أخيراً، أصبَحَ للبنان حكومة، لكن جبران باسيل لا يزال عَقَبةً أمامها

مايكل يونغ*

إستغرقت الطبقة السياسية اللبنانية أكثر من عامٍ لتشكيلِ حكومة، إلّا أن الكثيرين من اللبنانيين ليسوا مُتأكّدين أو واثقين مما إذا كانوا سيحتفلون بذلك، حتى لو اعترف معظمهم بأن استمرار الفراغ السياسي لم يعد مُمكناً. لكن في ظل أفضل الظروف، ستُواجه حكومة نجيب ميقاتي صعوباتٍ مُتعَدِّدة.

ستكون أولوية ميقاتي بالطبع وقف التدهور الاقتصادي السريع في لبنان. أول شيء من المتوقع أن يفعله هو إنهاء رفع الدعم عن منتجات الوقود، التي طالما كانت عِبئاً ثقيلاً على مالية البلاد.

في الأشهر الأخيرة، أدّى توقّع هذه الخطوة، التي هي ضرورية لإنهاء نزيف احتياطات العملات الأجنبية، إلى تخزين شعبي واسع النطاق للبنزين وزيت الوقود (الفيول). علاوة على ذلك، كانت تُهَرَّبُ كميات كبيرة من الوقود المدعوم إلى سوريا، حيث الأسعار أعلى. وقد أدّى النقص اللاحق إلى طوابير طويلة في محطات الوقود وتضخم أسعار جميع السلع والمجالات.

الحكومة الجديدة لديها بعض هامش المناورة مالياً. ستحصل على قروض من البنك الدولي تبلغ 540 مليون دولار لإنفاقها، بما فيها 246 مليون دولار لشبكة أمان اجتماعي طارئة. كما ستحصل على حوالي 370 مليون دولار من المساعدات الإنسانية التي تم التعهّد بها في المؤتمر الذي نظّمه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 4 آب (أغسطس) الفائت. والأهم من ذلك، سيحصل لبنان قريباً على 860 مليون دولار من مخصصات حقوق السحب الخاصة في صندوق النقد الدولي.

هذه الأموال لن تُعالِج أيّاً من المطالب الأساسية التي سيفرضها صندوق النقد الدولي على لبنان، لكن من الممكن أن تُحقّقَ الاستقرار في البلاد، التي مرّت بصيفٍ رهيب. إن الأولوية الأهم لميقاتي الآن تتمثّل في استعادة بعض الثقة المفقودة تماماً اليوم لدى المجتمع اللبناني.

سياسياً، سيتعيّن على ميقاتي التعامل مع الطموحات السياسية لجبران باسيل، صهر الرئيس اللبناني ميشال عون. يطمح باسيل أن يخلف عمّه في قصر بعبدا، وهي رغبة يشاركه فيها عون. التأخير الطويل في تشكيل الحكومة كان سببه إلى حدٍّ كبير محاولة وسعي باسيل، مع عون، إلى تسمية أكثر من ثلث الوزراء. من خلال ذلك، يصبح بإمكانهما الحصول على الثلث المعطّل والسيطرة على جدول أعمال مجلس الوزراء، وإسقاط الحكومة، إذا أرادا، باستقالة جميع الوزراء الذين عيّنوهما.

رسمياً، فشل عون وباسيل في الحصول على الثلث المعطّل، لكن المشكلة تمّ حلّها بشكلٍ غامض. بينما كان ميقاتي غير راغب في تشكيل حكومة من شأنها أن تمنح الرئيس وصهره حق النقض الفعّال، فقد وافق على حلٍّ وسط بالنسبة إلى وزيرين مسيحيين تمّت تسميتهما من خارج حصة عون وباسيل. فقد اختير الوزيران بالاتفاق بين عون وميقاتي.

هذا الأمر قد يخلق مشاكل. في حين أن الوزيرين على علاقة جيدة مع كلٍّ من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، فإذا وقفا إلى جانب عون في المستقبل، فقد يمنحه ذلك النفوذ الذي يحتاج إليه لتعزيز مصالح وطموحات باسيل، وبالتالي تقويض كل التماسك الوزاري غير المؤاتي لميقاتي.

وبحسب معلومات متطابقة، فقد أُجبِرَ باسيل على التنازل من خلال مجموعة من التهديدات الفرنسية بفرض عقوبات وضغطٍ من “حزب الله”. صهر الرئيس حليف لـ”حزب الله”، لكن كانت هناك حدودٌ لما كان الحزب مستعداً لقبوله منه. إن جهوده لإحباط عملية تشكيل الحكومة لفرض مطالبه لم تؤدِّ سوى إلى تسريع التدهور الخطير للوضع الاقتصادي، الأمر الذي خلق مجموعة من المشاكل ل”حزب الله”.

الأهم من ذلك، في الأيام التي سبقت الاتفاق على الحكومة، تحدث الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هاتفياً، حيث أعلن رئيسي خلالها أن إيران تريد حكومة لبنانية. ويبدو أن هذه هي النقطة التي جعلت “حزب الله” يضغط على باسيل ويقول له بوضوح: إن الحلّ بات ضرورياً.

يستفيد ميقاتي من دعمٍ إقليمي ودولي كبير، لكنه يُدركُ جيداً أن لبنان يقع على تقاطعِ مصالحٍ ومنافساتٍ إقليمية ودولية. إذا كان لإيران وفرنسا دورٌ فعّال في فرض اتفاقٍ على تشكيل حكومة، فلن تكون الدول العربية أقل حيوية في منح الحكومة مصداقية وغطاء إقليميين. إن ميقاتي حريصٌ بشكلٍ خاص على إعادة بناء العلاقات مع العالم العربي، والتي دمّرتها سنوات من هيمنة “حزب الله”. مع الانتخابات المقرر إجراؤها في الربيع المقبل، ربما يكون من العدل القول إن ميقاتي حريصٌ على تعزيز موقعه للعودة كرئيس للوزراء بعد الإقتراع، إذا جرى. البديل الرئيس هو سعد الحريري، الذي من المرجح أن يحاول عون وباسيل منعه من العودة إلى رئاسة الحكومة. وهذا يعني أنه من الآن وحتى موعد الانتخابات، سيتعيّن على رئيس الوزراء السير على حبلٍ مشدود يتضمّن تحقيق تقدّم حقيقي على الجبهة الاقتصادية مع إدارة علاقته مع عون وباسيل.

وهذا الأمر لن يكون سهلاً. يُركّز باسيل بالكامل على مصالحه السياسية، وسوف يتصرّف تجاه الحكومة بطُرُقٍ يمكن أن تُعزّز شعبيته. وهذا يعني أن وزير العدل، هنري خوري، المُرتبط بعون من المرجح أن يحاول فتح ملفات فسادٍ ضد أعداء باسيل السياسيين، في حين أن وزير الشؤون الاجتماعية، هكتور الحجار، الموالي لعون سيوزّع المساعدات بطرق يمكن أن تُحقّق النصر لمرشّحي باسيل في الانتخابات.

هذه الرعاية ليست مثالية ولن تفعل الكثير لطمأنة المجتمع الدولي. لكن سيتعيّن على ميقاتي استخدام المكر والدهاء إذا كان يريد المضي قُدُماً في الخطة الاقتصادية التي يُفكّر بها بشأن لبنان. يأمل الكثير من اللبنانيين أن ينجح، ولن ينظروا بلطفٍ إذا أُحبِطت الجهود الجادة لإحرازِ تقدّم.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • نصُّ هذا المقال كُتِبَ بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى