، ربما يمكن منح هؤلاء اليهود الأردنيين “كوتا” في البرلمان الأردني. أما بالنسبة إلى أولئك الذين يختارون المغادرة، فيمكن للحكومة الإسرائيلية أن تُخصّص لهم جزءاً صغيراً من الفوائد التي سيوفّرها السلام من موازنتها الدفاعية الهائلة، وتستخدمه لاستيعاب تكلفة إعادة التوطين، بالإضافة إلى تقديم خيارات الإسكان بأسعار معقولة.

ومع ذلك، فإن حل أكثر القضايا السياسية تعقيداً في التاريخ المعاصر سيتطلب في نهاية المطاف أن تتنازل إسرائيل عن احتلالها غير القانوني، وتقبل التخلّي عن الضفة الغربية وقطاع غزة. صحيح أن فكرة ضم هذه الأراضي لن تروق للإسرائيليين من اليمين المتطرف، والذين يصرّون على السيطرة الإسرائيلية على ما يُعرَف بالمناطق “أ” و”ب”و”ج”، لكن، ولأجل استرضائهم، يمكن التنازل عن المستوطنات المُكتظّة بالسكان بالقرب من حدود إسرائيل المُعتَرَف بها قانوناً.

ومع ذلك، فهذا وحده قد لا يكون كافياً. قد يصرّ المستوطنون على أنهم بحاجة إلى حماية أنفسهم من خلال زيادة أراضيهم، وبأنهم لا يهتمون بحلّ النزاع. هذا سؤال مشروع، بغض النظر عن حقيقة أن زيادة أراضيهم خارج حدودهم هو أمرٌ غير قانوني وسيظلّ كذلك إلى الأبد.

بالمقابل، فإن الحلّ الذي يقدّمه الضمّ الأردني مشروعٌ أيضاً: ينال المستوطنون مستقبلاً يسوده السلام والازدهار المشترك مع جميع جيرانهم وبقية الدول العربية وحتى العالم الإسلامي. في حين قد يعتقد بعض الإسرائيليين أن فوائد السلام والازدهار لن تفوق مزايا الاحتلال المستمر والوضع الراهن، هؤلاء مُخطِئون ومُضَلَّلون، ربما لأنهم لم يعرفوا السلام أبداً. وفقاً لاستطلاع في العام 2020، يُفضّل ما نسبته 49% و41% على التوالي من المصرفيين الغربيين واليهود الإسرائيليين “التوصّل إلى اتفاق سلام” مع الفلسطينيين. هم يدركون أن استمرار الاحتلال على ما هو عليه اليوم غير ممكن، وإن بقاء أي وضع راهن على حاله في عالمنا الراهن المُتغَيِّر باستمرار، هو ضرب من الخيال، ومن الأفضل بكثير رسم المستقبل بدلاً من تركه للمصادفات.

يجب أن يضمن الترتيب الجديد عدم تهديد هوية الفلسطينيين والأردنيين. ينبغي أن يشعرَ الجميع أنهم يُقيمون في دولتهم الدستورية والمؤسسية القائمة على مبادئ المواطنة الحديثة. والأهم من ذلك، يجب أن تتضمن أي صيغة للتوحيد منح الفلسطينيين المواطنة الأردنية الكاملة والمساواة التامة أمام القانون، حتى لا يشعروا بأنهم مهاجرون أو لاجئون بلا دولة. وبالمثل، يجب مراعاة ألّا يشعر الأردنيون بأن هويتهم مُهدَّدة، أو أن مواردهم مُستَنفَدة ودولتهم مسروقة. لذلك يمكن إعادة تسمية هذه الدولة بـ (المملكة الأردنية الفلسطينية الهاشمية).

ومن المتوقع أن يؤدي التوحيد إلى ازدهارٍ اقتصادي كبير في الأردن، خصوصاً مع مساهمات جديدة للضفة الغربية، فقبل حرب ال1967 ساهمت الضفة، التي كانت تضم 48% من المؤسسات الصناعية و53% من المؤسسات التجارية في المملكة، بنحو 38% من الناتج المحلي الإجمالي للأردن. منطقياً، ستزداد هذه النسبة بشكل كبير في ظل التوحيد مُجدّداً. وبالنسبة إلى قطاع غزة، فإن أي اتفاق بين الأردن وإسرائيل سيتطلب التزام الدول الأخرى، في المنطقة والغرب على حد سواء، بالاستثمار في الإنعاش الاقتصادي للقطاع.

كما سيزيد التوحيد من فرص التعاون الأردني-الفلسطيني في ما يتعلق بتحديث البنى التحتية في الضفة الغربية وقطاع غزة، ومثله الاستفادة من موارد الطاقة الموجودة في البحر الأبيض المتوسط داخل الحدود الإقليمية للقطاع، والآبار وأحواض المياه في الضفة الغربية.

ومن المؤكّد أنه رُغم كل المشاكل التي قد تأتي من الوحدة مع غزة، وعلى رأسها ترسيخ التنظيمات الإسلامية المتطرفة الراديكالية داخل حدود المملكة، فإن حصول الأردن على منفذ على البحر الأبيض المتوسط هو اعتبار استراتيجي مهم للغاية. وفي حين أن إسرائيل تستغل الآن بعض هذه الموارد بشكل غير قانوني، فإن من شأن اتفاقية دولية مبنية على العقوبات بين إسرائيل والأردن، أن تنص قانونياً على ترتيب أكثر إنصافاً يتوافق عليه كلا البلدين.

من المُسلَّم به أن للأردن محاذير كثيرة حيال مشروع كهذا، لما سيُشكّله من ضغطٍ اقتصادي وإداري وديموغرافي على المملكة. ولذلك، يجب أن يحصل الأردنيون على ضماناتٍ دولية للمساعدة المطلوبة، ضمانات مالية وتشغيلية. ومما لا شك فيه أن أميركا وأوروبا ودول الخليج ستوافق بسهولة، فالتمويل الذي ستساهم به على شكل مساعدات خارجية واستثمار اقتصادي سيكون أقل كلفة وأكثر ربحاً من تريليونات الدولارات المتوقَع إنفاقها، أو التي أنفقتها تلك الدول بالفعل على الحروب والصراعات في المنطقة.

من جهة أخرى، فإنه بسبب التأثيرات المالية لجائحة كوفيد –19 على الدَين الوطني ومعدلات البطالة في الأردن (التي ارتفعت من 19% في 2019 إلى 24.7% في الربع الرابع من العام 2020، مع وصول بطالة الشباب إلى نسبة غير مسبوقة 50%)، لن تكون المملكة مُنفتحةً على الدخول في مناقشة التوحيد دون الأخذ بالحسبان أوّلاً تكاليف إعادة الإعمار اللازمة في الضفة الغربية، ومثلها المخيمات التي يعيش فيها ملايين الفلسطينيين في الأردن، والتي تفتقر إلى الخدمات والبنية التحتية – ناهيك عن تلبية احتياجات 1.5 مليون لاجئ سوري.

كما يجب أن تحصل المملكة على ضمانات مُلزِمة قانونياً من إسرائيل ضد أي اشتباكات مُستقبلية مع أجهزتها العسكرية والأمنية. في المقابل، ستتلقى إسرائيل ضمانات بأن الجيش الأردني (وربما جيوش دول عربية أخرى) سيساعد في حماية النظام الملكي وإسرائيل ضد هجمات الجماعات الفلسطينية المسلحة. لا شك أن ذكرى نزاع أيلول الأسود في العام 1970، حين وقف القوميون الفلسطينيون في مواجهة الجيش الأردني، ما زالت تؤرق النظام الملكي. ولذلك، يمكن عبر هذه التطمينات استبدال البيئة السائدة اليوم، والتي تكرس الدمار المتبادل في الشرق الأوسط، باتفاقية تضمن الحماية المتبادلة. في هذا السيناريو، سيكون الخاسر الوحيد هو التنظيمات الإرهابية غير الحكومية.

إن خوف الأردنيين من “سرقة” دولتهم عبر التوحيد، أو القلق من إضعاف النظام الملكي الهاشمي، أمرٌ يُمكن تفهّمه، ولكن لا أساس له. لمعالجة هذه المخاوف سيتم خلال حوار “التوحيد” إعداد اتفاق خاص يضمن حصر الحكم في الدولة الموحدة بالأسرة الهاشمية. ومن مزايا أن تصبح الأرض جزءاً من الأردن أن ذلك سيفنّد الجدل المُثار حول سبب قيام الحكومة الأردنية، بشكل تعسفي وبدون سابق إنذار، بسحب الجنسية الأردنية من مواطنيها من أصل فلسطيني. كان العذر دائماً هو المساعدة في الحفاظ على حق الفلسطينيين المُكتَسب في العيش في الضفة الغربية، وبالتالي إحباط المخططات الإسرائيلية لاستعمار المنطقة.

أيضاً، سيكون هناك اعتراض الوطنيين الفلسطينيين، العلمانيين منهم والإسلاميين، الذين سيرفضون الإنهاء الفعلي لحركتهم الوطنية. ومع ذلك، فإن منحهم العمل في مجلسٍ مُنتَخَب يتولّى جميع الشؤون في الضفة الغربية وقطاع غزة –ناهيك عن إلغاء النفوذ الإسرائيلي الذي غالباً ما يكون مُذلاً ولا إنسانياً على الحياة اليومية– يجب أن يفوق أي اعتراضات على زوال ما يراه معظم الفلسطينيين حلماً وطنياً من محض الخيال.

في نهاية المطاف، إن ما يُوحِّد الفلسطينيين والأردنيين على وجه الخصوص أقوى بكثير مما يُوَحّد بقية الشعوب العربية. وبالنسبة إلى هؤلاء القوميين من الفلسطينيين الذين يفضلون شنّ حرب لا تنتهي لتأمين وطنٍ مستقل، فإني أقول إن التنعّم بالمواطنة والسلام في وطن بالتبنّي هو أفضل بكثير من المحاربة لستة عقود أخرى من أجل مجرد احتمال الحصول على وطن.

وبعد كل شيء، نشأت الحركات القومية النشطة في الأراضي الفلسطينية وتطورت رداً على الاحتلال الإسرائيلي لهذه الأراضي، وخوفاً من طمس الهوية العربية للفلسطينيين. لذلك، إذا تم التوصل إلى اتفاق دولي بضمانات دولية لتوحيد كلتا الضفتين، فإن مبرر وجود هذه الحركات سينتهي بعملية الضم. قد يشير متشائمون إلى أن هذا هو أكبر مخاوف الحركات القومية.

لن يكون أمام الحركات الضعيفة مثل “حماس” و”فتح” خيار سوى قبول الأمر الواقع. سيكون خيارهم الوحيد هو تحقيق أهدافهم سياسياً من خلال الأحزاب والبرلمان. إن طاقات قادتهم وحماستهم ستخدم بشكل أفضل الشعب الفلسطيني في مجلس النواب الأردني. لن تفقد القومية الفلسطينية وجودها، لكن مؤيديها يمكن أن ينضموا إلى برلمان حيث يمكنهم من خلاله المساعدة على توجيه مصير شعبهم أكثر مما يمكنهم فعله في ظل الحكم غير الديموقراطي للسلطة الفلسطينية.

أخيراً، التوحيد الأردني لا يعني بأيّ شكلٍ من الأشكال تطبيق ما يسميه الإسرائيليون “الخيار الأردني” الذي يهدف إلى وأد القضية الفلسطينية بدون مقابل، فيجعل من الأردن أداةً لذلك وليست طرفاً رئيساً من أطراف هذه القضية. ومن يظن أن توحيد الضفتين هو مجرد عملية ضم الأراضي الفلسطينية للأردن مقابل حلّ أزمة المملكة الاقتصادية، فهو مخطئ أيضاً.

يجب أن يكون للقادة والسياسيين والعسكريين الفلسطينيين –العلمانيين والدينيين– مقاعد على طاولة المفاوضات مع الأردن وإسرائيل. وكما هو الحال في أيِّ مفاوضات، لن يتم اعتبار أي اتفاق شرعياً ما لم يتم الاستماع إلى مخاوف جميع الأطراف وحلّها.

وفي حين أن هناك آلاف المشكلات الكبيرة والصغيرة التي تتطلّب حلّاً، إلّا أن مناقشة التوحيد الأردني سُتشكّل تحسّناً كبيراً عن الخطة التي قدّمها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في حزيران (يونيو) 2020، والتي كانت ستضمّ إسرائيل من خلالها –من جانب واحد– ما يصل إلى 30% من الضفة الغربية، بالإضافة إلى قطعة ضخمة من الأرض على طول حدود الضفة مع الأردن.

جاءت ردة الفعل الدولية الغاضبة على “صفقة القرن” بين نتنياهو وترامب سريعةً وبالإجماع. ثم بعد شهر من تحذير رئيس الوزراء الفلسطيني من أنه بإمكانهم إعلان دولتهم المستقلة على جميع أنحاء الضفة الغربية تقريباً إذا ضمّت إسرائيل الأراضي هناك، أعلن مبعوث الأمم المتحدة للشرق الأوسط أن الضم الإسرائيلي والخطوات الفلسطينية المضادة “ستُغيّر الديناميات المحلية بشكل كبير، وستثير الصراع وعدم الاستقرار في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة”. كما أن مصر والأردن، الدولتان العربيتان الوحيدتان اللتان وقعتا معاهدات سلام مع إسرائيل في ذلك الوقت، حذّرتا من أنهما ستضطران إلى مراجعة علاقاتهما مع إسرائيل إذا استمر الضم، كما فعلت ذلك دول أخرى.

بعد شهرين، علقت إسرائيل خطتها. وفي الشهر التالي، في أيلول (سبتمبر)، وُقعت اتفاقات ديبلوماسية تاريخية في احتفال في البيت الأبيض مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين. غير أن التوحيد الأردني سيُحقّق مكاسب اقتصادية وأمنية أكبر.

من المؤكد أنه في ظل الفشل الذريع الذي مُنيت به كل الحلول الأخرى، فقد حان وقت التفكير الخلّاق. إن نظرية وليام الأوكامي لتوحيد الأردن قد تقطع العقدة الغوردية للصراع الإسرائيلي–الفلسطيني مرة واحدة وإلى الأبد.

  • حسن إسميك هو رجل أعمال أردني رائد مُقيم في دولة الإمارات العربية المتحدة، وكاتب له أعمدة أسبوعية في الصحافة العربية والدولية. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @HasanIsmaik
  • يصدُرُ هذا المقال بالعربية في “أسواق العرب” توازياً مع صدوره بالإنكليزية في “فورين بوليسي”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى