غَطرَسَةُ “حزب الله” هل تؤدّي إلى حربٍ أهلية؟

فيما كان “حزب الله” يُعوِّل دائماً على بيئته الحاضنة، فقد أدّت تصرفاته في العام ونصف العام الماضيين إلى إثارة العديد من اللبنانيين ضده وفقدان جزءٍ كبيرٍ من المؤيّدين.

البطريرك مار بشارة بطرس الراعي: حملة الحزب ضدّه أثارت استياء جميع اللبنانيين

مايكل يونغ*

إذا كان “حزب الله” يعتقد أن أحدَ الأبعاد الأساسية لمقاومته لإسرائيل هو بيئة لبنانية صديقة له تدعم أهدافه، فلا شيء في السنتين الفائتتين أظهَرَ أنه يُنفّذ هذه الفكرة. منذ الانتفاضة ضد الطبقة السياسية في تشرين الأول (أكتوبر) 2019، إرتكب “حزب الله” العديد من الأخطاء التي دفعت المزيد من اللبنانيين إلى مُعارضة مكانته في البلاد.

في الأسبوعين الماضيين، واجَهَ الحزب تحدّيات عدة، الأمر الذي يدلُّ على أن ليس كل شيء على ما يرام. قبل أسبوعين اشتبك أعضاءٌ في الحزب مع مسلحين من عشيرةٍ سنّية عند المدخل الجنوبي لبيروت. وجاء القتال في اعقاب إقدامِ أحد رجال العشيرة على قتلِ عضوٍ في “حزب الله” مُتَّهَمٍ بقتل شقيق هذا الرجل. وفي جنازة عضو الحزب نصب رجال العشيرة كميناً للقافلة وقتلوا عدداً من الأشخاص. وسرعان ما تحوّل الوضع إلى معركة ضارية بين الجانبين. وبدلاً من السماح بتصعيدٍ له تداعيات طائفية، طلب “حزب الله” من الجيش التدخّل وإنهاء العنف.

وبعد أيام، ردّ “حزب الله” على هجومٍ جوي إسرائيلي على جنوب لبنان بإطلاق صواريخ حول مواقع عسكرية إسرائيلية في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا المحتلتين. ومع ذلك، عندما مرّت شاحنة حزبية مُحَمَّلة بالصواريخ عبر قرية شويّا الدرزية، أوقفها القرويون وضربوا أعضاء “حزب الله” بخشونة وصادروا الشاحنة. كانوا غاضبين من أن الحزب كان يطلق النار من قرب قريتهم، وأن إسرائيل قد تنتقم منهم. في وقت لاحق، تصاعدت التوترات بين الشيعة والدروز في أجزاء أخرى من البلاد.

يوم الأحد الفائت، أكد البطريرك الماروني بشارة الراعي، في خطبته الأسبوعية، أن الدولة اللبنانية وحدها هي التي يحق لها إعلان الحرب، مُنتَقداً ضمنياً هجوم “حزب الله” الصاروخي على الإسرائيليين. وأضاف أن لبنان مُلزَمٌ باتفاقية الهدنة لعام 1949 مع إسرائيل. في غضون ساعات، أطلق أعضاء ومؤيدون من “حزب الله” حملةً على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث كدّسوا الإساءات على البطريرك.

لن يُغَيِّرَ أيٌّ من هذه الأحداث – التي تنطوي على حزبٍ شيعي يواجه مُعارضةً من الأطراف السنية والدرزية والمارونية – سلوك “حزب الله”. ولكن إذا تجاهل الحزب ما يحدث، فقد يُظهِرُ مرة أخرى أن إعداده الافتراضي للتعامل مع التنافس المحلي على سلطته هو الانخراط في الغطرسة. وللبنان طريقة لمعاقبة مَن يتجاهل قيوده الطائفية، كما يشهد العديد من الفاعلين السياسيين الذين تعاملوا مع البلد.

إن ما أظهره استياء رجال العشائر السنية والقرويين الدروز والبطريرك الماروني، قبل كل شيء، هو أن “حزب الله” سيُواجه شعباً مُعادياً إذا قرّر جرّ لبنان إلى حرب مُدمّرة مع إسرائيل نيابة عن إيران. ويشعر الحزب بضغطٍ متزايد وسط تعهداتٍ إسرائيلية باستهداف صواريخه المُوَجَّهة بدقة. ولا يمكنه أن يُفوِّت التهديد الذي أطلقه وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، في الأسبوع الماضي، بأن إسرائيل مُستَعِدّة لمهاجمة إيران. كما أدّى بطء وتيرة المفاوضات في فيينا بشأن عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي مع إيران إلى زيادة شعور الحزب بالضعف.

علاوة على ذلك، لم ينظر “حزب الله” بلطف ورضى إلى زيادة التدخّل الدولي في لبنان للمساعدة على معالجة الأزمات المالية والاقتصادية والاجتماعية المنتشرة في البلاد. يُريدُ الحزب الاحتفاظ بلبنان كموردٍ إيراني حصري، لكن الدلائل على أن الدول الأخرى تريد أن يكون لها رأي في ما يحدث هناك – بما في ذلك سوريا حليفته – تُثير غضب مسؤولي “حزب الله”.

الكثيرُ مما يحدث اليوم هو خطأ “حزب الله”. إن معارضة الحزب الشديدة لانتفاضة العام 2019 خسّرته تعاطف الكثيرين في لبنان، الذين باتوا يعتبرونه أنه الحامي الأول لطبقة سياسية فاسدة. منذ ذلك الوقت، عمل “حزب الله” على تفاقم الوضع الاقتصادي المُزري أصلاً من خلال تهريب الوقود المدعوم إلى سوريا. يعتقد الكثير من اللبنانيين أيضاً أن “حزب الله” جلب نيترات الأمونيوم التي انفجرت في مرفأ بيروت في 4 آب (أغسطس) 2020، لاستخدامها في صواريخه أو في البراميل المتفجرة في سوريا. عندما أعلن الأمين العام للحزب، السيد حسن نصر الله، في الأسبوع الفائت أن التحقيق في الانفجار الذي أجراه القاضي طارق البيطار “مُسَيَّس”، كان من الواضح أن لدى “حزب الله” ما يخفيه. أخطأ البيطار عندما طلب إجراء مقابلة مع مسؤولين أمنيين كبار ووزراء سابقين وبرلمانيين، وعددٌ كبير منهم متحالف مع “حزب الله”.

يُدرِكُ عددٌ متزايد من اللبنانيين أن مفهوم الدولة اللبنانية لا يمكن أن يتعايش مع ميليشيا مُسَلَّحة قوية تخدم قوة خارجية. لهذا السبب يتنامى الغضب ضد “حزب الله”، والشعور بأن الحزب يستفيد فعلاً من الانهيار الاقتصادي والاجتماعي في لبنان، لأن ذلك سيسمح له بفرض تفضيلاته الخاصة على البلاد. مع ذلك، لا يبدو أن “حزب الله” يهتم كثيراً بهذا المزاج السلبي، مُتجاهلًا تحذيرات بعض مؤيديه المُخلصين الذين صرحوا بأن “المقاومة” هي أكثر بكثير من مُجرّد أسلحة، إنها تتعلق أيضاً بخلق البيئة المناسبة التي تُمكّن “حزب الله” من العمل.

هذه الديناميات مُقلقة لأنها ديناميات الحرب الأهلية. عندما يُظهرُ المُمثّل الرئيس لطائفة دينية وطنية أساسية مراراً وتكراراً عدم اكتراثه بالخطوط الحمراء غير المكتوبة في لبنان، وعندما يُنظَر إليه بشكل متزايد على أنه مسؤولٌ عن الموت والدمار في البلاد، فإن الشيء الوحيد الذي يمنع الصراع هو الخوف من آثار الدمار. لكن المقلق اليوم هو أن المزيد والمزيد من اللبنانيين لم يعودوا خائفين من “حزب الله”، كما أظهرت الأحداث الثلاثة في الأسابيع الأخيرة.

من الواضح أيضاً أن “حزب الله” ليس لديه الاستعداد لتغيير سلوكه. وبينما يحرص الحزب على تجنّب الصراع الطائفي، لأن ذلك من شأنه أن يُقوِّض تعاقده مع إيران لمحاربة إسرائيل، فإن ردود أفعاله الطبيعية تعمل ضد تقديم أي تنازلات. لن يتردّد الحزب في استعداء شركائه المحليين إذا كان ذلك مُبرّراً لمصالح إيران الغالبة. وهذا يخلق ديناميكيات محفوفة بالمخاطر: بينما يُقامر “حزب الله” بشكلٍ غير مستقر نيابة عن راعيه الإيراني إقليمياً، فإن المخاطر المحلية المُحتمَلة التي يواجهها سترتفع أيضاً.

كان استعداد “حزب الله” لقبول هذا الواقع واضحاً في خطاب نصرالله في 7 آب (أغسطس). وفي تصريحاته، اعترف الأمين العام بأن الخلافات داخل لبنان حول “المقاومة” قديمة، حيث لم يكن هناك إجماعٌ على هذه المسألة في البلاد. كان هذا بياناً مُذهلاً. بعد إصراره طويلاً على وجود إجماع وطني على “المقاومة”، اعترف نصر الله أن هذا غير صحيح. بعبارة أخرى، رُغمَ الرافضين والمُعترضين، كان عليه وعلى المشرفين الإيرانيين تحديد ما هو جيّد للبنان.

في مواجهة مثل هذا التجاهل الصارخ لأيِّ احتمالٍ للموافقة الوطنية، يميلُ اللبنانيون مع مرور الوقت إلى الردّ بشكلٍ أكثر عنفاً. هذا لا يعني أن الحرب أمرٌ لا مفر منه، حيث يتطلب الوضع أكثر من مجرّد الغضب لتشغيل آلة الصراع ، ولكن الظروف الموضوعية للحرب بدأت تظهر ببطء. مثل هذه النتيجة ستكون كارثة على لبنان، بخاصة وأن هناك الكثير من القوى الإقليمية المُستعدّة لتأجيج النار. لن يستطيع “حزب الله” الانتصار في مثل هذه الحرب، لكن من المؤكد أن كل لبنان سيخسر.

قلّة من اللبنانيين تريد الحرب، وسيُحاوِلُ “حزب الله” تعزيز هذا التردّد من خلال ممارسة سياسة حافة الهاوية والإشارة إلى استعداده للقتال. المشكلة أن اللبنانيين وصلوا إلى نقطة الانهيار ودولتهم تتفكك. إن الروافع التي استخدمها الحزب ذات مرة لإبقاء الجميع تحت المراقبة – الجيش وأجهزة الأمن – لم تعد فعّالة. في مثل هذا السياق، يتعيّن على “حزب الله” توخّي الحذر. بدون الأجهزة القمعية للدولة كدعم، يمكن للحزب أن يلجأ إلى الترهيب المباشر مع خصومه. إذا فعل ذلك، فمن المرجح أن تحمل المجتمعات الأخرى السلاح رداً على ذلك.

إذا كان نصر الله يعلم بأن لبنان مُنقسمٌ حول “المقاومة”، يمكنه أن يُخمّن قوة رد الفعل العنيف الذي قد تُثيره حرب مستقبلية مع إسرائيل. هل يشعر “حزب الله” حقاً أنه قادرٌ على اتباع نهجٍ يخوض فيه حربه بشكلٍ مُزدَوِج – واحدة ضد عدوٍّ خارجي، أوّلاً، تليها أخرى ضد خصومه المحلّيين؟

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى