طالبان والدولار

جيم أونيل*

تُصادِفُ هذا الشهر الذكرى الخمسون لنهاية نظام “بريتون وودز”، عندما علّق الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون قابلية تحويل الدولار الأميركي إلى ذهب وسمح بتعويمه. كما نقترب من الذكرى العشرين لإطاحة طالبان من السلطة في أفغانستان على يد قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة. الآن بعدما انتصرت طالبان، يجب أن نُفكِّرَ في ما إذا كان انتصارها على أقوى جيش وأكبر اقتصاد في العالم ستكونُ له أيّ آثارٍ على الدولار ودوره في العالم.

إذا نظرنا إلى الوراء على مدى 50 عاماً منذ أن أغلق نيكسون نافذة الذهب (39 منها أمضيتها في الأسواق المالية)، فإن الخلاصة الأكبر هي أن نظام سعر الصرف العائم، ودور الدولار المُهَيمن فيه، قد أثبتا أنهما أكثر قوّةً مما كان مُتَوَقَّعاً في البداية. حتى مع معرفة ما نعرفه الآن عن تطور الاقتصاد العالمي، كان معظم الخبراء يُشكِّكون في إمكانية بقاء النظام مستمراً إلى يومنا هذا.

نظراً إلى هذه المرونة، من المُغري اعتبار فشل أميركا في أفغانستان غير ذي صلة بموضوع الدولار. بعد كل شيء، صمدت العملة الأميركية في وجه سقوط سايغون في العام 1975 والكارثة في العراق في أعقاب الغزو الأميركي في العام 2003. لماذا يجب أن تكون هذه المرة مُختلفة؟ في النهاية، تعتمد الإجابة على توقّعات المرء بشأن تطور الاقتصاد العالمي وسلوك لاعبيه الماليين الرئيسيين، وبالتحديد الصين والاتحاد الأوروبي.

لفهم آفاق الدولار، ينبغي الأخذ في الاعتبار ثلاثة أسباب رئيسة أدّت إلى استمرار وصمود النظام الحالي. أولاً، لم تختر غالبية الدول تعويم عملاتها بحُرِّية مقابل الدولار. على الرغم من قيام المزيد من البلدان بتعويم عملاتها في العقود الأخيرة، فقد حافظت دول أخرى على أسعار صرف ثابتة، أو ابتكرت علاقات أسعار صرف إقليمية خاصة بها، أو أطلقت عملة مشتركة، كما في حالة اليورو.

ثانياً، وفي ملاحظة ذات صلة، إتّخذت الدولُ القليلة التي كان لديها ثقلٌ اقتصادي كافٍ للتأثير في النظام النقدي العالمي – اليابان وألمانيا (ألمانيا الغربية سابقاً)، وحديثاً الصين – قراراً حكيماً بعدم القيام بذلك. صحيح أن المارك الألماني لعب دوراً إقليمياً من العام 1973 حتى إنشاء الاتحاد النقدي الأوروبي في العام 1992 وإدخال اليورو في العام 1999، لكن بعد ذلك، اتخذت ألمانيا باستمرار خطواتٍ لمنع عملتها من الاضطلاع بدورٍ عالميٍّ أكبر.

علاوة على ذلك، عارضت السلطات الألمانية بإصرار فكرة السندات الأوروبية، على الرغم من قرار الاتحاد الأوروبي في العام الفائت بإطلاق صندوق التعافي من كوفيد-19 على أساس التزاماتِ ديونٍ مُتبادَلة. بدون موازنة مُشتَرَكة، سيُحرَم اليورو دائماً من مُنافسة الدولار أو لعب دورٍ أكبر بكثير في النظام المالي العالمي.

أما بالنسبة إلى اليابان، فلم تُبدِ أبداً أي اهتمام بدورٍ عالمي لليَنّ، حتى في الثمانينات والتسعينات الفائتة، عندما كان من المألوف الاعتقاد بأن الاقتصاد الياباني سوف يلحق ويتجاوز الاقتصاد الأميركي.

أخيراً، على الرغم من اعتراضاتها المُتكَرِّرة على النظام النقدي العالمي الحالي، كانت الصين دائماً مُتَرَدّدة في توسيع بصمة الرنمينبي في الأسواق المالية – داخلياً ودولياً. بدلاً من ذلك، أشارت الصين أحياناً إلى أنها تُفضّل نظاماً نقدياً عالمياً يَتمَحوَر بشكل أكبر حول حقوق السحب الخاصة، وهي الأصول الاحتياطية لصندوق النقد الدولي، والتي تستند قيمتها إلى سلّة من خمس عملات (الدولار الأميركي، اليورو، الرينمينبي، الين، والجنيه الإسترليني).

هذه الفكرة لها بعض الجاذبية، لا سيما في ما يتعلق بالعدالة العالمية. لكن سيكون من الصعب تنفيذها في الممارسة العملية. لن يعتمد فقط على سماح الصين بمزيد من حرية استخدام الرنمينبي؛ بل سيتعيّن على الولايات المتحدة أيضاً تبنّي نظامٍ نقدي قائمٍ على حقوق السحب الخاصة، والذي ليس وارداً لدى واشنطن، على الأقل في الوقت الحالي.

يقودنا هذا إلى السبب الثالث لماذا صمد واستمرّ النظام الحالي: لأن الولايات المتحدة أرادت ذلك. كما رأينا خلال رئاسة دونالد ترامب، تتمتّع الولايات المتحدة بالمزايا التي يمنحها إصدار العملة العالمية المُهَيمِنة، ليس أقلها إمكاناتها كأداةٍ لتحقيق أهداف ديبلوماسية وأمنية. كان استخدام إدارة ترامب لعقوبات ثانوية ضد الدول التي تتعامل مع إيران مثالاً ممتازاً على ذلك. إذا اختار قادة الولايات المتحدة الحاليون أو المستقبليون استخدام هيمنة الدولار بطريقة مُماثلة، ربما ضد البلدان التي تتعامل مع أفغانستان معادية، فقد يكون لذلك تأثيرٌ كبيرٌ على مستقبل العملة الخضراء.

بينما يحتفل العالم قريباً بالذكرى العشرين للهجمات الإرهابية في 11 أيلول (سبتمبر) 2001 في الولايات المتحدة، سيعمل صندوق النقد الدولي على المراجعة الخمسية لتكوين سلّة حقوق السحب الخاصة وتقييمها. وبقدر ما يؤدي هذا التمرين إلى زيادة الحصة المُخَصَّصة للرنمينبي، فسيتم اعتبار ذلك علامة على أن نظام العملات العالمي يتطوَّر حتماً ولكن ببطء.

تماماً مثلما تُشير حصة الصين المتزايدة في الاقتصاد العالمي إلى الحاجة إلى إعادةِ توازنٍ أساسية، فإن حصة الرنمينبي في سلّة حقوق السحب الخاصة لا يُمكن أن تستمر في النمو من دون أن تعني هذه الزيادة شيئاً لمستقبل النظام المالي العالمي.

  • جيم أونيل هو الرئيس السابق لـ”غولدمان ساكس أسِت منجمانت” (Goldman Sachs Asset Management ووزير الخزانة البريطاني السابق. يشغل الآن منصب رئيس مركز الأبحاث “تشاتام هاوس” وعضو في المفوضية الأوروبية للصحة والتنمية المُستدامة.
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى