السَلامُ المُضَلِّلُ لرئيسِ إيران الجديد

الدكتور ألبرت وولف*

في وقت سابق من هذا الأسبوع، حذّر المُرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي بشكل ضمني حكومة الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي قائلاً: “لا تثقوا في الغرب”. وهو تحذيرٌ يهدف إلى التذكير بإلغاء إدارة دونالد ترامب لخطة العمل الشاملة المشتركة (الإتفاق النووي) في العام 2018. ولكن، على الرغم من هذا التحذير وكذلك العناوين المُثيرة للقلق حول الطبيعة المُتشَدِّدة المُتَوَقَّعة لحكومة رئيسي (مثل “انتصار المُتشَدّدين”)، هناك مجالٌ للتفاؤل. بالنسبة إلى العديد من الخبراء الغربيين، فإن الحرب المُضَلِّلة ضرورية من أجل الحفاظ على الاستقرار في مواجهة الاضطرابات الداخلية، ولكن في حالة إيران، من المرجح أن يكون هناك “سلامٌ مُضَلِّل”، حيث يوافق النظام على التعاون مع خصومه من أجل تأمين الاستقرار في الداخل. إن انتشارَ الاحتجاجات في إيران على انقطاع المياه والكهرباء قد يُوفّر بالفعل الظروف لمثل هذه الاستراتيجية، ومن المرجح ألّا يترك هذا الوضع للنظام الكثير من الخيارات سوى ابتلاع كأسٍ سامّة أخرى والعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة من أجل الحفاظ على الاستقرار.

في منتصف تموز (يوليو) الفائت، اندلعت احتجاجاتٌ في محافظة خوزستان الغنية بالنفط بسبب استمرار فشل الحكومة في معالجة النقص المستمر في المياه، والتي قُتِل خلالها تسعة أشخاص على الأقل. بحلول 26 تموز (يوليو)، امتدت الاحتجاجات إلى طهران بسبب الغضب من انقطاع التيار الكهربائي. واتّخذت الاحتجاجات مُنعَطَفاً حاداً حيث بدأ المتظاهرون يُردّدون شعارات ضد خامنئي. وفقاً للحكمة الشعبية السائدة، عندما تُواجه الأنظمة ضغوطاً سياسية واقتصادية داخلية، فإن أسهل طريقة لضمان بقائها هي الانخراط في صراعٍ مُضَلّل يسمح لها بـ”كبش فداء” طرف ثالث تتهمه بالتسبّب بمشاكلها. يتضمّن هذا الأمر التحريض على الصراع من أجل إنشاء “تجمّع حول العَلَم”، أو، في بعض الحالات، “التجمّع حول القائد”.

على الرغم من أنه يبدو كذلك، فمن غير المرجح أن لا تكون هذه الحسابات الخاصة بالحرب المُضَلِّلة قد دخلت في الضربة الجوية الإيرانية الأخيرة المُسَيَّرة على ناقلة النفط “ميرسر ستريت” التي تديرها شركة إسرائيلية، على سبيل المثال، لأنها نفت ورفضت تحمّل المسؤولية عن الهجوم. بدلاً من ذلك، قد يكون الهجوم على “ميرسر ستريت” إشارة إلى أن إيران تُنهي مبدأ “الصبر الاستراتيجي” مع إسرائيل والغرب. وقد دفع الهجوم حكومتي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إلى إدانة إيران باعتبارها مسؤولة عن الهجوم، ما يشير إلى أن مشاكل طهران ستستمر في التكاثر والتراكم بدون منح النظام فترة راحة من مشاكله السياسية والاقتصادية المحلية، بما فيها الموجة الخامسة من جائحة كورونا. ولأنّ الصراعَ مُكلِفٌ للغاية، ليس أمام إيران خيار سوى اللجوء إلى التعاون مع كبش فداء مُحتَمَل، أي الولايات المتحدة.

غالباً ما يمنح انعدام الأمن والأمان في النظام الأجهزة الحاكمة للدول حافزاً للتعاون مع منافسيها لسبب واحد بسيط: البقاء في المنصب والحكم. على عكس تكتيك الصراع المُضلِّل، فإن هذا يخلق نوعاً من “السلام المُضَلِّل”. ستتعاون الأنظمة مع منافسين خارجيين لتحقيق مجموعة متنوعة من الأشياء عندما يكون استقرارها الداخلي موضع تساؤل – وهذا يشمل غالباً حشد الموارد للأولويات المحلية، من توفير السلع العامة إلى مجتمعٍ جامحٍ إلى تحويل الأموال من أجل القمع المحلي. في ظروف أخرى، قد تتعاون الأنظمة التي تُعاني من الاضطرابات الداخلية مع منافسيها من أجل قطع المساعدات عن الجماعات المُتمرّدة أو الحصول على الشرعية الدولية.

في حالة إيران، يبدو أن هذا هو مسار العمل المستقبلي المُحتَمَل للنظام. مع استمرار معاناة إيران من انخفاض النمو الاقتصادي والاضطرابات المحلية، فإن استعادة خطة العمل الشاملة المشتركة ستسمح لها باستعادة الوصول إلى الاقتصاد العالمي الذي فقدته في ظل إدارة ترامب ودعم الموارد التي قد تكون ضرورية لقمع المزيد من الاحتجاجات إذا لزم الأمر. وقد أفاد بعض التقارير أن إدارة جو بايدن قلقة بشأن ما إذا كانت المحادثات لاستعادة خطة العمل الشاملة المشتركة ستخرج عن مسارها. بدلاً من ذلك، قد تُثبِتُ الاضطرابات الداخلية التي اجتاحت إيران أنها أفضل فرصة لإنقاذ الصفقة التي تخلّت عنها إدارة ترامب.

  • الدكتور ألبرت ب. وولف هو زميل أبحاث مشارك في معهد جونز هوبكنز للدراسات الدولية المُتقدّمة.
  • كُتِبَ هذه المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى