العلاقاتُ الروسية – الإيرانية في ظلِّ رئيسي والسيناريوهات المُحتَمَلة ما بعد خامنئي

تميّزت العلاقات بين موسكو وطهران منذ نشوء الجمهورية الإسلامية بالتعاون الوثيق، ولكن كيف سيكون وضعها بعد وصول إبراهيم رئيسي إلى رئاسة الجمهورية، وما هي بالتالي السيناريوهات المُحتَملة للعلاقات الروسية-الإيرانية في فترة ما بعد خامنئي.

آية الله علي خامنئي والرئيس فلاديمير بوتين: استثمر الأول كثيراً في تحسين العلاقات مع روسيا

صموئيل راماني*

في 18 حزيران (يونيو) الفائت، حقّق إبراهيم رئيسي فوزاً ساحقاً في الانتخابات الرئاسية الإيرانية. بعد إعلان النتيجة، وزّع مكسيم سوسلوف، الملحق الصحافي في السفارة الروسية في طهران، رسالة من الرئيس فلاديمير بوتين يُهنّئ فيها رئيسي بفوزه ويتعهّد بتعزيز العلاقات الثنائية بين روسيا وإيران. وردّد السفير الإيراني لدى روسيا كاظم جلالي تصريحات بوتين حول العلاقات الروسية-الإيرانية، وأشار إلى أنه كان أول زعيم عالمي يُهنّئ رئيسي على انتخابه رئيساً للجمهورية الإسلامية.

الواقع أن فوز رئيسي يُقدّم فُرَصاً وتحدّيات لروسيا. ينظر المسؤولون الروس إلى الرئيس الإيراني الجديد على أنه شخصية ودّية ولكنهم قلقون من التدهور المُحتَمَل لعلاقات إيران مع المملكة العربية السعودية وإسرائيل، مما قد يضرّ باستراتيجية التوازن التي تتبعها موسكو. يولي المسؤولون الروس اهتماماً أكبر في خليفة آية الله علي خامنئي، البالغ من العمر 82 عاماً، بصفته المرشد الأعلى لإيران، وهو انتقالٌ من المرجح أن يحدث خلال رئاسة رئيسي. في حين توقَّعَ مجتمع الخبراء الروس في البداية تغييرات في النظام السياسي الإيراني، فإن الإجماع في موسكو راهناً  قد تمحور نحو الحفاظ على الوضع الراهن في حقبة ما بعد خامنئي.

تأثير فوز رئيسي على العلاقات الروسية – الإيرانية

في مجتمعات الخبراء الروسية والإيرانية، هناك تفاؤلٌ كبير بأن فوز رئيسي سيُعزّز العلاقات الروسية-الإيرانية. توقّع بوريس دولغوف، الخبير في معهد موسكو للدراسات الشرقية، أن رئيسي سُيوسّع التعاون الاقتصادي والسياسي مع روسيا. وأشار فلاديمير سازين، زميل كبير في معهد الدراسات الشرقية، إلى أن “روسيا ستُدرَج بلا شك في قائمة شركاء إيران ذوي الأولوية”، لكنه أقرّ بأن روسيا وإيران ستحافظان على شراكة ظرفية. وتوقّع سيّد محمد مراندي، الأستاذ في جامعة طهران، أن سياسة رئيسي الخارجية “ستميل شرقاً نحو الجنوب العالمي”، وهذا التوجّه سيُعزّز شراكات إيران مع روسيا والصين. وعلى الرغم من أن رئيسي يدعم خطة العمل الشاملة المشتركة، فإن رفضه القاطع للقاء الرئيس جو بايدن يشير إلى أن إحياء الإتفاق النووي لن يُحسّن العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران أو يؤثر في سياسة طهران الخارجية المُوَجَّهة نحو الشرق.

إن موقفَ رئيسي التصالحي تجاه روسيا سوف يُكمِل الدوافع المَنهجية للتعاون بين موسكو وطهران. في نيسان (أبريل) 2017، عقد رئيسي اجتماعاً حظي بتغطية إعلامية كبيرة مع رئيس تتارستان رستم مينيخانوف، وهو مفتاحٌ رئيس لسياسة بوتين الخارجية في العالم الإسلامي، وأشاد بالتزام إيران بتعزيز علاقاتها مع روسيا وتتارستان. وبما أن هذا الاجتماع وقع قبل أقلِّ من شهرٍ من الانتخابات الرئاسية في أيار (مايو) 2017، والتي كان رئيسي مُرشَّحاً فيها، فقد أثار تكهنات بأن روسيا تتدخّل في الانتخابات الإيرانية لصالحه ولتعزيز وضعه. نظراً إلى أن المسؤولين الروس يتمتّعون بعلاقاتٍ ودية مع المحافظين الإيرانيين، مثل رئيس البرلمان السابق علي لاريجاني ووزير الخارجية السابق علي أكبر ولايتي، فمن المرجح أن تمتد هذه النوايا الحسنة إلى رئيسي أيضاً.

على الرغم من هذه العوامل الإيجابية، فإن التدهور المُحتَمَل لعلاقات إيران مع المملكة العربية السعودية وإسرائيل يُعرّضُ استراتيجية التوازن الإقليمي لروسيا للخطر. إذا ضاعف رئيسي وتيرة ووجهات نظر السياسة الخارجية لآية الله خامنئي، بدلاً من محاولة تخفيضها وتهدئتها، فقد ينهار حوار القناة الخلفية الإيرانية مع السعودية ويُمكن أن تشتد الحرب بالوكالة بين إيران وإسرائيل في سوريا والعراق. في حالة حدوث هذا السيناريو، يُمكن لإيران أن تطلب تكنولوجيا عسكرية روسية متطورة، مثل نظام الدفاع الصاروخي “أس-440” (S-400). على الرغم من أن مسؤولين روس، مثل نائب رئيس الوزراء يوري بوريسوف والسفير الروسي لدى إيران ليفان دزاغاريان، تركا الباب مفتوحاً أمام مبيعات صواريخ “أس-400” لإيران، فقد رفضت روسيا سابقاً بيع نظام مضاد للطائرات لإيران. إذا تكرّر هذا السيناريو، فإن التصوّرات الإيرانية التاريخية لروسيا كشريك غير موثوق به يمكن أن تطفو على السطح من جديد. لتقليل تعطيل استراتيجيتها الإقليمية، تدعم روسيا الاستعادة الفورية لخطة العمل الشاملة المشتركة. وهنا ينبغي النظر في هذا السياق إلى ادعاءات المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أخيراً بأن الاتفاق النووي الإيراني سيتم إحياؤه قبل 14 تموز (يوليو) – الذكرى السادسة على توقيعه.

نظرة روسيا حول إيران ما بعد خامنئي

بسبب تقدم آية الله خامنئي في السنّ، من المتوقع أن يتم تعيين المرشد الأعلى الجديد خلال رئاسة رئيسي. وقد عبّر خبراء روس عن آراء مُتباينة بشأن الشكل الذي قد يبدو عليه النظام السياسي الإيراني بعد خامنئي. في تعليق ل”نادي فالداي للمناقشة” (Valdai Discussion Club) في العام 2017، رأى الخبراء الروس إمكانية حدوث تغيير سياسي كبير بعد وفاة خامنئي. أكد سازين أن هناك ثلاثة خيارات لمستقبل إيران. الأول هو الانتقال إلى القيادة الجماعية، والتي بموجبها سيَحلّ عددٌ قليل من رجال الدين محلّ المرشد الأعلى؛ والثاني هو تقليص سلطة المرشد الأعلى إلى سلطة ملك دستوري؛ والثالث هو عدم تغيير النظام الديني في إيران. ويعتقد ألكسندر مارياسوف، سفير روسيا في إيران من 2001-2005، أن عدداً كبيراً من التهديدات الخارجية سوف يُديم النظام الحالي في إيران، في حين أن التخفيف من التهديدات الأمنية الإيرانية يُمكن أن يُسهّل التحوّل الديموقراطي.

منذ فوز رئيسي في الانتخابات بلا منازع إلى حدٍّ كبير، توحّد الخبراء الروس في اعتقادهم بأن الوضع الراهن في حقبة ما بعد خامنئي سيدوم ويستمر. توقع سازين أخيراً أن يكون المرشد الأعلى المُقبل “شخصاً يتبع مبادئ الثورة الإسلامية وتعاليم الإمام الخميني”، لكنه أشار إلى أن اختيار خامنئي في العام 1989 كان دليلاً على عدم القدرة على التنبؤ بالنظام الإيراني. وقالت إيلينا دونايفا، الخبيرة في معهد الدراسات الشرقية، أن كل شيء يمكن أن يتغيّر في إيران في غضون 24 ساعة، لكنها توقعت أن يحلّ رئيسي على الأرجح مكان خامنئي كمرشد أعلى. وتعتقد دونايفا أن الرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني سيتم تهميشه من السياسة في إيران ما بعد خامنئي، لكنها توقعت أنه يمكن أن يصبح “شيخاً إسلامياً” يلعب دوراً نشطاً في مجتمع رجال الدين الإيراني.

أدّى تعيين خامنئي كمرشد أعلى في العام 1989 بعد وفاة آية الله روح الله الخميني إلى تحسّنٍ فوري في العلاقات بين موسكو وطهران، حيث حدث الاجتماع التاريخي للزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف مع أكبر هاشمي رفسنجاني، رئيس البرلمان الإيراني آنذاك، بعد أقل من ثلاثة أسابيع على توليه السلطة. إن علاقة خامنئي الشخصية الوثيقة مع بوتين مُوَثّقة جيداً، حيث وصف المرشد الأعلى الرئيس الروسي في العام 2015 بأنه “شخصية بارزة ومُميّزة في عالم اليوم”. إن إجماع مجتمع السياسة الخارجية الإيرانية حول أهمية روسيا كشريكٍ في نظامٍ عالمي مُتعدّد الأقطاب ودعم اندماج إيران في المؤسسات الأوروبية الآسيوية متعددة الأطراف، مثل الاتحاد الاقتصادي الأوراسي ومنظمة شنغهاي للتعاون، يشير إلى أن مساهمات خامنئي في الشراكة الروسية-الإيرانية ستستمر في كل سيناريو معقول للخلافة.

في حين أن مستقبل خطة العمل الشاملة المشتركة مُعلَّق في الميزان، فمن المرجح أن تشهد رئاسة رئيسي تعزيز العلاقات الروسية-الإيرانية. وفي الوقت الذي تتنافس روسيا وإيران على النفوذ في إعادة إعمار سوريا بعد الصراع، من المتوقع أن يلعب التكامل الأوروبي-الآسيوي والترابط المعياري دوراً متزايد الأهمية في دفع التعاون الثنائي في حقبة ما بعد خامنئي.

  • صموئيل راماني حاز في آذار (مارس) الفائت أخيراً درجة الدكتوراه في قسم السياسة والعلاقات الدولية في جامعة أكسفورد. ويعمل حالياً على تأليف كتاب عن السياسة الخارجية والأمنية لروسيا تجاه إفريقيا. يمكن متابعته عبر تويتر على: @samramani2. الآراء الواردة في هذه المقالة هي آراؤه الخاصة وتُمثّله.
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى