لماذا عادت السخونة مرة أخرى إلى الحدود اللبنانية – الإسرائيلية الهادئة نسبياً

عرفت الحدود اللبنانية-الإسرائيلية أخيراً بعض التوترات الأمر الذي أدّى إلى الإضطراب والقلق في إسرائيل ولبنان، فهل هذا يعني إمكانية حدوث حربٍ بين الدولة العبرية و”حزب الله”؟

حادثة قرية شوِيّا الدرزية: لها دلالات.

جان – لو سمعان*

على مدى الأسبوعين الفائتين، اندلعت توتّرات على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية. وببطء ولكن بثبات، فإن الوضع الراهن الذي ساد منذ حرب العام 2006 بين الجيش الإسرائيلي و”حزب الله”، الميليشيا اللبنانية المدعومة من إيران، آخذٌ في التآكل ويزداد معه خطرُ اندلاعِ حربٍ جديدة.

في 4 آب (أغسطس) – بعد عام واحد بالضبط على انفجار مرفإِ بيروت – أُطلِقَ صاروخان على إسرائيل من جنوب لبنان. سقط أحدهما في منطقة غير مأهولة بينما تمّ اعتراض الآخر بواسطة نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي “القبة الحديدية”. ولم يتبنَّ أحدٌ الهجوم، رُغمَ أن مصادر لبنانية نسبته إلى فصائل فلسطينية لم تُسمِّها مُتمركزةً في المنطقة. وردّ سلاح الجو الإسرائيلي بغاراتٍ جوية، فيما قام “حزب الله”، رداً على ذلك، بإطلاق 19 صاروخاً في اليوم التالي استهدفت الجيش الإسرائيلي بالقرب من مزارع شبعا المحتلة.

لحسن الحظ، لم تؤدّ صواريخ “حزب الله” إلى مزيدٍ من التصعيد. فقد دُمِّرَت عشرةٌ منها بواسطة نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي بينما سقط الباقي في مناطق غير مأهولة بالسكان. ومع ذلك، فقد حدثت هذه الضربات الانتقامية بوتيرةٍ تُنذِرُ بالخطر في الأشهر الأخيرة.

خلال صراعها مع حركة “حماس” في غزة قبل ثلاثة أشهر، تعرّضت إسرائيل لثلاث موجاتٍ من الهجمات الصاروخية من جنوب لبنان. كان عدد القذائف – 13 – محدوداً ولم تَرِد أنباءٌ عن وقوع إصابات. وبالمثل، في 20 تموز (يوليو)، أُطلِقَت صواريخ على إسرائيل من الموقع عينه، بعد يومٍ من غارة جوية إسرائيلية على حلب استهدفت انتشاراً تابعاً ل”حزب الله” وفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي الإيراني.

الواقع أن هذه الحوادث تُلاحَظُ بشكل متزايد الآن لأن الحدود اللبنانية – الإسرائيلية كانت هادئة نسبياً على مدى 15 عاماً.

خلال الحرب الأهلية اللبنانية 1975-1990، كان جنوب البلاد ساحة معركة للقوى الإقليمية، بينما أدّت النزاعات اللاحقة بين إسرائيل و”حزب الله” إلى مقتل العديد من الأشخاص. لكن منذ العام 2006، يبدو أن كلّاً من الجانبين قد اعترف بقدرة الطرف الآخر على إلحاق أضرارٍ مُدمِّرة. مكّن الردعُ المُتبادَل من بقاء الوضع الراهن على حاله على الرغم من ظهور أزمات إقليمية أخرى مثل الحرب الأهلية السورية. تبادلت إسرائيل و”حزب الله” بشكلٍ روتيني إطلاق النار داخل سوريا على مدار السنين العشر الماضية، بخاصة في المنطقة المحيطة بهضبة الجولان، لكن يبدو أن كلا الجانبين كان لديهما تفاهم ضمني للحفاظ على هدوء الأمور داخل لبنان.

وقد وفّر هذا للبنان أطول فترة هدوء مع إسرائيل منذ انتهاء الحرب الأهلية. على الرغم من ذلك، يمكن أن تؤدي التطوّرات الأخيرة إلى زعزعة الأمور.

على وجه التحديد، هناك ثلاثة أسئلة حول تبادل إطلاق النار في هذا الشهر تحتاج إلى دراسة.

أولاً، لم يتحمّل “حزب الله” المسؤولية عن هجمات 4 آب (أغسطس). كما أنه لم يفعل ذلك أيضاً بالنسبة إلى ضربات أيار (مايو)، على الرغم من وجود أسبابٍ للشك في أن تكون أي جماعة أخرى مسؤولة. بالنظر إلى هيمنة “حزب الله السياسية والأمنية على جنوب لبنان، فمن غير المُرَجّح أن تتمكّن ميليشيا فلسطينية صغيرة من إطلاق الصواريخ على إسرائيل بدون علمه وموافقته. في حين أن مثل هذا السيناريو إذا حدث قد يعني أن “حزب الله” لا يُسيطر بشكل كامل على معقله التاريخي، فإن هذه النظرية تتعارض مع التقييمات التي أجرتها وكالات الاستخبارات الغربية وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل).

والسؤال إذن هو لماذا سيسمح “حزب الله” لمنظمة أخرى بشنِّ هجومٍ على إسرائيل ويُخاطر بجرّه إلى صراع أوسع. ربما تكون هذه طريقة للمجموعة لاختبار الحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة نفتالي بينيت ومعرفة مدى التزام خليفة بنيامين نتنياهو بالحفاظ على الوضع الراهن. إن اشتباكات “حزب الله” مع الجيش الإسرائيلي تخدم أغراضه الداخلية أيضاً. يميل الحزب إلى الإشارة إلى توتراته مع إسرائيل لتبرير الترسانة من السلاح التي يمتلكها تحت تصرفه، على الرغم من أن بعض السياسيين في بيروت طالب بنزع  هذا السلاح.

ومع ذلك، يبدو أن “حزب الله” قد أنفق الكثير من رأسماله السياسي والاجتماعي داخل لبنان.

رُغمَ أنه قادرٌ على شل العملية السياسية في بيروت – كما فعل من خلال منع تشكيل حكومة تكنوقراط حقيقية خلال الأشهر العديدة الماضية، فإنّ تدخّله العسكري في سوريا واليمن وأمكنة أخرى وقضايا الفساد التي تورّط فيها أعضاؤه والعقوبات الاقتصادية المفروضة على لبنان أضعفت الحزب وقيادته. ويتجلّى الاستياء الشعبي تجاه “حزب الله” من خلال الاشتباكات الأخيرة بين مقاتليه وسكان قرية شويّا الدرزية، عندما اعترض مدنيون الشاحنة التي كان أفرادٌ من المجموعة الشيعية يستخدمونها لإطلاق الصواريخ على إسرائيل حيث وضعوا القرية في مرمى النيران. تم إرجاع الشاحنة في النهاية، لكن مثل هذه الحادثة لم يكن ممكنٌ تصوّرها قبل عقد من الزمن.

هذا يقودنا إلى القضية الثالثة والأكثر أهمية الناشئة عن التطورات الأخيرة في جنوب لبنان: استراتيجية إيران ل”حزب الله”. يلعب الحرس الثوري الإيراني دوراً مركزياً في تمويل وتدريب “حزب الله”، الذي لا يمكنه اتخاذ قرارات عسكرية كبرى بدون التشاور المُسبَق مع طهران. هنا، يشير توقيت الهجمات إلى وجود تنسيقٍ بين “حزب الله” والحرس الثوري الإيراني. لقد أُطلِقَت الصواريخ بعد أيامٍ قليلة من الهجوم على السفينة الإسرائيلية “ستريت ميرسر” عبر المياه الدولية قبالة سواحل عُمان. على الرغم من الإدانة السريعة لإيران من قبل كلٍّ من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، فقد نفت طهران أي مسؤولية عن الهجوم. لكن تزامن هذه الأحداث ليس من قبيل المصادفة، لا سيما أنها تحدث في وسط انتقال سياسي في طهران، حيث تولّى إبراهيم رئيسي الرئاسة في 3 آب (أغسطس)، بل لاختبار عزم وقرار الحكومة الإسرائيلية (وامتداداً الإدارة الأميركية).

وهذا يترك لبنان في حالة يُرثى لها. يُشير تزايد تبادل الصواريخ مع إسرائيل في الأشهر الأخيرة إلى توتّرٍ واضطرابٍ لدى الجانبين. وعاكساً هذه التوترات، قال وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس في وقت سابق من هذا الشهر: “الوضع في لبنان مُتَزَعزِع. يُمكننا أن نجعله أكثر هشاشة”. مثل هذا التصريح الفظ كان يهدف إلى ردع “حزب الله” عن “اختبار” استعداد إسرائيل. وفي هذا السياق، فإن نسبة خطر التصعيد غير المقصود مرتفعة.

ولذلك، فإن المحادثات الجارية في الأمم المتحدة في نيويورك بشأن تجديد ولاية اليونيفيل – التي من المقرر أن تنتهي في نهاية آب (أغسطس) – هي محادثات حاسمة. نظراً إلى التطورات الأخيرة، فإن وجود قوة عسكرية قوية للأمم المتحدة في المنطقة سيكون أمراً ضرورياً وحاسماً في منع الاشتباكات المستقبلية.

  • جان-لو سمعان هو باحث في الشؤون الأمنية والاستراتيجية مُقيم في أبوظبي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى