إستطلاع رأي الشباب العربي: إنّهم أكثر تفاؤلاً في 2021؟

كابي طبراني*

إن فهم المشكلة عبر أكبر قدر مُمكِنٍ من التفاصيل والمعلومات هو مفتاح حلّها. وهذا بالضبط ما يقوم به “استطلاع رأي الشباب العربي” الذي تُجريه سنوياً الشركة الإستشارية العالمية “أصداء بي سي دبليو”، ويُعتبَر أشمل دراسة تُركِّز على الفئة السكانية الأكبر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتي تضم ما يزيد على 200 مليون شاب وشابة. وقد شمل الاستطلاع هذا العام 3,400 مواطن عربي تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً في 50 مدينة عبر 17 دولة خلال الفترة الممتدة بين 6 و30 حزيران (يونيو) 2021.

كشف هذا الاستطلاع الذي صدر يوم الثلاثاء الفائت، أن غالبية الشباب العربي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعتقد أن أيامها الآتية ستكون أفضل، وذلك على الرغم من الجائحة والصراعات المستمرة والتدهور الاقتصادي غير المسبوق في المنطقة. وأعرب المشاركون في الاستطلاع عن أملهم بأن تبادر حكوماتهم إلى معالجة المحسوبيات والفساد، وتقديم المزيد من الدعم لهم لإطلاق أعمالهم التجارية الخاصة.

ويُسلّط تقرير الاستطلاع، الذي يحمل عنوان “المستقبل بآمال مُتجَدّدة”، الضوء على التفاؤل الذي يتمتّع به الشباب العربي؛ حيث قال نصفهم تقريباً (48%) إنهم سيحظون بحياة أفضل من آبائهم، وهي النسبة الأعلى خلال السنوات الثلاث الأخيرة. كما قال نصف المشاركين في الاستطلاع بأن اقتصادات بلدانهم تسير في الاتجاه الصحيح، وتوقّع معظمهم انتعاشاً اقتصادياً شاملاً بحلول العام 2022.

هذه النتائج مهمة جداً لأن العالم العربي في أكثريته من الشباب. ستون في المئة من سكانه هم دون سن الخامسة والعشرين. وفي غالب الأحيان، يواجه الشباب تحدّياتٍ لا تُصدَّق. بعد عقد من الانتفاضات العربية، التي كانت مدفوعةً في جزءٍ كبير منها بعدم رضا الشباب، تُشكّل جائحة كوفيد-19 أكبر تهديد للازدهار الإقليمي منذ أجيال. حتى الآن قتلت ما يقرب من 200 ألف شخص في المنطقة، الأمر الذي كلّف اقتصاداتها ما يقرب من 230 مليار دولار. ولمّا كانت المنطقة أصلاً في وضع غير مستقر، فقد أثّرت الأزمة بشكل غير متناسب في رفاهية وازدهار الشباب العربي. واحدٌ من كل ثلاثةٍ فَقَدَ وظيفته، أو فَقَدَ أحد أفراد أسرته بسبب كوفيد-19. ومن غير المستغرب إذن أن ما يقرب من 90 في المئة مِمَن شملهم الاستطلاع قالوا إن الوباء يُمثّل مصدر قلقٍ رئيساً للمستقبل.

لكن الاستطلاع يقيس ويُقدّرُ أكثر من المخاوف، ولهذا كانت نتائج 2021 مثيرة للغاية؛ يبدو أن الوضع العام هو أكثر تفاؤلاً مما كان مُتَوَقَّعاً، ويعتقد ستة من كل عشرة من الشباب العربي أن أفضل أيامهم مُقبِلة ولم تأتِ بعد.

هذا التفاؤل بالمستقبل هو الأعلى في الخليج. تحتل الكويت المرتبة الأولى، حيث يشعر 92 في المئة من الشباب بهذا التفاؤل. وتأتي الإمارات العربية المتحدة في المرتبة الثانية بنسبة 90 في المئة. الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو ارتفاعه في العديد من دول المنطقة غير المستقرة. في سوريا، أظهر استطلاع العام الماضي أن 12 في المئة فقط متفائلون بالمستقبل. هذه المرة، كانت النتيجة 36 في المئة. تم تسجيل زيادات أخرى في لبنان وفلسطين واليمن، من بين دول أخرى. في حين أن الكثيرين لا يزال تفاؤلهم منخفضاً للغاية للاحتفال، فإن هذا المسار الإيجابي المُوَحَّد ملفت.

ولا تُخفّف هذه النتائج المُبشّرة من حجم التحدّي الذي يواجهه صناعُ السياسات الإقليميون، حيث أعرب 89% من الشباب العربي عن قلقهم البالغ بشأن ارتفاع تكاليف المعيشة. كما أكد 8 من كل 10 أشخاص قلقهم بشأن البطالة وجَودة التعليم، بينما قال أكثر من ثلثهم (37%) بأنهم يكافحون لتغطية نفقاتهم. وأشار ثلث هؤلاء (33%) إلى خسارتهم – هم أو أحد أفراد أسرتهم – لوظائفهم بسبب جائحة “كوفيد-19”.

كما رصد استطلاع هذا العام تحوّلاً ملحوظاً في الآراء بشأن حقوق الجنسين، فبينما قالت 64% من المشاركات في استطلاع العام الماضي إنهن يتمتّعن بحقوقٍ مساوية للرجال في بلدانهن، بلغت نسبتهن هذا العام أكثر من النصف بقليل (51%). وتبدو الشابات اللبنانيات الأقل حظاً مُقارنةً بالرجال، إذ قالت نسبة 44% منهن فقط إنهن يتمتّعن بحقوقٍ مُساوية للرجال مُقارنةً مع 60% في العام الفائت.

بعد عامٍ من الاضطرابات الهائلة، ليس من المستغرب أن تتفاقم مشاكل الشباب المادية. والمثير للدهشة هو أن الدافع والروح اللازمين للاستمرار في مواجهة هذه المشقّة والتغلّب عليها في نهاية المطاف هما في نمو.

إنطلق “استطلاع رأي الشباب العربي” منذ العام 2008. لقد تغيّر الكثير في المنطقة منذ ذلك الحين. لكن ما تبقّى من البيانات المدعومة بعنادٍ هو مرونة وطموح واحدة من أكثر التركيبات السكانية هشاشة في المنطقة. ربما يكون وباء كوفيد-19 أخذ الوظائف والمال وأحياناً الأحبّاء، لكنه لم يستطع سلب الأمل من الشباب.

  • كابي طبراني هو ناشر ورئيس تحرير مجلة وموقع “أسواق العرب”. ألّف خمسة كتب بالعربية والإنكليزية من بينها “الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني: من وعد بلفور إلى إعلان بوش” (2008)؛ “كيف تُخطّط إيران لمواجهة أميركا والهَيمَنة على الشرق الأوسط” (2008)؛ و”معاقل الجهاد الجديدة: لماذا فشل الغرب في احتواء الأصولية الإسلامية”، (2011). يُمكن متابعته عبر موقعه: gabrielgtabarani.com أو عبر تويتر على: @GabyTabarani

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى