هل من “طريق حرير” غربيّة مُقابل طريق الحرير الصينيّة؟

الدكتور ناصيف حتّي*

الزيارة الأولى للرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى الخارج بدأت في أوروبا للتأكيد على أولوِيِّة استنهاض الحلف الغربي، والبعض يقول إعادة إحياء هذا الحلف، وضخّ دماءٍ جديدة فيه بعد أن ساهمت سياسات ألرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، في تهميشه. وقد حصل ذلك تحت عنوان “أميركا أوّلاً”، أو سياسة الأحادية الأميركية الحادّة التي أحدثت حالةً من التوتّر ولو بدرجاتٍ مختلفة مع الحلفاءِ التقليديين لواشنطن.

في سياقِ إحياء الدورِ الأميركي ”التقليدي” تمّ توقيع ميثاقٍ أطلسي جديد أميركي – بريطاني أسوةً بما قام به في الماضي البعيد فرانكلين روزفلت وونستون تشرشل للتأكيد على خصوصية العلاقات بين واشنطن ولندن و”القِيَم المُشتركة” التي تجمع بينهما. كما تمَّ طرح رؤيةٍ جديدة في القمّة التي استضافتها بريطانيا “لمجموعة القوى السبع“ لتلعب دوراً أكثر فعالية في مواجهة التحديات العالمية الجديدة. ويأتي إشراك زعماءِ كلٍّ من كوريا الجنوبية وجنوب أفريقيا والهند وأوستراليا، ولو عن بُعد، في هذه القمة لتُشكّل رسالةً واضحة حول هدف تعزيز قوة ودور هذه المجموعة على الصعيد العالمي. كما إن إنشاءَ صندوق البنى التحتية العالمي لدعم شبكة المواصلات في الدول الفقيرة والنامية، وأيضاً للعمل على النموّ الأخضر لهذه الدول والحفاظ على البيئة فيها، وكذلك لدعم الطاقات المُتجدِّدة والتكنولوجيا النظيفة، كلّها عناصر تندرج تحت عنوان استراتيجية عالمية جديدة “للغرب” نحو الدول الفقيرة في مواجهة استراتيجية “حزام واحد طريق واحد” الصينية. إنها استراتيجيةُ سباقٍ وتنافسٍ مع الصين الشعبية في الجغرافيا الاقتصادية عالمياً التي تندرج في لعبة التنافس بين الطَرَفين، وبخاصة الأميركي – الصيني، في”لعبة” الجغرافيا السياسية: وأوّل مسرحٍ لهذا التنافس أو المواجهة، وليس بالطبع الوحيد، هو منطقة “آسيا – المحيط الهادىء”.

وعلى صعيدٍ آخر فإن المنافسة أو المواجهة مع روسيا الاتحادية فيبقى في مجالِ سباقِ النفوذ في الجغرافيا السياسية على الصعيد العالمي، وبالأخص بين البحر الاسود والبحر المتوسط. وشهدت قمة حلف شمال الأطلسي، التي عُقِدَت يوم أمس في مقر الحلف في بروكسل، مشاورات  لبلورة “مفهومٍ استراتيجي جديد” للحلف للتعامل مع التحديات العالمية في هذا المجال. ورُغمَ التصعيد الكلامي بين الولايات المتحدة وروسيا الذي ازداد حدّة بسبب الخلاف الشديد حول “المسألة الأوكرانية”، وبيلاروسيا، والاتهامات الأميركية لروسيا بالهجمات الالكترونية، ووصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للعلاقات بين بلاده والولايات بأنها انحدرت إلى أدنى مستوياتها، فإنّ القمة التي ستجمع بين الطَرَفين في جنيف قد تُهيّئ الأرضية لحوارٍ يرسي نوعاً من الاستقرار الاستراتيجي بين الجانبين، كما يقول وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكِن. وبدون شك ستحظى القضايا التي أشرنا إليها إلى جانب كلٍّ من أفغانستان والمفاوضات  غير المباشرة  الأميركية – الإيرانية حول الملف النووي وسوريا بمكانة خاصة في محادثات جنيف.

ويُمكن أخيراً إدراج الملاحظات التالية حول ديبلوماسية القمم حالياً:

عودة الولايات المتحدة مع الرئيس بايدن إلى إحياء الديبلوماسية مُتعدّدة الأطراف التي تقوم على مفاهيم الحوار والشراكة، وليس على الأحادية وتجاهل الحلفاء. ويُذكَر في هذا الصدد ترحيب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالدور الأميركي الجديد بقوله “إن الزعامة تعني الشراكة”. ويهدف الرئيس الأميركي إلى ترتيب البيت الغربي للتموضع بشكلٍ أفضل في “المواجهة الاستراتيجية” أو في إدارة عملية التنافس الاستراتيجي مع الصين الشعبية وروسيا  الاتحادية. ولكن يعتبر كثيرون أن المواجهة المُزدَوِجة مع القوّتين ستُساهم في إحداثِ تقاربٍ قوي روسي – صيني، وأن البديل يفترض التركيز على الصين الشعبية المُنافس الأساسي للولايات المتحدة على القيادة العالمية، وبالتالي مُحاولة تحييد روسيا قدر الإمكان. ولا بدّ من التذكير أن هناك مصالح مختلفة بين الدول الغربية في علاقاتها مع كلٍّ من الصين الشعبية وروسيا الاتحادية تُعرقل بلورة استراتيجيةٍ غربية على صعيد السياسات العملية تحت سقف الرؤية الاستراتيجية المُشتركة: إنها “لعبة الأُمم” تحت عناوين جديدة .

  • الدكتور ناصيف يوسف حتّي هو أكاديمي، ديبلوماسي متقاعد ووزير خارجية لبنان السابق. كان سابقاً المتحدث الرسمي باسم جامعة الدول العربيةولاحقاً رئيس بعثتها في فرنسا والفاتيكان وإيطاليا، والمندوب المراقب الدائم للجامعة لدى منظمة اليونسكو.
  • يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” – (لندن) – توازياً مع صدوره في صحيفة “النهار”- بيروت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى