اللقاءُ الرُباعي في عَمّان انتصارٌ ديبلوماسي لسوريا

أُسامة الشريف*

في اختراقٍ ديبلوماسيٍّ نادرٍ لدمشق، شارك مسؤولٌ سوري رفيع في اجتماعٍ رُباعي لوزراء الطاقة عُقِدَ اليوم (الأربعاء) في عمّان ضمّ بالإضافة إلى البلد المُضيف، الأردن، لبنان ومصر. ركّز الاجتماع على التفاصيل التقنية واللوجستية لتسهيل إمداد الغاز المصري والكهرباء من الأردن عبر سوريا إلى لبنان المُتعطّش للطاقة. وكانت وزيرة الطاقة والكهرباء الأردنية، هالة زواتي، استقبلت في حزيران (يونيو) الفائت وزيرَي النفط، بسام طعمة، والكهرباء، غسان الزامل، في أول زيارة لمسؤولَين سوريين للمملكة منذ العام 2011.

يوم السبت الماضي، قام وفدٌ لبناني رفيع المستوى بزيارة رسمية إلى دمشق، برئاسة نائبة رئيس الوزراء/ وزيرة الخارجية زينة عكر، التي تتولّى أيضاً منصب وزيرة الدفاع، حيث بَحَثَ الاتفاق مع وزير الخارجية السوري فيصل المقداد. وهي أول زيارة رسمية لوفدٍ لبناني رفيع منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية قبل أكثر من عشر سنين. وتجاوبت سوريا بسرعة مع طلب لبنان بتسهيل إمداد الأردن له بالطاقة عبر أراضيها.

الواقع أن الأحداث تجري بسرعة منذ أن أعلنت رئاسة الجمهورية اللبنانية في وقت سابق من هذا الشهر أن الولايات المتحدة اقترحت تزويد لبنان بالكهرباء والغاز الطبيعي من الأردن ومصر عبر الأراضي السورية. ويبدو أن الخطوة الأميركية جاءت ردّاً على إعلان الأمين العام لـ”حزب الله”، السيد حسن نصر الله، أن إيران ستُرسل ناقلة نفط لتزويد لبنان بالوقود لتخفيف أزمة الطاقة في البلاد.

إن تبنّي واشنطن لمثل هذه الخطوة يُثيرُ العديد من الأسئلة حول التداعيات قصيرة المدى وطويلة المدى على سياستها في سوريا وخارجها. إن اجتماعَ الدول الأربع يعني أن عمّان والقاهرة تلَقّيا الضوء الأخضر الأميركي للمضي قُدُماً في الخطة. كلاهما يُخاطر بمواجهة عقوبات بموجب قانون قيصر، لكن إدارة بايدن يُمكنها أن تعفيهما من العقوبات.

بينما يواجه المشروع عقبات تقنية ولوجستية ومالية، فإن الجوانب السياسية له هي التي تُثيرُ الاهتمام. يدفع كلٌّ من الأردن ومصر لتطبيع العلاقات مع النظام السوري كخطوةٍ نحو استعادة مقعدِ البلاد في جامعة الدول العربية. وكان الملك عبد الله الثاني قال في مقابلةٍ مع شبكة “سي أن أن” (CNN) في الشهر الفائت، أثناء وجوده في واشنطن، أن الرئيس بشار الأسد يتمتّع بالشرعية وأن النظامَ باقٍ. وحثَّ الولايات المتحدة والأوروبيين على فتح حوارٍ مع دمشق في محاولةٍ لتغييرِ سلوك النظام كبديل من تغيير النظام.

بينما يبحث الأردن عن فوائد اقتصادية عبر فتح طريقٍ تجاري مع كلٍّ من سوريا ولبنان، فإنه يأمل أيضاً في تأمين حدوده الشمالية من المُسلّحين الذين يمكن أن يكونوا مرتبطين بتنظيمي “القاعدة” و”داعش” وكذلك من الميليشيات الموالية لإيران.

قد يُمهّد اجتماع عمّان الطريق لمزيد من التواصل الديبلوماسي مع الحكومة السورية. لقد فتح الأردن المعبر الحدودي مع سوريا لفترة وجيزة قبل إغلاقه عندما استعاد الثوار السوريون في درعا أراضٍ من الجيش السوري. حاولت روسيا التوسّط في صفقة اللحظة الأخيرة مع المتمردين بدون نجاحٍ يُذكَر. قصف الجيش السوري مدينة درعا القديمة بشدة ويقترب منها. ولكي تمرّ الطاقة عبر سوريا إلى لبنان، يجب تأمين محافظة درعا. وحتى في هذه الحالة، سوف تستغرق سوريا ما لا يقل عن عام لإعادة تأهيل شبكة الكهرباء وخط أنابيب الغاز.

تأمل الخطة الأميركية في تحقيق شيئين فوريين؛ الأول هو مساعدة الحكومة اللبنانية المُحاصَرة على حلّ أزمة الطاقة، جزئياً على الأقل، والثاني إفشال محاولة “حزب الله” لجعل لبنان يعتمد على النفط الإيراني. من خلال القيام بهذين الأمرين، تأمل أيضاً في تسريع عملية تشكيل حكومة جديدة في لبنان من أجل تسهيل المساعدة الاقتصادية ومنع ذلك البلد من الانهيار.

لكن لبنان المُستَقطَب بشكلٍ حاد، وكذلك المشلول سياسياً واقتصادياً، مُنقَسِمٌ حول تطبيع العلاقات مع سوريا. منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية، تبنّت بيروت سياسة النأي بالنفس عن الصراع (عبر إعلان بعبدا) على الرغم من أن “حزب الله” أرسل مُقاتِلين للدفاع عن النظام المُحاصَر.

لكن بموافقتها على الاتصالات مع دمشق، تأمل واشنطن أيضاً في إبعاد سوريا عن إيران. لقد تعرّضت إدارتا ترامب وبايدن لانتقاداتٍ شديدة بسبب عدم وجود استراتيجية واضحة تجاه سوريا. وانتُقِدَ قانون قيصر لأنه يُلحِقُ الضرر بالسوريين العاديين بدلاً من إلحاق الضرر بالنظام. من الناحية الجيوسياسية، فإن الروس والأتراك والإيرانيين هم الذين حقّقوا مكاسب في سوريا على حساب الأميركيين. وقد يُنظَرُ إلى صفقة الطاقة على أنها خطوة رمزية لإعادة إشراك النظام السوري في قضايا أخرى يُمكن أن تغطّي عملية سياسية جديدة لإنهاء الصراع المستمر في البلاد منذ أكثر من عقد.

لا شك أن هذه الخطة ستكون نعمة لدمشق، لأنها ستُمكّنها من إصلاح وتحديث كلٍّ من خطّ أنابيب الغاز وشبكتها الكهربائية، ولا يمكنها فعل ذلك إلّا بدعمٍ مالي من البنك الدولي بموافقة واشنطن. ستفرض سوريا أيضاً رسوماً للسماح للغاز والكهرباء بالمرور عبر أراضيها. في المدى القصير، فإن عودة الاتصالات رفيعة المستوى مع لبنان والأردن ومصر هي بحدِّ ذاتها انتصارٌ كبيرٌ للنظام.

  • أسامة الشريف هو صحافي ومٌحلّل سياسي مُقيم في عمّان، الأردن. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @OsamaAlSharif3

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى