ذكرياتُ الجنرال الخالدة

راشد فايد*

مَن يدعو إلى اعتذار الرئيس المُكَلَّف، سعد الحريري، عن وقف سعيه إلى تشكيل الحكومة، إما أنه عليلُ البصيرة، فتُشكٍل عليه دروب سلامة الوطن، أو أعجز من أن يَستَوعِبَ حقائق الحالة اللبنانية، فيضرب خبط عشواء، تُسيّرُه غايات انتهازية، تعميه عن الأسوأ الذي ينتظر لبنان. فمشكلة “إشتهاء” رئيس الجمهورية، ميشال عون، إعادة عقارب الساعة إلى زمن “قصر الشعب” في بعبدا ما قبل إقرار “اتفاق الطائف” لا حلّ لها عند الرئيس المُكَلَّف، ولا عند غيره، فولادته، يوم ذاك، جاءت في لحظة توافق دولي–عربي- إقليمي، تكرارها فقط يسمح بإسقاطه أو تعديله، ولعلّ من المفيد التذكير بمؤتمر مدريد للسلام، الذي دُفِنَ لاحقاً (العام 1991، من 30 تشرين الأول/أكتوبر إلى 1 تشرين الثاني/نوفمبر)، فقد كان أبرز دوافع إخراج لبنان العليل من غرفة العناية الفائقة، ليكون في الصورة التذكارية للساعين إلى السلام في الشرق الأوسط. هناك بالطبع حالة أخرى هي التوافق الوطني الداخلي على الأمر، لكن لا ملامح لهكذا مخرج، خصوصاً أن نيّة التحدي لدى المُرتَدّين على الطائف لا تُمارى، ولا تفعل سوى تسعير الإشتباك، تحت عنوان صلاحيات للرئيس ينتحلون لها، بهمة المستشارين، أسانيد دستورية لم يلمسها غيرهم.

مع ذلك، ماذا لو اعتذر الرئيس المكلف؟

  • لأنه الأوسع تمثيلاً في طائفته، فإنها ستشعر بتحدٍّ لحصانتها في التوازن الوطني الذي إليه يستند لبنان.
  • لن يستطيع أي مرشح للتكليف أن ينزل عن السقف الذي رسمه الرئيس سعد الحريري لتشكيل الحكومة العتيدة، ما يُرشّح البلد إلى “طبعة” جديدة من الأزمة الراهنة.
  • أكّدت هذه الأزمة أن مُعَرقِلي ولادة الحكومة يستجلبون بهرطقتهم الدستورية دخول أطراف دولية وإقليمية على خط التعطيل، في الوقت المناسب لها، والظرف الأرجح هو انهاء التفاوض النووي الأميركي – الإيراني، أولاً، حسبما ترى واشنطن التي تقرر في الوقت المؤاتي ما يُناسب مصالحها، وهي تبدو إلى اليوم غير مُتحَمّسة، على عكس طهران التي تتفجّر فيها أزمات الكهرباء والمشتقات النفطية والمواد الغذائية (ويدعونا الأمين العام الشهير إلى الإلتفات شرقاً) ويُهاجَم “مرشدها” بالصيحات من على شرفات البيوت في المدن الكبرى.
  • إذا لم تولد مبادرة فاعلة وحاضنة لتطويق الأزمة، سيستمر الفراغ الحكومي، فإذا انتهت ولاية المجلس، حان موعد الإنتخابات النيابية، فيما ليس من صلاحيات حكومة تصريف الأعمال دعوة الناخبين إلى أدوارهم ترشيحاً واقتراعاً، فتنطلق الدعوة إلى مؤتمر تأسيسي، نسمع نغماته من فترة إلى أخرى.
  • لبنان عندها بلا مجلس ولا حكومة ويبقى من “هياكل” الشرعية رئاسة الجمهورية، عندها يستعيد الجنرال ذكرياته الخالدة لدى أهالي ضحايا حَربَي الإلغاء والتحرير.

هو سيناريو كارثي، ليس الإعتذار ما يمنعه، لكن حتى لو وُلِدَت حكومة، من أين لها المال لحلِّ الأزمات المتشابكة، من حلفاء الأمين العام، بالتومن الإيراني أم الدينار العراقي أم الليرة السورية، بعدما شبع العرب سماع شتائمهم بآذانهم عبر شاشات تلفزيون حارة حريك؟

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
  • يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازياً مع صدوره في صحيفة “النهار” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى