خياراتُ سعد الحريري: أحلاها مُرٌ

مايكل يونغ*

في أواخر شهر أيار (مايو) الفائت، في إشارة غير مباشرة إلى فشل السياسيين اللبنانيين وخفّتهم واستخفافهم، أكد تقريرٌ صادر عن البنك الدولي أن البلاد تواجه كساداً اقتصادياً طويل الأمد ومُتَعَمَّداً، والذي من المُحتَمل أن يكون من بين أكبر وأسوأ ثلاث أزمات عالمية منذ منتصف القرن التاسع عشر.

على الرغم من ذلك، فإن عملية تشكيل الحكومة في البلاد، والتي استمرت تسعة أشهر، لم تصل بعد إلى أي مكان. عاد رئيس الوزراء المُكَلَّف سعد الحريري لتوِّه إلى لبنان ليُقرِّرَ ما إذا كان سيواصل جهوده أم يستقيل. لقد رفض هو والرئيس ميشال عون التنازل عن مواقفهما، وقليلٌ من الناس متفائلٌ بأنهما سيفعلان ذلك في الأسابيع المقبلة.

ليست لدى الحريري خياراتٌ سهلة. ما لم يُظهِر المزيد من المرونة والخيال مع عون، وما لم يتوقّف عون وصهره جبران باسيل عن عرقلة مهمة الحريري على أمل أن يجعله ذلك يتخلّى عن تشكيل الحكومة، فإن تفكّكَ لبنان سوف يتسارع. هذه لحظة حسّاسة جداً بالنسبة إلى الحريري، حيث ستُحدّد قراراته مستقبله السياسي إلى حدٍّ كبير.

ولا أُذيع سرّاً إن قلت بأن رئيس الوزراء المُكَلَّف لا يحظى بدعمٍ غير مشروط من راعيته الإقليمية الرئيسة، المملكة العربية السعودية، وهو أمرٌ يعترف به حتى االمقربون منه. ولم يزر الحريري المملكة منذ وقت طويل. بدون موافقةٍ سعودية، فإن ادعاءات الحريري بأن حكومته يُمكن أن تجتذب أموالاً عربية من أجل الانتعاش الاقتصادي للبنان هي موضع شك.

في حين أن هذا الأمر لم يمنع الحريري من محاولة تشكيل حكومة، إلّا أنه حدّد كيفية تعامله مع العملية. لو بدا مُتكيّفاً ومُتعاوناً ومُتساهلاً للغاية، لكان من الممكن أن يُقوِّضَ مصداقيته المُجتمعية ويُعزّز الشكوك الإقليمية حول ضعفه. وهذا هو سبب تعنّت رئيس الوزراء المُكَلَّف مع عون، والسبب في رفضه لقاء باسيل، الذي يُعتبر صانع القرار الحقيقي في رئاسة الجمهورية.

ومع ذلك، لا يمكن الحريري أن يكون غير مُبالٍ بتكاليف عدم تشكيل حكومة. وسط شكوك محلية كبيرة، وحتى إقليمية، حول عودته إلى السلطة، فإن عدم قدرته على القيام بذلك لن يؤدّي إلّا إلى تعميق التهميش السياسي لرئيس الوزراء المُكلف. وهذا ما يأمله عون وباسيل.

قد تواسي الحريري حقيقة أنه يبدو قد عزّز وضعه داخل المجتمع السني، الذي دعمه في المواجهة مع عون. ويَتَوَقَّع أنه سيتمكن من الاستفادة من ذلك خلال الانتخابات البرلمانية في الربيع المقبل. وكما يشعر، فإن نتيجةً ناجحة لقوائمه الإنتخابية، يُمكن أن تُنعش أوضاعه السياسية، وتضع عون في موقف دفاعي، وتقوّي قبضة الحريري مع بعض الدول العربية التي تُشكّك فيه اليوم.

لكن هناك مشكلة. لأن لبنان يتفكّك ومن المرجح أن يزداد الوضع سوءاً مع حلول موعد الانتخابات، فإن مقامرة الحريري قد تفشل إذا لم يُشكّل حكومةً الآن. ولأن عدداً مُتزايداً من اللبنانيين سيُحمّله جزئياً المسؤولية عن وضعهم المُزري، فقد تجلب الانتخابات مُفاجآت سيّئة لأعضاء الطبقة السياسية، بمَن فيهم الحريري.

عاملٌ آخر قد يؤثر في خططه هو أن بعض مُمَوّلي الحريري الرئيسيين يغادرون لبنان. أعلن جهاد العرب، أحد داعميه الرئيسيين، وهو رجل أعمال فاز بالعديد من العقود العامة، أخيراً أنه سيُغلق عملياته في لبنان ويسافر إلى الخارج. من الواضح أنه ليس الشخص الوحيد الذي اتخذ مثل هذا القرار، ما يعني أن شبكات المحسوبية الخاصة بالحريري قد تتعرّض لضربةٍ كبيرة في وقتٍ حاسمٍ بالنسبة إليه.

مشكلةٌ أخرى هي أن الحريري، إذا انسحب من تشكيل الحكومة، قد يحاول منع سنّي آخر من أن يحل محله بحرمانه من موافقة وتأييد كتلته البرلمانية ذات الغالبية السنية. ولتجنّب مثل هذه النتيجة، أفادت المعلومات أن نبيه بري، رئيس مجلس النواب والوسيط الرئيس حالياً لحل مشكلة الحكومة، يُريد من الحريري تسمية بديلٍ سنّي إذا تنحّى عن منصبه، ما يمنحه شرعية مُجتَمعية.

إذا قام الحريري بعرقلة وصول رئيس وزراء بديل، فسيكون ذلك خطيراً، حيث سيستمر المأزق، مع عواقب وخيمة على لبنان. وقد يعني ذلك أيضاً أن الدول الأجنبية المُتبقّية الداعمة -مصر وتركيا وروسيا- ستتخلّى عن الحريري، وتخلص إلى أن دوافعه كانت كلها تتعلّق بالسلطة السياسية، وليس عَكس الانهيار المالي والاقتصادي للبنان.

والمفارقة هي أن الحريري راهن في العام 2016 على أن علاقةً جديدة مع عون ستُحيي وتُعزّز قدرته السياسية، التي تضرّرت في العام 2011، عندما أطيح به من منصب رئيس الوزراء بمساعدة العونيين. كان الحريري أساسياً لإيصال عون إلى الرئاسة. اليوم، بسبب القيود المحلية والإقليمية، فهو غير مُستعد للتكيّف بطريقة مماثلة.

ليس من الصعب الفوز على عون وباسيل في محكمة الرأي العام. وهذا ما يفسره مدى عدم كفاءة رئيس الجمهورية وكيف تصرّف صهره بشكلٍ مُدَمِّر. لكن التحدّي اليوم لا يتعلّق بكسب الجدل، بل في إنقاذ لبنان. في هذا الصدد، يبدو الحريري بأنه جزءٌ من المشكلة. سيتعيّن عليه توخّي الحذر في الأشهر المقبلة مع تصاعد السخط العام.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى