طيّب… وبعدين؟

راشد فايد*

من حقّ اللبناني، هذا المتروك لمصيره، أن يسأل مُصادري يومه وغده، باسمه ورغما عنه: طيب… وبعدين؟ 10 أشهر من استقالة حكومة الدكتور حسان دياب، عقب انفجار المرفأ، الذي لن يصدق عاقل أنه غير مدبّر، وأن الصمت عليه تواطؤ بين اسرائيل وخصمها اللبناني اللدود فرضته إدانة المجتمع الدولي المتوقعة لعملية تخزين الأمونيوم، إذا تأكدت من جهة الثاني، واستخدام الصواريخ من جهة الأول، إذا فُضحت، فكانت اللفلفة مخرج تواطؤ، إلا إذا حسم القضاء اللبناني بالعكس، وهو لن يحسم.

وفي “ظلال” هذه الاشهر، 8 أشهر يحمل خلالها الرئيس سعد الحريري لقب الرئيس المكلف بتشكيل “حكومة مَهمّة” لإنقاذ لبنان من الجوع والإفلاس، ولم تبق دولة في العالم ولا جهة دولية، ولا مسؤول دولي، من عرب وعجم، إلا ونصحوا بتعجيل تشكيل الحكومة المنتظرة. كل الكرة الأرضية تخاف على لبنان من مصير مجهول، إلا سياسيوه، وإذا تسامحنا قلنا أغلبيتهم الكاسحة، ويكاد الناصحون أن يمسكوا بتلابيب هؤلاء السياسيين متوسلين، ومتسولين رأفتهم ببلدهم، لكن بلا طائل، ففي هذه اللوحة السوريالية، تعقد حفلات الزجل السياسي على جثة الوطن العليل، ويتناتش الغاصبون إرثه، ولا من يبادر منهم لاستشارة طبيبه أي الدستور الذي أقام  وجوده، كأن البلد هشيم مستباح، وكأن حرب 15 سنة البائدة لم تحمل العبَر اللازمة.

ليست الأزمة في الخلاف، أيا كان جوهره، بل هي في منطق هذا الخلاف، فلو كان في الأمر تناقض منطقي لسهُل اللجوء إلى ذوي اختصاص لتفسير الدستور، هذا على الأقل ما يلجأ إليه أصحاب الإرادات الوطنية الصادقة من الشعوب الأخرى، فيما قادة “شعب لبنان العظيم” يبدون بين اتجاهين إما دفع المجتمع الدولي إلى استنباط نهج جديد للتدخل، وإما، على طريقة الوزير جبران باسيل في مؤتمره الصحافي الأخير، مبايعة “الأمين العام لحزب الله” بالولاية على الطائفة المسيحية، والفوز بحضانتها وحضانة طموحه الرئاسي، وربما لن ينقص السيد باسيل سوى الدعوة إلى ما يشبه سقيفة بني ساعدة الشهيرة.

لكن الرسالة ليست هنا. ففيما يجهد المجتمع الدولي لإقناع اللبنانين بإنقاذ بلدهم، ويضرب الأوروبيون والمنظمات الدولية الوعود بالدعم شرط تشكيل حكومة وبدء خطوات الإصلاح، يعلن باسيل انحيازه إلى حلف الممانعة الإقليمي بتسليم قراره للحزب الملتفت شرقا، وتحديداً إلى ايران. لم يلمس اللبنانيون هذا التود لمصلحة البلد، تحديدا في الأزمة الراهنة، ولم يسمعوا من باسيل لفتة تنبه السيد، بود، إلى تهريب المواد الغذائية المدعومة، والنفط والمشتقات النفطية وكل ما تحتاجه سوريا وهو كثير ويُحرم منه اللبنانيون، ويدفعون ثمنه من اللحم الحي. فكيف كان تجاوب الأمين العام سيكون لو خاطبه باسيل بمصلحة اللبنانيين العامة، خصوصا أن القيمين على التهريب يستفيدون من فائض قوة لا يجهله كثيرون، جعلهم، أمس، يؤكدون استهانتهم بالدولة عندما أقفلوا الحدود، بالتمام، عند حاجز الجمارك اللبنانية، لأنها قطعت رزقهم “المكتسب”.

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
  • يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازياً مع صدوره في صحيفة “النهار” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى