مَشروعُ التوتاليتاريا يَتَلاعَب بالبروليتاريا في لبنان

غسّان حاصباني*

البروليتاريا هي الطبقةُ العامِلةُ في المُجتمع التي تتقاضى راتباً مُقابِلَ عَمَلِها، يُمكن أن تُحَوِّلها السُلطة وبعض المجموعات الإيديولوجية إلى أداةٍ لضربِ الاقتصاد الحرّ لصالحِ المافيا الكبرى ومشروعِ الحُكمِ التوتاليتاري، مُستَغِلّين الإنهيار الاقتصادي الناتج عن فساد السلطة.

يَحدثُ ذلك من خلال حرفِ أنظارِ البروليتاريا نحو بعض أصحابِ المُؤسّسات التي قد تكون مُخالِفة وتعميم السُمعة على كلّ المؤسسات، بدل المُرتَكِب الأكبر في جريمة انهيار الاقتصاد هو لفيف الفاسدين في الدولة. وكلّما حاولت البروليتاريا توجيه غضبها نحو المُرتَكِبِ الأكبر، تُقمَع بالتزامن مع حملةِ تضليلٍ لها كي تتجه الى مكانٍ أكثر سهولة للوم والتنفيس عن القضية. فتُصبح المعركة غوغائية بين البروليتاريا والطبقة الرأسمالية وحتى البروليتاريا في ما بينها. فنرى البروليتاريا تهجم على المصرف وموظفيه بدل التركيز على صانع السياسة المالية في البلد، والذي هدر الأموال بمنسوبٍ مُعَيَّن من التناغم مع المصرف. أو التهجّم على مُستَورِدٍ أو مصنعٍ للأدوية، وحتى صيدلاني بدل التركيز على استبدال صاحب السياسة الصحّية التي أدّت إلى فقدان الدواء، أو تُشَيطِن صاحب محطة المحروقات بسبب تخزينه بعض الاحتياطي لمحطاته بدل لوم السلطة التي لم تقفل معابرها غير الشرعية أمام تهريب المحروقات. وبالرغم من وجود الجشع عند بعض الرأسماليين، لكنه إذا وُجِدَ فهو بسبب غياب الرقابة من الوزارات والهيئات المُختَصّة مثل وزارات الاقتصاد والطاقة والصحة والصناعة وغيرها.

فمثلاً، هناك كمية أدوية تمّت الموافقة على دعمها من قبل وزارة الصحة ومصرف لبنان خلال النصف الأول من ٢٠٢١ توازي ٦٠٠ مليون دولار من الدعم، بينما الأدوية مفقودة من السوق. وعندما علا صراخ البروليتاريا، تمّت مداهمة مستودعات وضبط مخزونها الأساسي وتصوير الأمر على انه هو السبب الوحيد لفقدان الادوية، لكن الكميات المضبوطة من كل هذه المداهمات لم تتعدَّ المليونين الى أربعة ملايين دولار بحسب التقديرات، بينما الكمية المُتبَقّية هي ٥٩٦ مليون دولار، تبخّر جزءٌ كبيرٌ منها بالتهريب عبر الحدود المُتفَلّتة. كما تم ضبط ٢٠٠٠ الى ٣٠٠٠ طن من المحروقات في خزاناتٍ، بعضها غير شرعي وبعضها شرعي صُوِّرَ وكأنه غير شرعي، بينما كميات التهريب إلى سوريا، بحسب المرصد السوري، تصل الى مليون طن سنوياً، ولم يرفّ جفنٌ للسلطة لإيقافها.

البروليتاريا هي أفضل سلاح ضد نفسها في مشاريع الأنظمة التوتاليتارية. فتعتقد نفسها أنها تخوضُ ثورةً ضد الفساد، بينما هي تُوجَّهُ لتخوض معركة مشروع التوتاليتارية بضربِ الاقتصاد الحرّ وتأميمه في يد السلطة. فالحكم التوتاليتاري لا يترك شيئاً خارج سيطرته حتى ولو كانت مؤسسات خاصة.

لذلك، قبل قيامِ أنظمةٍ توتاليتارية، نرى حركةً شيوعية ناشطة تجرّ معها الرأي العام الرافض للوضع الاقتصادي ضدّ الاقتصاد الحرّ الذي يُصَوِّره المشروع التوتاليتاري على أنه أصلُ المشكلة ومصدر الفساد، مُبَرِّئاً السلطة الفاسدة. وبعد الوصول الى الهدف، يستغني عن خدمات الحركة الشيوعية ويقمعها، ليقوم بأعماله التجارية مركزياً على حساب البروليتاريا. وهذا ما حصل مثلاً في إيران في أواخر سبعينات القرن الماضي.

لذلك، على الشعوب ان تعي ما يحدث لها وتُصَوِّبُ البوصلة في الاتجاه الصحيح، بدل الانجرار وراء الغوغائية وخسارة ما تبقّى لديها من هامشٍ للحرية.

  • غسّان حاصباني هو نائب رئيس الوزراء ووزير الصحة سابقاً في لبنان. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @GhassanHasbani

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى