عَمَلٌ غير مُكتَمِلٍ في درعا

بدأت قوات نظام بشار الأسد العودة إلى جنوب سوريا، ولكن هذه المرة وفقاً لخارطة طريق وضعتها روسيا  التي ضغطت على المُتمَرِّدين لتنفيذها.

وزير الدفاع علي عبد الله أيوب: قاد عملية حصار درعا بنفسه

أرميناك توكماجيان*

في 24 أغسطس (آب)، غادرت مجموعةٌ من مقاتلي المعارضة السابقين الأجزاء المحاصرة من مدينة درعا جنوبي سوريا. غادرت إلى مدينة “الباب” في شمال سوريا التي يُسيطر عليها المُتمرّدون. حدث ذلك تماشياً مع ما يبدو أنه اتفاقٌ أوّلي توسّطت فيه روسيا ووقّعه كلٌّ من دمشق والمتمرّدين السابقين. لم يتّضح بعد المدى الكامل للإتفاق، على الرغم من أنه من المؤكد الآن أن النظام يصرّ على اقتلاع شبكات المقاومة في المدينة، المُكَوَّنة أساساً من مُقاتلين سابقين في المعارضة.

الواقع أن قضية المقاتلين المتمردين السابقين قد شغلت اهتمام النظام على الدوام. منذ البداية، كانت دمشق غير راضية عن اتفاقٍ توسّطت فيه روسيا في 2018 مع المُتمرّدين، وذلك لأنه، في جزءٍ كبيرٍ منه، منع النظام من تفكيك شبكات المتمرّدين السابقة، وهو وضعٌ سعى باستمرار إلى تغييره. إحدى الطرق لتحقيق هذا الهدف كانت أن يتعدّى النظام بشكلٍ تدريجي على منطقة المُتمرّدين السابقين.

تعود الأسباب المباشرة لأزمة درعا إلى 23 حزيران (يونيو)، عندما رفضت اللجنة المركزية في درعا المُكَوَّنة من ثوارٍ سابقين ومعارضة مدنية محلية، اقتراحا مُشتَرَكاً بين النظام والروس بتسليم العناصر المسلحة أسلحتهم الخفيفة والمتوسطة مُقابل سحب النظام لميليشياته التي تعرضت لانتقادات واسعة بسبب انتهاكاتها. عندما انهارت المفاوضات، حاصر النظام درعا، تاركاً طريقاً واحداً مفتوحاً للدخول والخروج من المنطقة. بعد حوالي ثلاثة أسابيع من الحصار، جلبت دمشق تعزيزات استعداداً لعملية عسكرية.

وتحت ضغطٍ مُتزايد، وافقت اللجنة المركزية في درعا على صفقةٍ في 24 تموز (يوليو). وفي جوهرها، سمحت الاتفاقية للنظام بإعادة دخول قواته الأمنية والجيش إلى الأجزاء المُحاصَرة من مدينة درعا. كما نصّت على تسليم بعض الأسلحة من قبل المتمردين مُقابل انسحاب ميليشيات النظام المحلية وإلغاء أيّ تصعيد عسكري.

لكن الاتفاق باء بالفشل. واتهم البعض الفرقة الرابعة المُدرّعة في الجيش السوري بمحاولة تقويض الصفقة بقصف المدينة. وذكر آخرون أن اللجنة المركزية في درعا لم تكن شفّافة بالنسبة إلى اتفاقها مع النظام. عندما اكتشف الثوار أن اللجنة وافقت على سيطرة النظام بشكلٍ أكبر مما أعلنت في البداية، رفضوا الالتزام بذلك. حتى أن البعض اعتبر الأمر “خيانة”.

مع انهيار المفاوضات، هاجمت مجموعات مسلحة صغيرة من المتمرّدين نقاط تفتيش عدة تابعة للنظام ونجحت في السيطرة عليها، وأسرت عشرات الجنود في هذه العملية. كان هذا بمثابة تصعيدٍ كبير. كان من الممكن بسهولة الخلط والوقوع بالخطأ بين الصور ومقاطع الفيديو التي تم تداولها على الإنترنت وتلك التي تم التقاطها قبل العام 2018. ورداً على تصرّفات المتمردين السابقين، وسّع النظام حملة القصف لتشمل مدناً أخرى غير درعا، وأبرزها يدودة وجاسم وطَفَس، وشدّد حصاره. وفي إشارة واضحة إلى أنها لن تتراجع، استدعت دمشق المزيد من التعزيزات وأرسلت وزير الدفاع علي عبد الله أيوب إلى درعا للإشراف على الجاهزية العسكرية لقوات النظام.

ومن المُثير للاهتمام أن هناك تقارير كثيرة تُفيدُ بأن روسيا قد شجّعت على أفعال النظام، لا سيما الحصار. كما ظهر ذلك من ردود فعل عددٍ من أعضاء اللجنة المركزية في درعا على الأوضاع على الأرض. بينما اتهموا روسيا سابقاً بالتقاعس في مواجهة انتهاكات النظام لاتفاقية 2018، اتّهمها أعضاء اللجنة هذه المرة بالتواطؤ الصريح مع تصرفات وأعمال النظام. بدلاً من العمل كضامن لاتفاقية 2018، كانت روسيا الآن تساعد النظام ضد المتمردين.

ومع ذلك، في الوقت الذي بدا أن اندلاع الحريق الهائل قد ينفجر، ارتدت روسيا قبّعة الوسيط مرة أخرى. في نهاية تموز (يوليو)، نجح الروس في التوسط في وقف إطلاق نار مفتوح، أعقبته في 15 آب (أغسطس) “خارطة طريق” قدّمت حلاًّ مُفَصّلاً. خارطة الطريق استوفت جميع شروط النظام ولم تُعطِ سوى القليل جداً للمعارضة.  فقد نصّت على إعادة دخول مؤسسات النظام الأمنية والعسكرية والمدنية، وتسليم الأسلحة من قبل الثوار، وإخلاء مَن يرفض العيش تحت سلطة النظام. كان هذا كل ما رفضه المتمردون والمعارضة المدنية من قبل، لكنهم أصبحوا مضطرين الآن لقبوله بسبب توازن القوى الجديد. من وجهة نظرهم، كان المكسب الملموس الوحيد من الاتفاقية أنه تجنّب تصعيداً عسكرياً كبيراً.

يثير كل هذا تساؤلات حول كيف تنظر روسيا إلى سياسة النظام المتزايدة الحزم في الجنوب. بدت موسكو بشكلٍ عام حريصة على لعب دور الوسيط، ولكن يبدو أنها شدّدت موقفها من المتمرّدين. وبالفعل، فإن التقلبات الروسية خلال أزمة درعا – عدم التدخل المدروس الذي تلاه وساطة اللحظة الأخيرة – وكذلك خارطة الطريق التي وضعتها منحت النظام اليد العليا. ومع ذلك، هناك حدٌّ للمدى الذي ستمضي فيه روسيا مع دمشق. قد لا يُعارض الروس محاولات النظام ممارسة سيطرة أمنية أكبر في محافظة درعا. ومع ذلك، فإنهم يعارضون تصعيداً عسكرياً قد يؤدي إلى انهيار نظام ما بعد 2018 الذي وضعته موسكو نفسها، وسيتدخلون لتجنّب مثل هذه النتيجة.

  • أرميناك توكماجيان هو باحث غير مقيم في مركز مالكولم إتش كير كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت. يُركز بحثه على الحدود والصراع واللاجئين السوريين والوسطاء المحليين في سوريا. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @TokmajyanA

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى