مَعرَكةُ البَراميل

يَعكُسُ الخلافُ السعودي – الإماراتي المُستمر حول إنتاج النفط، والذي انفجر في اجتماع “أوبك +” الأخير، تغييراً أوسع في ديناميكيات القوة الإقليمية.

وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي ووزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان: هل يتوصّلا إلى اتفاق حول حصة الإمارات؟

بدر السيف*

هزَّ الخلاف العام بين الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية هذا الأسبوع، خلال اجتماع مجموعة “أوبك +”، الأسواق الدولية نظراً إلى المخاطر الكبيرة المُترتِّبة لتحقيق اتفاقٍ يدعم التعافي الاقتصادي العالمي. عارضت الإمارات تمديد وتوسيع صفقة التوريد من دون زيادة إنتاجها الأساسي أولاً. أقرب إلى الوطن، تم وصف الخلاف على أنه صَدعٌ آخر في الشراكة الاستراتيجية السعودية – الإماراتية بعد الانتفاضات العربية في العام 2011، خصوصاً منذ العام 2015 وصعود الملك سلمان وابنه الأمير محمد إلى السلطة.

ومع ذلك، فإن الأحداث الجارية تُمثّل أكثر من انحراف في العلاقات الثنائية. ستنجو العلاقة من الخلاف الأخير تماماً كما حدث عندما اختلف الاثنان حول قضايا رئيسة أخرى مثل اليمن وقطر وإسرائيل وتركيا، على سبيل المثال لا الحصر، لأن الفوائد تفوق بكثير التكاليف. بعيداً من العلاقة نفسها، تتحدث المواجهة الأخيرة عن الديناميكيات في منطقةٍ تخضع لعملية إعادة تقويم رئيسة. المُنافسة الاقتصادية المتزايدة في الخليج والصوت الإماراتي الأكثر حزماً هما من أوضح مظاهرها.

ذهبت شخصيات سعودية وإماراتية إلى موقع تويتر، كما تفعل غالباً عندما تقع خلافات، للتعبير بمهارة عن تحفّظاتها عن بعضها البعض. وقد عكست عملية شدّ الحبل الأخيرة القومية المُفرِطة التي ظهرت في كلتا الدولتين في السنوات الأخيرة. تركي آل الشيخ، مستشار الديوان الملكي السعودي وأحد المقربين من الأمير محمد بن سلمان، غرّد بعد خلاف “أوبك +”: “صديقي … لم تعد صديقي … الوقت … والظروف غيّرتك … [لكن] أنا لم تُغيّرَني”.

رجال الدولة الإماراتيون كانوا أقل شاعرية لكنهم كانوا قساةً بالقدر عينه. ضاحي خلفان، مسؤول سابق تعكس تغريداته في كثير من الأحيان مزاج الدولة، غرّد على تويتر: “المصالح تسبق العلاقات” … “هذه الحقبة لا تعرف الصداقة أو الأخوّة … إنها حقبة المصالح المادية” … “بقاء الإنسان ليس للأقوى ولكن للأذكى”. وتجري إعادة دراسة وتدقيق للتحالف منذ العام 2019، بعد التحوّل الاستراتيجي لدولة الإمارات العربية المتحدة في اليمن. كان المبدأ غير المُعلَن وراء القرار الإماراتي في حينه هو إعطاء الأولوية للمصلحة الوطنية.

يُمكن فهم الخلاف الأخير بشكلٍ أفضل على خلفية التصوّر المُتنامي في الخليج بأن حقبة ما بعد النفط تقترب. وقد أدّى ذلك إلى محاولات التنويع في جميع أنحاء المنطقة ووجّه العديد من القرارات السعودية. وقد اشتمل ذلك على الضغط من أجل نقل مقر الشركات الإقليمي، ومعظمها في الإمارات العربية المتحدة، إلى المملكة من أجل الاستمرار في الإفادة من الأعمال السعودية، وتعديل قواعد الاستيراد على السلع المُنتَجة في مناطق التجارة الحرّة لدول مجلس التعاون الخليجي، وهي السمة المُميَّزة لدولة الإمارات العربية المتحدة.

يجب قراءة قرار الإمارات بتسمية خدعة “أوبك +” والمطالبة بحصة أكبر في ضوء ذلك. من المُغري تصوير التدابير الاقتصادية على أنها مُوَجَّهة عن قصد ضد دولة مُعيَّنة عندما تهدف كلٌّ من الإمارات والسعودية إلى الحفاظ على الذات، الأمر الذي يؤدي إلى مشهدٍ أكثر تنافسية للجميع. ومع ذلك، إذا تُرِكَت الاختلافات من دون رادع، فقد تتضاعف وتؤثر سلباً في الودّ و”الجِيران”. ومع ذلك، فإن المنطقة ليست هناك بعد ولا تحتاج إلى أن تكون عندما يُمكن أن تستوعب أكثر من قوّة اقتصادية واحدة إذا تجنّبت دول الخليج المزالق والإغراءات لتكرار نماذج التنويع الاقتصادي الخاصة بها بدون الكثير من الابتكار، مما قد يؤدي إلى أشكالٍ أكثر عدوانية من المنافسة .

التحوّل الآخر الجاري والذي أثّر في القضايا الاقتصادية هو ارتفاعُ تصوّر الإمارات واعتبار نفسها قوّة إقليمية. هذا الوضع الجديد يعني أنها لن تسمح للآخرين، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، بتجاوز مصالحها. كان اعتراض الإمارات القوي والوحيد على صفقة “أوبك +” الوشيكة مؤشراً إلى هذا التصور والإعتبار للقوة، وأدى إلى عرضٍ مفتوح للخلافات مع المملكة العربية السعودية. كان هذا في تناقضٍ حادٍ مع الطريقة الأكثر رسوخاً في البلدين لإدارة خلافاتهما وراء الكواليس.

يعود جزءٌ من هذا أيضاً إلى فشل المؤسسات. لا يمكن لمجلس التنسيق السعودي – الإماراتي الذي تأسس في العام 2016 ولا لمجلس دول التعاون الخليجي أن يتدخّلا للإنقاذ وإيجاد الحل لأن علاقات الدول في الخليج تميل إلى أن تكون شخصية، على الرغم من وجود مؤسسات مُتعدّدة. أدّى هذا الافتقار إلى إضفاء الطابع المؤسسي عن غير قصد إلى نشر الخلافات علناً. وأتاح الصَدعُ الخليجي (2017-2021) هذا الوضع الطبيعي الجديد، والذي قد يكون، للمفارقة، نِعمَةً مُقَنَّعة. لقد كان يعني عملية أكثر شمولاً تعمل على زيادة وعي المواطنين بالشؤون العامة، سامحةً لهم المشاركة في العملية، حتى لو كان ذلك يعني، في الوقت الحالي، الانتقال إلى منصّات وسائل التواصل الاجتماعي.

تميّزت العلاقة مع المملكة العربية السعودية بالمدّ والجزر منذ تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة في العام 1971. وقد أصبحت المخاطر أكبر في ظل التعاون السعودي – الإماراتي المُتقدّم الذي تم تنفيذه خلال السنوات الأخيرة، ولكن سيكون من السابق لأوانه دق ناقوس الموت لهذه العلاقة. أو توقّع حدوث صدع خليجي في طور التكوين. تتصالح كلتا الدولتين مع بعضهما البعض أثناء تطورهما وفهم هذا التطور بشكل أفضل. إنهما تتنافسان بشكل متزايد في مجالات عدة، لكنهما ما زالتا بحاجة إلى بعضهما البعض.

ومع ذلك، فإن هذا لا يعني أن العلاقة مُحصَّنة ضد المزيد من الضرر والتدهور. هناك ثلاثة أشياء يجب مراقبتها للمساعدة على تحديد الاتجاه الذي قد تسير فيه. أولاً، إلى أي مدى ستُظهِر الإمارات قوّتها، كما فعلت في مواجهة “أوبك +”، من دون التشكيك أو تقويض الدور القيادي الأكبر للمملكة العربية السعودية؟ ثانياً، ما مقدار التنسيق الذي سيتم التسامح معه مع بدء المنافسة الاقتصادية؟ هل سيوافق كلا البلدين على تقسيم الفَرق في فترات الخلاف، أم أنهما سيسمحان لعلاقاتهما بالتحوّل إلى قبيحة؟ أخيراً، كيف ستؤثر التطورات المحلية والإقليمية والعالمية المُتغيّرة بسرعة في تصوراتهما للتهديدات والمكانة الجيوسياسية؟ ستُشكّل هذه العناصر المترابطة ملامح العلاقات السعودية – الإماراتية وتُملي مستويات مقبولة من التحالف والاختلاف للمضي قدماً.

سيتم حل الخلاف النفطي الحالي بسبب – وليس رُغم – الوعي بالديناميات المُتغيرة في العلاقة السعودية – الإماراتية. الاشتباك العلني هذا الأسبوع أعاد تأكيد ذلك، حتى لو ظل الزواج متيناً. وسوف يستمر في التأثير على الاثنين في الوقت الحالي، وأبعد من ذلك، سيؤثر في اتجاه الشرق الأوسط.

  • بدر موسى السيف هو زميل غير مقيم في مركز مالكولم إتش كير كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، حيث تركز أبحاثه على الخليج وشبه الجزيرة العربية. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @bmalsaif

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى