الأردن يحتاج إلى تحوّلٍ كبيرٍ في حياتهِ السياسية

أسامة الشريف*

بعد ثلاثة أشهر من تشكيلها، قدّمت اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسة في الأردن توصياتها إلى الملك عبد الله الثاني في الأسبوع الفائت. اللجنة المُكَوَّنة من 92 عضواً، والتي تضم شخصيات عامة تُمثّل تيارات سياسية واجتماعية واقتصادية مختلفة، كُلِّفت بمهمة تقديم مسودّات لقوانين الانتخابات الجديدة والأحزاب السياسية بالإضافة إلى مقترحات لتمكين المرأة والشباب وتحسين الإدارة المحلّية.

جاءت المبادرة الملكية بعد سنواتٍ من المطالب العامة بإصلاحات سياسية كبرى وسط بيئة سياسية قديمة. وكان الملك قد قدم رؤيته للإصلاحات السياسية من خلال سلسلة من أوراقِ النقاش عقب “الربيع العربي”. ودعا إلى تحوّلٍ تدريجي نحو حكوماتٍ برلمانية حيث تتنافس الأحزاب السياسية على ثقة الجمهور لإدارة السلطة التنفيذية كبديل من الحكومات المُعَيَّنة.

بعد أسبوع من تسليم اللجنة مقترحاتها، قام رئيس الوزراء بشر الخصاونة بتعديلٍ وزاري للمرة الرابعة منذ تعيينه قبل عام. لم يُثِر التعديل الوزاري إعجاب الشارع الذي أصبح مُتَشَكِّكاً في أداء الحكومة وقدرتها على تحقيق نتائج ذات مغزى من شأنها تحسين الحياة اليومية لملايين الأردنيين. منذ العام 2019، ارتفعت معدلات البطالة والفقر إلى مستويات قياسية، بينما تجاوز الدين الوطني حاجز 45 مليار دولار؛ أكثر من 90 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. ومن المتوقع أن يتجاوز 100 في المئة في العام 2022.

بين العام 2011 والآن، تشكّلت في الأردن ست حكومات، وجميعها كانت لديها تفويضات ملكية لتحسين الاقتصاد والمعيشة للأردنيين. في حين كان للوباء تأثيرٌ سلبي على الاقتصاد بشكلٍ عام، إلّا أن الواقع هو أنه لم تكن هناك حكومة واحدة قادرة على تغيير المسار الهبوطي للاقتصاد الوطني. مع ارتفاع معدل البطالة إلى أكثر من 25 في المئة، وهو أعلى بكثير بين الشباب والنساء، فقد أصبح ذلك مؤشراً اجتماعياً واقتصادياً يُنذر بالخطر.

يلقي النشطاء والأحزاب السياسية باللوم على نظام التصويت الفردي، الذي تم تبنّيه في منتصف التسعينات الفائتة لكبح جماح الإسلاميين، بالنسبة إلى التدهور الذي أصاب الحياة السياسية في المملكة. بعد أكثر من عقدين من الانتخابات البرلمانية التي أُجريت في ظل هذا النظام وتنوّعاته، فقدت غالبية الأردنيين الثقة في المجالس التشريعية المُتعاقبة وقدرة المُشرِّعين المُنتَخَبين على أداء واجباتهم الرقابية أو إدخال إصلاحات حقيقية. الأحزاب السياسية، التي يبلغ عددها الآن أكثر من 50، فشلت إمّا في الفوز بمقاعد أو في تشكيل كتل نيابية، باستثناء جبهة العمل الإسلامي وحلفائها.

نتج عن ذلك تهميش الأحزاب السياسية، والتعدّي الجسيم للسلطة التنفيذية على حساب السلطة التشريعية والقضائية، والصعود الهائل للهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية المُوَحِّدة وتأثير ما يُسمّى بالمال الأسود في الناخبين. ولا عجب أن أكثر من 70٪ من الأردنيين لم يَعُدوا يثقون بنوابهم، وأن نسبة المشاركة في انتخابات العام الماضي كانت أقل من 30٪.

تحدّث ناشطون وشخصيات سياسية عن عدم وجود إرادة سياسية لتغيير الوضع السياسي الراهن وإدخال إصلاحات حقيقية. ولكن الآن هناك التزامٌ ملكي لتمرير القانونَين اللذين اقترحتهما اللجنة. الهدف العام من هذين القانونين هو تمكين الأحزاب السياسية وتعزيزها بشكل تدريجي، وعلى مدى فترة قد تستغرق 12 عاماً على الأقل، حيث يمكن، يوماً ما، أن تُحكَم المملكة من قبل حكومات برلمانية مُنتَخَبة. إنه من الاستخفاف القول إن الأردنيين كانوا ينتظرون مثل هذا التطور منذ أكثر من 30 عاماً. إن التخوّل الديموقراطي، أو الانتقال إلى الديموقراطية كما كان يُطلق عليه ذات مرة، تأخّر تحت ذرائع مختلفة. الأكثر شيوعاً هو أن الأردنيين لم يكونوا ناضجين بما يكفي لحكم أنفسهم.

لكن سجل الحكومات المُعَيَّنة سابقًا سيّئٌ في جميع المجالات تقريباً. لقد سئم الأردنيون من فضائح الفساد في القطاع العام، وسوء إدارة الموارد العامة، وتدهور الخدمات العامة، والبنية التحتية المتداعية. هناك فجوة كبيرة ظهرت، وهي تفصل بين المواطنين والحكومات والمُشرّعين. لقد أصبح انعدام الثقة هذا قاسماً مُشتَرَكاً بين الحكومات ولعنةً لرؤساء الوزراء الجدد.

تكمن مشكلة التشريعات الجديدة التي اقترحتها اللجنة الملكية في أنها تأتي بعد فوات الأوان لإحداثِ أيِّ فرق. بصرف النظر عن بعض العقبات التشريعية، تحتاج الأحزاب السياسية إلى تجاوز حدّ 2.5 في المئة من إجمالي الأصوات في ظل النظام النسبي والحاجة إلى إيجاد 1000 عضو مؤسس لتشكيل حزب سياسي، في الوقت الذي أصبحت غالبية الأردنيين غير مهتمة أو منخرطة في السياسة. معظم الأحزاب السياسية القائمة غير إيديولوجية ولديها برامج غامضة. ومن المفارقات أن الحكومات السابقة حاربت وقمعت أي حزب علماني ومدني ناشئ. يكاد يكون من المستحيل لحزب سياسي أن يجتذب عدداً كافياً من الناخبين على الرغم من حقيقة أن هذه الأحزاب ستخوض ضمن دائرة وطنية واحدة، للتنافس على 41 مقعداً من 130 مقعداً في مجلس النواب، وهذا قد يبدأ شفاء المملكة من آفة الهويات الفرعية والمال الأسود.

من الإنجازات الإيجابية التي حققتها اللجنة هو تركيزها، في مقدمة التقرير، على الهوية الوطنية بغض النظر عن الأصل، وهي قضية خلافية ومثيرة للجدل، وبالنسبة إلى سيادة القانون. تظل هناك إحدى القضايا محورية، وهي أن الأردن بحاجة إلى تحوّلٍ كبيرٍ في حياته السياسية يتجاوز التحديث ويتصدّى للتحدّي الرئيس المُتمثّل في الفصل العادل بين السلطات وحق الناس في حكم أنفسهم كما هو منصوص عليه صراحة في الدستور.

  • أسامة الشريف هو صحافي ومٌحلّل سياسي مُقيم في عمّان، الأردن. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @OsamaAlSharif3

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى