مَوقِفُ رئيسي المُتشَدّد لن يَخدُمَ مَصالحَ الإيرانيين الفُضلى

أسامة الشريف*

قبل بضعة أشهر، لم يكن كثيرون خارج إيران سمعوا باسم إبراهيم رئيسي، الذي أُعلِنَ فوزه في الانتخابات الرئاسية يوم الجمعة الفائت في الجمهورية الإسلامية. لكنَّ سيلاً من الملفّات الشخصية الإعلامية والمعلومات الأساسية تدفّقت حتى قبل انتخابه، حيث كان يُنظَر إلى فوزه على أنه نتيجةٌ مفروضة. لقد كان المُرشّح المُختار للمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، وأصبح طريقه إلى المنصب أسهل عندما قام مجلس صيانة الدستور، مُراقِب الانتخابات الإيراني، بإقصاء عددٍ مِمَن يُسَمّون إصلاحيين ومُعتَدِلين، بمَن فيهم الرئيس المُتشدّد السابق محمود أحمدي نجاد، الذي كان انتقد العملية الانتخابية.

وشهدت الانتخابات انخفاضاً قياسياً في إقبال الناخبين حيث بقيت غالبية الإيرانيين، ومعظمها من الشباب، في منازلها احتجاجاً. إن رئيسي (60 عاماً) مَوصومٌ بسمعةٍ سيئة بعدما ارتبط بما يُسمى “لجنة الموت” في أواخر الثمانينات الفائتة والتي كانت مسؤولة عن تعذيب وإعدام الآلاف من النشطاء المناهضين للنظام. منذ ذلك الحين، قضى معظم حياته المهنية في القضاء. وقد تم تعيينه رئيساً للسلطة القضائية في العام 2019. على عكس سلفه الرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني، وهو أكاديمي وسياسي وديبلوماسي وعضو سابق في مجلس الخبراء والمجلس الأعلى للأمن القومي وعضو مُنتَخب في البرلمان، فإن السيرة الذاتية العامة لرئيسي مُتواضِعة.

لكن ولاء رئيسي لخامنئي وعلاقته الوثيقة بالحرس الثوري الإيراني جعلاه خياراً آمناً لدرجة أنه يُنظَر إليه الآن على أنه خليفة مُحتَمل للمُرشد الأعلى. إن وصفه بالمُتشدّد غير كافٍ، إنه مُتطرّف عندما يتعلق الأمر بسياسته، وبخاصة تجاه الولايات المتحدة وإسرائيل، لكنه أيضاً مُتلاعِبٌ ومُناوِرٌ عندما تدعو الحاجة حيث عمل بجدٍ لتجميع النفوذ والسلطة. من خلال الوصول المباشر إلى خامنئي والحرس الثوري الإيراني والبرلمان، سيبرز رئيسي المحافظ كواحدٍ من أقوى الرؤساء في التاريخ الإيراني الحديث.

لكن ماذا يعني انتخاب رئيسي، الذي يتولّى منصبه في أوائل آب (أغسطس) المقبل، للإيرانيين والمنطقة والعالم؟ حاول رئيسي، كرئيسٍ للسلطة القضائية، محو سمعته كرجلِ قانونٍ مُتعطّش للدماء من طريق إصدار الرأفة والعفو عن المُدينين والمُدانين. كما قدّم نفسه على أنه مُناضِلٌ ضد الفساد. إن مهمّته لتحسين حياة الإيرانيين لن تكون سهلة، فالبلاد تُعاني من عقوباتٍ اقتصادية أميركية حادة، التي من المُرجّح أن يظل الكثير منها ساري المفعول حتى لو أُعيدَ إحياء الاتفاق النووي. في الواقع، إن إحدى العقبات الرئيسة في محادثات فيينا تتعلق بالعقوبات المفروضة على خامنئي نفسه. ومن المفارقات أن رئيسي يخضع أيضا لعقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بسبب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.

وفي حين أن رئيسي ألزَمَ نفسه بالاتفاق النووي، فإن مُنتقديه في الخارج يتّهمونه بدعم هدف المتطرفين المُتمثّل في تمكين إيران من تطوير أسلحة نووية. وقد سارعت إسرائيل إلى إعادة تأكيد معارضتها لاتفاقٍ نووي مع “نظام الجلّاد”. وكانت الولايات المتحدة أقل انتقاداً. كان تركيزها على الديموقراطية الإيرانية المُختلّة بدلاً من الرجل الذي فاز في الانتخابات. من حيث الجوهر، تُريد واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون إبرام اتفاقٍ مع طهران قبل أداءِ رئيسي اليمين الدستورية.

أحد أسباب ذلك يتعلّق باختيار رئيسي لوزير الخارجية المقبل، الذي سيحل محل محمد جواد ظريف صاحب الكاريزما والكفاءة، والذي كان قادراً على تبرير موقف إيران والدفاع عنه بشأن الصفقة النووية منذ انسحاب إدارة ترامب من الاتفاقية في العام 2018.

في أول مؤتمر صحافي له يوم الإثنين الفائت، حاول رئيسي التقليل من أهمية الاتفاق النووي قائلاً إن سياسة إيران الخارجية لا تبدأ بالصفقة ولا تنتهي بها. وقال أيضاً إن برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني غير قابل للتفاوض. لكن تحسين حياة الناس وتطبيع العلاقات مع جيران إيران الخليجيين يعتمدان على إحياء الاتفاق النووي بطرقٍ عدة. في ظل قيادة رئيسي، ستشهد المنطقة تحوّلات جيوسياسية مهمة يشير إليها انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان والحدّ من وجودها العسكري في الشرق الأوسط.

في عهد روحاني وبقيادة ظريف، بدأت إيران عملية بطيئة لإصلاح علاقاتها مع جيرانها، وخصوصاً مع المملكة العربية السعودية. يبقى أن نرى ما إذا كان رئيسي ومسؤول السياسة الخارجية المُقبل سيواصلان هذه العملية. لا تزال أجندة إيران الإقليمية المُثيرة للجدل مصدراً رئيساً لعدم الاستقرار في المنطقة. يجب أن يُوفّر إحياء الاتفاق النووي في فيينا ضمانات بأن إيران ستحترم سيادة واستقرار جيرانها.

في حين أن ارتباط رئيسي الخاص بالمرشد الأعلى والحرس الثوري الإيراني والبرلمان يضعه في وضعٍ قوي لتنفيذ سياساته، على عكس خليفته، يبقى أن نرى ما إذا كان ذلك سيُثبت أنه عائقٌ مُضِرٌّ أو ميزةٌ نافعة. يُمكن أن تنتهي عزلة إيران الإقليمية والدولية إذا بدأ الزعيم الجديد في طهران مرحلةً جديدة في أجندة السياسة الخارجية لبلاده؛ واحدة تُقدّم إيران كدولةٍ طبيعية مُستَعدّة للتعايش مع جيرانها.

  • أسامة الشريف هو صحافي ومٌحلِّل سياسي مُقيم في عمّان، الأردن. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @OsamaAlSharif3

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى