إنجازُ الرئيس المُتاح

راشد فايد*

بعد 4 سنوات إلّا شهراً على نيل فخامته رئاسة الجمهورية بهمّة سلاح “حزب الله” إكتشف مستشاره القانوني الهُمام أن بإمكانه، أي الرئيس، دستوريا، أن يُوجّه كتاباً إلى مجلس النواب، عبر رئيسه، مُحتَكِماً إليه، في قضايا مركزية تهمّ الشعب اللبناني، بما يُشبه تبرئة ذمّته من مسؤوليته عن موضوعٍ ما، فكانت الرسالة الأولى في 23 تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، ثم جاءت الثانية في 17 أيار (مايو) 2021، وختمها بالثالثة قبل نحو أُسبوع في 13 آب (أغسطس) الجاري.

كانت الأولى للتشكّي من عدم تجاوب حاكم المصرف المركزي رياض سلامة مع التدقيق المحاسبي الجنائي في حسابات مصرف لبنان، فيما كانت الثانية لاتهام الرئيس المكلف حينها بتشكيل الحكومة سعد الحريري بالتلكّؤ في مهمّته، فيما الثالثة كانت لـ”مناقشة مُستَجدّات الوضع في البلاد عقب قرار حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وقف الدعم عن مواد وسلع حياتية وحيوية وما نتج عنه من مضاعفات”.

في الرسائل الثلاث ينكر الرئيس ميشال عون، ضمناً، أن عرقلته ولادة حكومة جديدة هي علّة العلل في تعطيل الحياة السياسية، ويُلقي بالمسؤولية على الآخرين، لا سيما سلامة الذي لم يخفِ فخامته توقه إلى إزاحته من موقعه، من قبل دخوله قصر بعبدا، ويُوازي هذه الضغينة تجاه سلامة الحرص على تهشيم موقع رئاسة الحكومة، وما تُمثّل في نصاب التوازن الوطني، ومن المؤشرات إلى ذلك تفاصيل تنحدر إلى مستوى الحرتقات والنزوات السياسية غير اللائقة والأقرب إلى سياسات الزواريب كـ”استدعاء” الرئيس المُكلَّف، كما ذكر بيان بعبدا في حينه بما يدل إلى عقدةِ نقصٍ أو دونية تأخَّرَ الشفاء منهما، ويندرج في سياقها كل ما يُسيء إلى رئاسة مجلس الوزراء، كجعل “كزدورة” الرئيس المكلف على درب بعبدا (ما ينوف على 22 لقاءً مع الحريري و13 مع نجيب ميقاتي) روتيناً مفرغاً من كل معنى سوى أن الإمرة لساكن القصر، وهو يجتهد للإيحاء بأنها له منفرداً، ولو إجترَّ الوقت في مُماحكاتٍ حول الثلث المعطل والأقنعة الدستورية المنتحلة، كالإدمان على مُكاتَبة مجلس النواب لنفضِ اليدَين من مسؤولية تعقيد ولادة الحكومة.

ذلك لا يعني أن الحلَّ باستقالته من منصبه الرئاسي، كما تقترح كتلٌ نيابية، أمرٌ سهل المنال، فالتجارب السابقة منذ الرئيس الأسبق سليمان فرنجية الجدّ، إلى الرئيس إميل لحود لا تقول بغير ذلك، وطائفية النظام حائلٌ دون الأمر، وما صدر عن بكركي في هذا الصدد، لا سيما عقب 14 آذار (مارس) 2005 وإلى اليوم، يكاد يُقرِّب ولاية الرئيس الماروني من القداسة، إلّا إذا بادر فخامته بأريحية لم نعهدها إلى تسجيل هذا الإنجاز فيستدرك غياب الإنجازات عن سجلِّ عهده ويُفاجئنا بعدما “فاجعنا” أكثر مما نستطيع أن نتوقع منذ احتجز انتخابات الرئاسة سنتين ونصف بحراسة “حزب الله” باسم “الإصلاح والتغيير”، فهل ننتظر مِمَن “اعتقل” الشرعية بلا شرعية قبل 5 سنوات أن يُطلقَ سراحها اليوم بعدما أوصلته تسويات شريرة إلى عقر دارها؟

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
  • يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازياً مع صدوره في صحيفة “النهار” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى