الإحتجاجات في إيران تُشيرُ إلى مُستَقبَلٍ “مُفلِسٍ مائياً” في الشرق الأوسط

إندلعت أخيراً إحتجاجات في محافظة خوزستان الغنية بالنفط والحدودية مع العراق، في وقت تُعاني إيران من انخفاضِ نسبة المُتساقطات مُقارنةً بأعوام سابقة. فماذا يعني ذلك؟

آية الله علي خامنئي: أيّدَ مطالب المحتجّين

هشام الجعفري*

كانت محافظة خوزستان في جنوب غرب إيران منذ أمَدٍ بؤرةً للاضطرابات المدنية وعدم الاستقرار في الجمهورية الإسلامية. في العام 1979، في ذروة الثورة الإسلامية التي قادها الراحل آية الله روح الله الخميني، قادت قطاعاتٌ من الأقلية العربية الكبيرة في المحافظة حملةً عنيفة من أجل الحكم الذاتي. وكانت المحافظة الغنية بالنفط الواقعة على حدود العراق أيضاً مركزَ أوّل هجومٍ كبيرٍ في الحرب العراقية-الإيرانية خلال الثمانينات الفائتة. في العام 2005، هزّت موجةٌ من الهجمات بالقنابل شنّها انفصاليون عرب مدينة الأهواز عاصمة المحافظة. بعد ست سنوات، في العام 2011، أسفرت حملة القمع التي شنّتها الحكومة الإيرانية على الاحتجاجات المُستَوحاة من الانتفاضات العربية عن مقتل 15 شخصاً.

الآن، مع الاضطرابات التي هزّت خوزستان مرة أخرى خلال الأسابيع العديدة الماضية، يبدو أن المحافظة أيضاً تبرز كنقطةٍ ساخنة أخرى في صراعات الشرق الأوسط المُستمرّة مع ندرةِ المياه والمخاطر المُتزايدة لتغيّر المناخ.

في الواقع، تُعَدُّ خوزستان في بعض النواحي نموذجاً مُصَغَّراً للتحدّيات السياسية التي تُواجهها إيران وجيرانها في الخليج العربي وحوض البحر الأبيض المتوسط ​حيث تتصارع المنطقة مع حقيقةِ الزيادة المُحتَملة في درجات الحرارة قبل نهاية هذا القرن. إذا كانت الاحتجاجات الأخيرة من قبل المواطنين الإيرانيين على نقص المياه في محافظة خوزستان تُشكّل أي مقياس، فإن عدم الاستقرار في المنطقة الغنية بالنفط والمُعَرَّضة للجفاف يُمكن أن يكون علامة مُرَوِّعة على وجود مشاكل مستقبلية آتية – ليس فقط في إيران، ولكن في منطقة الشرق الأوسط الأوسع، التي خاضت حتى الآن معركة خاسرة للتخفيف من المخاطر البيئية والتكيّف مع تغيّر المناخ.

وكما أشارت مجلة الإيكونوميست في الأسبوع الفائت، أثار الجفاف ونقص المياه احتجاجات من الجزائر والسودان إلى إيران. مع استثناءات قليلة فقط، فإن غالبية الحكومات في الشرق الأوسط غير مُجَهَّزة للتعامل مع المخاوف الحالية الناجمة عن سوء إدارة المياه في المدى الطويل، ناهيك عن تسارع الطقس القاسي الذي يُهدّد مستقبل الكوكب بأسره. الإتجاه مُقلقٌ، لأننا نعلم من التاريخ الحديث أن الجفاف في سوريا قد مهّد الطريق جزئياً للحرب الأهلية هناك. مع مرور الوقت، قد يؤدي نقص المياه إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي في المنطقة، مما قد يؤدي بدوره إلى نشوبِ نزاعٍ مُسلَّح ونزوح سكّاني.

في علامةٍ نادرةٍ على الإذعان في مواجهة الضغط الشعبي في الأسبوع الفائت، قال المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي إنه مُتعاطفٌ مع مطالب المُحتجّين وطالبَ الحكومة بتقديم حلولٍ للنقص الحاد في المياه في خوزستان. جاءت تصريحات خامنئي بعد أيامٍ قليلة من إصدار منظمة العفو الدولية بياناً صحافياً زعمت فيه مقتل ثمانية أشخاص على أيدي قوات الأمن الإيرانية، التي استخدمت الذخيرة الحيّة لقمع الاحتجاجات. لم يُشِر خامنئي على ما يبدو إلى إغلاق الحكومة للإنترنت في خوزستان. ربما ليس من المستغرب أن القناة التلفزيونية الحكومية الإيرانية ذكرت أن السلطات هناك اعتقلت حلقة تجسّس إسرائيلية تقوم بـ “مؤامرة” واضحة تهدفُ إلى استغلالِ الاضطرابات في المحافظة لإثارةِ انتفاضةٍ ضد الحكومة.

تتميّز خوزستان بالتنوّع العِرقي، وتضم ّواحدة من أكبر تجمعات العِرق العربي في البلاد. كما أنها مركزٌ مُهِمٌّ للإنتاج الزراعي في إيران، وتُمثّل غالبية احتياطات البلاد من النفط والغاز. في السنوات الأخيرة، أدّى مزيجٌ من الأضرار البيئية الناجمة عن سوء إدارة الاستجابات لسلسلة من الفيضانات والضغط على صادرات النفط والغاز بسبب الضغوط التي فرضتها العقوبات الأميركية إلى تمزيق النسيج الاجتماعي والاقتصادي المُتهالك أصلاً في المحافظة. خوزستان، مثل الكثير من إيران ومنطقة الشرق الأوسط الأوسع وشمال إفريقيا، تخضع لحكمٍ سيئ بالنسبة إلى التخفيف من الجفاف الذي يُسبّبه الإنسان والتكيّف مع تغيّر المناخ.

تعكس أزمة المياه في خوزستان عقوداً من سياسات التنمية الحكومية الإيرانية العشوائية، وهي جزءٌ من نمطِ نقصِ المياه الذي يُحرّكه الإنسان في جميع أنحاء إيران. وفقاً لتقريرٍ نشرَه في نيسان (أبريل) الفائت علماء مناخ إيرانيون في مجلة “طبيعت إيران” (أي طبيعة إيران)، فإن الاعتماد المُفرِط على أنظمة الريّ غير الفعّالة في القطاع الزراعي هو أحد الأسباب الرئيسة للمشكلة. إلى حدٍّ  كبير مثل بقية المنطقة الأوسع، حيث يتم استخدام 85 في المئة من مصادر المياه المُتاحة لريّ الأراضي المُستَخدَمة لإنتاج الغذاء، يرتبط أمن إيران واستقرارها ارتباطاً وثيقاً بالتوازن بين الأمن الغذائي وندرة المياه. وكما قال نائب وزير البيئة الإيراني السابق المنفي، كاواه مَدَني، في مقابلةٍ أُجرِيَت معه أخيراً، فإن خوزستان – مثلها مثل باقي أنحاء إيران والمنطقة – “مُفلِسة مائياً”.

لا شيء من هذا سرٌّ بالطبع. إن التصحّر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مثّل تحدّياً دائماً منذ عقود. ومع ذلك، على الرغم من الأدلّة الوافرة على المخاطر الأمنية التي يتعرّض لها العالم من منطقةٍ تُعاني من انعدام الأمنِ المائي الناجم عن المناخ، كان هناك حتى وقتٍ قريب جداً إفتقارٌ صارخٌ لدى القيادة بين النخبة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في البحث عن حلول. بينما ينادي المنتدى الإقتصادي العالمي بـ”حقبةٍ جديدةٍ من ديبلوماسية العمل المناخي في الشرق الأوسط” وتستعد الإمارات العربية المتحدة لاستضافةِ مؤتمرِ الأطراف التي شاركت في قمة اتفاقية باريس في العام 2022، فإن ديبلوماسية القمّة المُبَهرَجة لا تُعوِّضُ نقصَ الإستثمارِ في الأساسيات مثل الآليات الإقليمية المُوَحَّدة لمُراقَبة مستويات المياه الجوفية وكذلك مُشارَكة البيانات حول سياسات إدارة المياه وتأثيرات تغيّر المناخ.

هناك هيئة واحدة دائمة موضوعية في المنطقة لها مهمّة صريحة تتمثّل في مُعالجة تحدّيات الأمن المائي – “المُبادرة الإقليمية لتقييم آثار تغيّر المناخ على الموارد المائية وقابلية التأثر الاجتماعي والاقتصادي في المنطقة العربية”. في العام 2018، توقّع تقريرٌ عن هذه المبادرة أن أجزاءً من المنطقة العربية يُمكنُ أن تشهدَ زيادةً في درجاتِ الحرارة بمقدار 3.2 درجات مئوية بحلول العام 2050 و5 درجات مئوية بحلول نهاية القرن الحادي والعشرين، مما يجعل مساحات كاملة من المنطقة غير صالحة للسكن. لكن هذا التحليل مضى عليه الآن ثلاث سنوات ولا يأخذ في الحسبان الإكتشافات الجديدة حول تأثير تغيّر المناخ في المنطقة وحول العالم، والتي من المرجح أن تظهر في تقريرٍ مُرتَقَب للغاية من قبل “الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ”، من المقرر إصداره في آب (أغسطس) الجاري.

إن خليطَ وكالاتِ الأرصادِ الجوية والأبحاث البيئية في القطاع العام ضعيفة الموارد في الشرق الأوسط سوف يستمر في جعلِ الأمر صعباً على هيئاتٍ مثل “المُبادرة الإقليمية لتقييم آثار تغيّر المناخ على الموارد المائية وقابلية التأثر الاجتماعي والاقتصادي في المنطقة العربية ” لمواكبة ذلك. على سبيل المثال، بدأ المسؤولون الحكوميون في طهران تكثيف الاستثمار في المعهد الوطني الإيراني لعلوم المحيطات والغلاف الجوي منذ حوالي عشر سنين. على الرغم من أن المعلومات المُتَّسقة والموثوقة حول الطقس والمناخ أمرٌ حيوي لاتخاذ القرارِ في كلِّ شيء بدءاً من ريّ محاصيل السكّر في خوزستان إلى رسمِ خرائط النمو الحضري في المدن الإيرانية، إلّا أن إيران، مثل العديد من البلدان المجاورة الأخرى، تفتقر إلى القدرة على دمجِ هذا النوعِ من تحليل البيانات اللازمة في خطط التنمية الخاصة بها. بالإضافة إلى ذلك، يقول منتقدون، مثل “كاواه مدني”، أن الحكومة الإيرانية، التي يديرها إلى حد كبير رجالٌ كبار في السن يقعون في الطرف الصعب من الطيف الاستبدادي، تفتقر أيضاً إلى الإرادة لجعل جمع البيانات حول مؤشرات المناخ الرئيسة مثل مستويات المياه الجوفية أولوّية.

إذا كان القادة في إيران والشرق الأوسط يريدون حقاً التعامل مع مشاكلهم المناخية، فسيتعيَّن عليهم فعل أكثر من إغلاق الإنترنت وسحق الاحتجاجات المحلية بالرصاص الحي. في الواقع، يعتمد أمنهم وأمن بلدانهم على قدرتهم ورغبتهم في الاستثمار بشكلٍ أكثر منهجية في فهم مخاطر المناخ والتكيّف معها.

  • هشام الجعفري هو مراسل “أسواق العرب” في طهران.
  • شَارَكَ في هذا التقرير الزميل محمد سليم من هيئة التحرير في لندن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى