ربما رَبِحَ عون المَعركة، لكنه قد يكون خَسِرَ نَفسَهُ و… الناس؟

مايكل يونغ*

مع استمرارِ عملية تشكيل الحكومة اللبنانية، على أمل التوصّل إلى حلٍّ ناجحٍ هذه المرة، يُمكن للرئيس ميشال عون أن يَفخَرَ بإنجازٍ فريدٍ يتمثّل في تعزيزِ صلاحياته الرئاسية. ومع ذلك، نظراً إلى ميل عون إلى تحقيق المكاسب من دون التفكيرِ في التأثير المُدَمِّر لكيفية تحقيق نجاحاته، فقد يكون أيضاً قوَّضَ الطموحات الرئاسية لصهره جبران باسيل.

عندما بدأ سعد الحريري تشكيل الحكومة في تشرين الأول (أكتوبر) 2020، قارَبَ المُهمّة بتفسيرٍ للدستور يُقلِّل من دور الرئاسة في العملية. وفقاً للدستور، فإن توقيعَ كلٍّ من رئيس الوزراء المُكَلّف ورئيس الجمهورية مطلوبان لتشكيل الحكومة. وقد أصرّ عون على أن هذا الشرط جعله شريكاً نشطًاً وفعلياً في تسمية الوزراء، وهو الأمر الذي اختلف على أساسه مع الحريري.

إن توضيحَ وتفسير سلطات رئيس الجمهورية في لبنان له تداعيات سياسية وطائفية عميقة. الرئيس اللبناني دائماً مسيحي ماروني، ورئيس الوزراء دائماً مُسلمٌ سنّي. الدستور، الذي تم تعديله بعد اتفاق الطائف في العام 1989، قلَّصَ بشكلٍ كبير سلطات رئيس الجمهورية لصالح مجلس الوزراء. لذا لم يكن عون سعيداً بهذا الوضع أبداً.

بالنسبة إلى الحريري، يُمكن لرئيس الجمهورية أن يَطلبَ بعض التغييرات في أسماء ومقاعد المُرَشَّحين للتوزير، لكنه ليس شريكاً كاملاً في تسمية الوزراء. رئيس الحكومة المُكَلّف هو وحده لديه هذه الميزة. لكن عون، الذي رأى أن لديه حق النقض (الفيتو) على تشكيل أي حكومة، فسّر تفويضه بسلطةٍ أوسع وأكبر. والحقيقة أنه لا يوجد في الدستور ما يمنعه صراحة من القيام بذلك.

عندما استقالَ الحريري المُحبَط قبل أسابيع قليلة، تم تسمية رئيس وزراءٍ سابق آخر، نجيب ميقاتي. وعلى عكس الحريري، تجنّب ميقاتي التورّط في معركةٍ على الامتيازات. لا شكّ أنه أدرك أن الخلاف لا يمكن حلّه الآن، وأن لبنان الذي ينهار بسرعة لا يسمح له بتضييع الوقت في قضايا دستورية غامضة وغير واضحة.

كان خياره أن يبدأ حواراً مع رئيس الجمهورية ويلتقي به كل بضعة أيام، وأحياناً يومياً، للتوصّل إلى تفاهم. ومع ذلك، من خلال القيام بذلك، وافق ضمنياً على تفسيرعون للدستور. من الآن فصاعداً، لن يجلس أيُّ رئيس ماروني في المقعد الخلفي في عملية تشكيل الحكومة، كما هو الحال منذ العام 1989.

وقد يثير هذا الواقع احتمالاتٍ مُثيرة للاهتمام للمستقبل. لطالما اعتبر العديد من الموارنة دستور ما بعد العام 1989 كارثة على مجتمعهم. ويشعرون أن إلغاء العديد من سلطات رئيس الجمهورية قد أدّى إلى إضعاف المجتمع ككل بشكل فعال. ومع ذلك، فإن عون، الذي أصرّ بعناد على أن رئيس الجمهورية ليس “شرّابة خرج”، أوجَدَ وضعاً قد يجعل الكثيرين من الموارنة الآن ينظرون إلى الدستور بشكلٍ مُختلف.

هذا ليس بالشيء السيئ. علاوةً على ذلك، إذا كان هناك إجماعٌ أكبر بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء حول الحكومات في المستقبل، فمن المُحتَمَل أن يُقلّل من الاستقطاب الذي أصبح القاعدة في سياسة البلاد. قد تكون هذه قراءة مُتفائلة، ولكن إذا كانت هناك رؤية مُشتَرَكة للسياسة منذ البداية، فقد يساعد ذلك على تأليف حكوماتٍ أكثر تماسكاً من ذي قبل.

بينما يُمكن أن يكون عون ربح هذه المعركة، فإن حقيقةَ أنه منع تشكيل حكومة منذ تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي لفرضِ تفسيرِه للدستور قد تعودُ لتُطارده. ذلك لأن لبنان خلال هذه الفترة تدهور جذرياً إلى درجة الشلل والفوضى. ربما يكون عون حقق انتصاراً، لكن من المؤكد أن معظم اللبنانيين لا يشاركونه الفرحة والحماس.

وهذا يُذكّرنا بما حدث عندما ترأس عون حكومة عسكرية في العام 1989 وشنَّ “حرب التحرير” ضد القوات العسكرية السورية في لبنان. ونجح حينها في تحويل مسألة الوجود السوري إلى قضيةٍ إقليمية، عندما تدخلّت لجنة عربية ثلاثية لإيجادِ حلّ. لم يكن هذا عملاً فذّاً أو بطولياً، إذ كان النظام السوري دائماً يعتبر لبنان احتياطاً خاصاً، وكان النفوذ السوري فيه حصرياً.

وأدّى ذلك التدخّل إلى اتفاق الطائف. كان الاتفاق فعلياً اتفاقاً سعودياً- سورياً بشأن لبنان، بدعمٍ من الولايات المتحدة، سعى إلى إنهاء الحرب الأهلية في البلاد. وقد اشتمل على تعديل الدستور، وإعادة توزيع السلطات بين الطوائف اللبنانية وبدء عملية الإصلاح السياسي والإداري (لم يتم تنفيذ العديد من بنودها).

ومع ذلك، رفض عون إتفاق الطائف وصمد ضد الضغط الإقليمي والدولي المُتزايد عليه، حتى تشرين الأول (أكتوبر) 1990. وذلك عندما طرده الجيش السوري من منصبه، وأرسله إلى المنفى لمدة 15 عاماً.

كان الدرس بسيطاً. عندما يحصل عون على ميزة كبيرة، فإنه غالباً ما يُبالغ في استخدامها ويفقد كل شيء. قد لا يحدث هذا اليوم في حالة وجود حكومة، لكن أولويته الرئيسة هي انتخاب باسيل خلفاً له. قد يكون تأخّره الطويل في الموافقة على الحكومة قد جعل الأزمة الاقتصادية رهيبة لدرجة أنها قوّضت آمال صهره للوصول إلى الرئاسة.

الواقع أن عون شخصية مُتناقضة. لم يتوقّع أحدٌ قط أنه قد يصل إلى ما وصل إليه حتى الآن، لكنه يكاد يكون منقطع النظير في الدمار الذي سببته أجنداته على لبنان. قد يثني بعض الموارنة على طريقة تعامله مع عملية تشكيل الحكومة، لكن كثيرين سيلومونه هو وصهره على زيادة معاناتهم ومآسيهم.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى