الرئيس بُقِيلة يُحوِّل السلفادور إلى مُختَبَرٍ لـ”بيتكوين”

منذ انتخابه رئيساً للجمهورية في السلفادور في شباط (فبراير) 2019، عمل الرئيس، الفلسطيني الأصل، نجيب بُقِيلة على أخذ قرارات أثارت جدلاً واسعاً داخلياً وخارجياً، آخرها كان قراره باعتبار عملة “بيتكوين” المُشفّرة عملة وطنية إلى جانب الدولار.

بيتكوين: صارت عملةً رسمية في السلفادور

فريدا غيتيس*

نجيب بُقِيلة، رئيس جمهورية السلفادور الفلسطيني الأصل، مُعتادٌ على اتخاذِ قرارات تدقُّ ناقوسَ الخطر بين دُعاةِ الديموقراطية بينما لا تُثيرُ القلق في الداخل، حيث لا يزال يتمتع بشعبية كبيرة. لكن التحرّكات الدراماتيكية في السلفادور في الأيام القليلة الماضية كان لها تأثير غير مسبوق في إنتاج نقدٍ حادٍ عبر قطاعات مُتعدّدة داخل وخارج البلاد، في حين ولّدت إثارة كبيرة في عالم مُحبّي  العملة المُشفّرة “بيتكوين”. لقد شعروا بسعادة غامرة لقرار الزعيم المُثير للجدل (40 عاماً) بجعل السلفادور أول دولة في العالم تُقدّم مُناقصة قانونية للعملات المُشفَّرة.

اعتباراً من يوم الثلاثاء الفائت (07/09/2021)، أصبحت عملة “بيتكوين” المُشَفّرة عملةً رسمية في السلفادور، جنباً إلى جنب مع الدولار الأميركي، الذي أدّى اعتماده قبل عقدين من الزمان إلى سحق التضخّم وجَلبِ قدرٍ من الاستقرار إلى بلدٍ عانى من تقلّبات اقتصادية حادة.

المزيد عن العملة الرقمية لاحقاً. لكن أوّلاً، من المهم ملاحظة السياق، بالنسبة إلى ما يحدث أيضاً في السلفادور.

قبل أيامٍ فقط من تقديم “بيتكوين”، أصدرت المحكمة العليا في البلاد حكماً تجاوز الدستور بشكل أساسي، والذي يسمح للرئيس بالتجديد والسعي إلى إعادة انتخابه، وبالتالي يفتح الطريق أمام بُقِيلة لتمديد رئاسته. في وقت سابق، قام المجلس التشريعي الذي يُسيطر عليه بُقِيلة بطرد خمسة أعضاء رئيسيين من المحكمة العليا والمُدّعي العام، في انتزاعٍ للسلطة وصفه خبراء القانون بأنه غير دستوري، وانتقده العديد من الدول الديموقراطية، بما فيها الولايات المتحدة، بشدّة. كان القضاة البديلون، الموالون لبُقِيلة، هم الذين فتحوا له الباب لولاية ثانية متتالية في المنصب.

بشكلٍ مُنفَصل، قبل أيام فقط، أقرّ حزب بُقيلة، “جبهة فارابوندو مارتي للتحرير الوطني”، سلسلةً من مشاريع قوانين للإصلاح القانوني التي من شأنها، من بين أمور أخرى، إقالة مئات القضاة والمُدَّعين العامين، مما يُعزّز قبضته على القضاء. وقد انتقدت أحزاب المعارضة الضعيفة بشدة هذه المشاريع، بينما شجبت السفارة الأميركية مرة أخرى الأدلّة المُتزايدة على “تراجع الديموقراطية في السلفادور”، وقارنت بُقيلة بالرئيس الفنزويلي الراحل هوغو شافيز.

في ظل هذه الخلفية، كان بُقيلة، رجل الأعمال السابق، سعيداً بلا شك برؤية عناوين الأخبار العالمية والاهتمام المحلّي يتحوّلان من النقد السياسي ضده إلى التركيز على إدخال بيتكوين في النظام النقدي السلفادوري ودوره باعتباره صاحب رؤية متطور يجلب العملة الرقمية إلى أوقات الذروة.

أعلن بُقِيلة عن خطته لتقديم مناقصة قانونية لـبيتكوين في حزيران (يونيو)، في خطاب فيديو باللغة الإنكليزية أمام مجموعة من دعاة العملة المُشَفَّرة في ميامي، حيث تم الترحيب به بتصفيق حار. في غضون ثلاثة أيام من الإعلان، وافق مجلس النواب على الخطة المثيرة للجدل من دون أيِّ نقاشٍ ذي معنى.

على الرغم من نسبة تأييد الرئيس، والتي وفقاً لمعظم استطلاعات الرأي لا تزال أعلى من 80 في المئة، فإن حوالي 68 في المئة من السلفادوريين لا يحبون خطة البيتكوين.

لم يتم تجربة الفكرة من قبل، ومن الممكن أن تعود بفوائد كبيرة على الفقراء في السلفادور. لكن ردّ الفعل السلبي من المُحلّلين الماليين والمُتخصّصين في التنمية يُظهِرُ أنها، على أقل تقدير، تستحق المزيد من التدقيق.

عارض كلٌّ من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي الخطة، كما خَفّضت وكالة التصنيف الائتماني “موديز” تصنيف السلفادور بسبب ذلك، وأصدرت وكالات أُخرى تحذيرات.

يقول بُقِيلة عن قضية بيتكوين، إنها ستوفّر مئات الملايين من الدولارات من رسوم المُعاملات للسلفادوريين. وتشكّل التحويلات المالية من السلفادوريين العاملين في الخارج أكثر من 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. غالبية الشعب ليست لديها حسابات مصرفية وتعمل في الاقتصاد النقدي غير الرسمي، لذلك يتعيّن عليها دفع رسوم باهظة لصرف الشيكات من الأقارب في الخارج.

يقول بُقيلة إن اقتصاد بيتكوين سيجذب أيضاً الاستثمار الأجنبي وسيُحقّق موجةً من النمو والتنمية.

يشيرُ النقاد إلى بعض المخاطر الواضحة لخطته. صباح الثلاثاء، يوم تقديم العملة المُشَفّرة، انخفض سعر بيتكوين بنسبة 17٪ قبل أن يتعافى من بعض خسائره. يمكن أن تتأرجح العملة المعروفة بتقلّبها في ساعات أكثر مما تتحرّك غالبية العملات في سنة. في بلد يبلغ فيه نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي أقل من 300 دولار شهرياً، قد يكون ذلك مُدمّراً للأفراد الذين يضعون مُدّخراتهم في بيتكوين. كما يمكن أن تكون كارثية على الاقتصاد والخزانة، التي يمكن أن تشهد تآكلاً حاداً في قيمة مجموع الضرائب، ما يجعل التخطيط الموثوق به أمراً مُستحيلاً.

ومما يثير القلق أيضاً السمة الوحيدة للعملات المُشَفَّرة التي جعلتها مُفضَّلة لدى المجرمين: سرّيتها وافتقارها إلى الشفافية. من خلال جعل السلفادور أول دولة على وجه الأرض حيث سيكون لدى الجميع – بمن فيهم الرئيس والقضاة وضباط الشرطة – حسابٌ بالبيتكوين، يقوم بُقِيلة بوضع البنزين على ألسنة نار الفساد المُدمّرة. ربما يُحوّل بلاده إلى بؤرة عالمية لغسيل الأموال. قد يؤدي تدفق الأموال القذرة إلى اندلاع موجة خادعة من الازدهار، مصحوبة بموجة من الإجرام والتي يفوق ضررها أي فوائد في نهاية المطاف. هناك شيءٌ واحدٌ مؤكّد: إدخال بُقِيلة لبيتكوين التي لا يمكن تعقّبها هو خبر سار لعصابات المخدرات والمؤسسات الإجرامية الأخرى.

يشترط القانون على “كلِّ وكيلٍ اقتصادي أن يقبل بيتكوين كوسيلةٍ للدفع”، وهو التفويض الذي أثار قلق بعض الاقتصاديين وطلاب الشمولية. وقد خفّف بُقِيلة لاحقاً التفويض، قائلاً إن استخدام بيتكوين اختياري. لكن لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت ستُفرَض عقوبات على الشركات التي ترفض قبولها.

من جهته، رفض البنك الدولي طلب بُقِيلة للمساعدة على إدخال العملة المُشَفَّرة، بحجة أنه سيكون ضاراً باستقرار الاقتصاد الكلّي، وأشار إلى التكلفة البيئية العالية لـ”تعدين” البيتكوين، الأمر الذي يتطلب كميات هائلة من الكهرباء لتشغيل مزارع الخوادم التي “تخلق” عملات معدنية جديدة. أدى إدخال بيتكوين أيضاً إلى تعقيد مسار البلاد إلى الأمام مع صندوق النقد الدولي. كان المسؤولون يتفاوضون بشأن حزمة مساعدات بقيمة 1.3 مليار دولار، لكن الوضع المالي للسلفادور يبدو الآن غير مُؤكّد. على الرغم من أن برنامج الدَولرة لعام 2001 – الذي ألغى تدريجاً العملة القديمة، “القولون”- حدَّ من قدرة الحكومة على التحكّم في السياسة النقدية، فقد جلب قدراً من الانضباط المالي والقدرة على التنبؤ الذي أدى غيابه سابقاً إلى شلّ الاقتصاد.

على الرغم من الطرح المثير للجدل هذا الأسبوع، فمن المرجح أن تشقّ عملة البيتكوين طريقها في نهاية المطاف عبر الاقتصاد. لقد أطلق بُقِيلة تجربة كبيرة، حيث حوّل بلده وشعبها إلى مختبر للعملات الرقمية التي كان العديد من المؤمنين بالبيتكوين يأملون في رؤيته منذ فترة طويلة.

إذا كانت تجربة بيتكوين في السلفادور غير مسبوقة، فلا يمكن قول الشيء نفسه بالنسبة إلى الإجراءات الأخرى التي يتّخذها بُقِيلة، مثل تفكيك الاستقلال القضائي، والسيطرة الكاملة على جميع فروع الحكومة، وتثبيت حكومة مدفوعة بالشخصية تصبح فيها المؤسسات تدريجاً مدينة بالفضل لرجلٍ واحد. ليست لدينا خبرة تاريخية نلجأ إليها للحصول على إرشادات حول كيفية انتهاء تجربة العملة المشفرة. للأسف، لقد رأينا التجربة الأخرى مرّات عديدة من قَبل، بخاصةٍ في أميركا اللاتينية. إنها لا تنتهي بشكلٍ جيد، وقد تستغرق وقتاً طويلاً قبل أن تنتهي.

  • فريدا غيتيس هي صحافية وكاتبة في الشؤون العالمية. منتجة ومراسلة سابقة لشبكة “سي أن أن”، وهي تساهم بانتظام في “سي أن أن” و”واشنطن بوست”. يُمكن متابعتها عبر تويتر على: @fridaghitis. الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء خاصة بالكاتبة.
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرَّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى