كلٌّ يَحكي بما يَفتَقِدُ

راشد فايد*

كلٌّ يحكي بما يَفتَقِدُ وما قصّر في انجازه، وحتى أجهضَه.

هذا ما يستنتجه قارئ استهلالية رئيس الجمهورية ميشال عون لجلسة مجلس الوزراء، ومداخلة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في اقتضاب مضمون البيان الوزاري. فـ”السيد” رئيس الجمهورية، على حسب التعبير السوري المعتمد، أرادَ محو “إنجازاته” الماضية فنوَّهَ بأن البيان أُنجِزَ في فترة قصيرة، واستبشرَ بسرعة بَتِّهِ ليحلّ الأزمات المعيشية التي يبدو أنها كانت غائبة عن بصره وبصيرته.

هذه الحال أتاحت لـ”السيد الرئيس” أن ينتبه إلى أن “الأوضاع ضاغطة، والوقت ثمين، وكل دقيقة لها قيمتها”، لكنه لم “يُسعِّر” للبنانيين ثمن زمنه، منذ انتهت ولاية الرئيس ميشال سليمان وشهر سلاح “حزب الله” على الدرب إلى بعبدا وصولاً إلى يومنا هذا، وبينهما تعطيل جهاز الحكم، واهتراء الدولة، وتعميق تشلّعها، وتفكيك مؤسساتها، وإن حافظ بعضها على “وجه” سليم لكن باطنه حوى كل الأخاديد والأثلام التي تفضح ترهّله. صحيح أن ذلك لم يبدأ اليوم، لكنه استعجل في 7 سنوات ونصف هي أسوأ ما يذكره جيلي لأنه حرب بلا حرب وسلم بلا سلم بدليل الدمار البنيوي في الدولة والمجتمع.

سنتان ونصفٌ تعطيلاً لانتخاب رئيس للجمهورية، كي يقطع الطريق على أيِّ مُرشّح آخر، بعدما كانت الدوحة أقنعته، بود، إثرغزوة بيروت والجبل في 7 أيار/مايو 2008، مع حلفائه، بقبول رئاسة العماد ميشال سليمان، ولأن مَن يُغيِّر عادته تقلّ سعادته، لم يستطع التخلّي عنها وهو رئيس فعطّل الدولة ومؤسساتها، سرّاّ وعلناّ 5 سنوات فاضت أيامها بمؤامرات صغيرة وكمائن سياسية لا تنقصها الضغينة، فبتنا أمام 7.5 سنوات عجاف للبنان واللبنانيين.

عقل تآمري معطل، من المؤشرات إليه أن “السيد الرئيس” أشاد وأمعن في الإشادة بتعاون الوزراء، وكاد يرقص طرباً، فهو وإن لم يتركنا منذ سنة ونيّف نشهد ولادة حكومة، وبياناً وزارياً ولا مناقشات مسؤولة وهادفة ، منذ 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019 فإنه يشتاق إلى الديكور ومنه البيان الوزاري، فهل من ساذج يُصدّق أن ما حواه البيان سيتحقّق في نحو 8 أشهر، وأن استقلال القضاء الذي أُجهِض ستستعاد سلامته من عند الجنرال، أو أن التدقيق الجنائي سيشمل كل الإدارات والوزارات وليس فقط “المحقود” عليهم، وأن الدستور سيحترم كله ولا يظل رهن تجاذب وجهات نظر بينما “تعزيز التعاون مع الدول العربية” لا يمكن أن يظل عنواناً للإعلام يرتد على الواقع إساءات مباشرة وغير مباشرة من تصريحات وخطب شتم إلى تقصّد تدفق الحبوب المخدرة وما دونها وأفعل منها، لكأن القصد من التدفقات ليس سوى تذكير السعودية بأن حرب المخدرات عليها هي لتدمير مجتمعها وإشغالها عن استكمال تحوّلها الإقتصادي المفصلي.

يثق اللبنانيون بأن السرد ليس القصة، وأن طول البيان أو قصره ليس القضية بل أن هذه في عمر الحكومة وهو قصير ولا تراود عاقل أن الانتخابات ومفاوضاته ستبقي حيّزاً لأي بند من البيان.

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
  • يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازياً مع صدوره في صحيفة “النهار” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى