جِيلُ “زَد” الفلسطينيّ يُقوِّضُ السَرديّة الإسرائيلية

أسامة الشريف*

عندما اعتقلت إسرائيل منى ومحمد الكرد يوم الأحد الفائت بتُهَمٍ مُلَفَّقة، إندلع على الأثر “تسونامي” رقمي من الدعم والتضامن مع التوأم الأكثر شهرةً في فلسطين. دعا نشطاءٌ من جميع أنحاء العالم على “تويتر” و”فايسبوك” إلى الإفراج الفوري عنهما تحت علامات تصنيف (هاشتاغ) مُختلفة. توجّهت وسائل إعلام دولية مرة أخرى إلى حي الشيخ جرّاح المُحاصَر في القدس الشرقية المحتلة، فيما عقد والد التوأم نبيل الكرد مؤتمراً صحافياً أمام مركز شرطة الاحتلال الذي يُحتَجَزُ فيه ولَداه. وقد أُفرِج عنهما في وقت لاحق بكفالة ولكن ليس قبل أن تستخدم الشرطة الإسرائيلية المُسلّحة قنابل صوتية ودخانية لتفريق النشطاء السلميين ووسائل الإعلام. لقد خسرت إسرائيل جولة أخرى حيوية في مجال العلاقات العامة حيث تراجعت صورتها أكثر أمام الرأي العام الدولي.

إن الخطوة التي أقدمت عليها السلطات الإسرائيلية كانت حمقاء، مثلما كانت استفزازاتها الأخيرة للفلسطينيين في المدينة القديمة، وفي المسجد الأقصى، وفي حيَّي الشيخ جرّاح وسلوان العرب، التي أدّت إلى نتائج عكسية. في قلب المقاومة والتحدّي السِلمِيَين يوجد آلاف الشباب الفلسطينيين، وما يُسميه الكثيرون في وسائل الإعلام الآن الجيل “زَد” (الجيل الذي يلي جيل الألفية)، الذي تتراوح أعمار أفراده بين ستة و 24 عاماً. وقد إنتشرت آلاف الصور والمنشورات على الإنترنت وال”بودكاست” والمقابلات على نطاق واسع خلال الأسابيع القليلة الماضية، مما كشف عن وحشية الاحتلال الإسرائيلي واضطهاد الفلسطينيين العُزَّل في القدس والضفة الغربية. أصبح الشيخ جراح اسماً مألوفاً في جميع أنحاء العالم. نوقشت محاولة تهجير سكان هذا الحي العربي وإجلائهم قسراً في البرلمانات، بما في ذلك في الكونغرس الأميركي، في البرامج الحوارية الشعبية وفي غرف النوادي. تم إغراق “تويتر” و”تِك توك” و”إنستغرام” وغيرها بمشاركات من قبل شبابٍ ونُشطاءٍ فلسطينيين إلى حدٍّ كبير من جميع أنحاء العالم وهم يجردون ويُفنّدون قوانين إسرائيل التمييزية وسياساتها البربرية. وقد شجب السياسيون ونشطاء السلام ووسائل الإعلام الدولية ومنظمات حقوق الإنسان حربها ضد غزة التي استمرت 11 يوماً.

لأول مرة منذ عقود عديدة، تم صدّ ومواجهة آلة الدعاية القوية التي تستخدمها “زمالات هاسبارا” الإسرائيلية، أي البروباغندا الإسرائيلية، لنشر المعلومات بشكلٍ إيجابي حول الأعمال الإسرائيلية في جميع أنحاء العالم. حاول الديبلوماسيون الإسرائيليون بشكل محموم تبييض صورة إسرائيل المُشوَّهة. وواجههم على الفور نشطاءٌ من جميع أنحاء العالم، بمَن فيهم اليهود المُعادين للصهيونية. لم تكن العبارة المُبتذَلة الشائعة القائلة بأن “معاداة الصهيونية تساوي معاداة السامية” صائبة كما لم تَعُد صالحة وفي محلّها.

أصبحت ملحمة الشيخ جرّاح رمزاً للنضال الفلسطيني من أجل التحرّر من الاحتلال والخلاص الوطني. كان التوأم الكردي في مقدمة المقاومة السلمية.  في سن ال23 عاماً، مُثقفّان ومُستنيران جيداً، قدّما جيلاً جديداً من الفلسطينيين، غالباً ما يتم تجاهله، إلى العالم. إن هذا الجيل، الذي يُشكّل حوالي 24 في المئة من إجمالي السكان العرب في الضفة الغربية وقطاع غزة، هو الذي يقود الآن المقاومة السلمية ضد الاحتلال الإسرائيلي. لقد أتقن هذا الجيل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وتمكّن من تجاوز وسائل الإعلام الغربية، التي غالباً ما تكون غير مُبالية ومُتحيِّزة أحياناً، للوصول إلى ملايين الأشخاص، معظمهم من سنّ أفراده، حول العالم.

في حين أن القيادة الفلسطينية المُسِنّة والعجوز تزداد بُعداُ من شعبها، فإن الشباب الفلسطينيين هم مَن أصبحوا التحدّي الرئيس لإسرائيل على الأرض. في العام 2013، نشرت منظمة “اليونيسف” تقريراً بعنوان “أطفالٌ في الاعتقال العسكري الإسرائيلي” كشفت فيه أنه في السنين العشر الفائتة، احتجزت السلطات الإسرائيلية ما يُقدَّر بنحو 7,000 طفل، وتم استجوابهم، ومقاضاتهم و/ أو سجنهم داخل نظام القضاء العسكري الإسرائيلي – بمتوسّط طفلين في كل يوم. وقالت جمعية الأسير الفلسطينية، في نيسان (إبريل) الماضي، إن السلطات الإسرائيلية اعتقلت 230 طفلاً فلسطينياً منذ بداية العام الجاري.

التأثيرُ المُتزايد للشباب الفلسطيني ليس ظاهرة معزولة. يتم تعبئة الشباب في جميع أنحاء العالم لرفض القوانين التمييزية والظُلم في الداخل والخارج. هذا هو السبب في أن الملايين من الشباب من جميع مناحي الحياة نظّموا في الأسابيع القليلة الفائتة احتجاجات ضد الفظائع الإسرائيلية ورفعوا لافتات تصف إسرائيل بأنها دولة فصل عنصري. عرّفت الحركات الشعبية المتنامية “حياة السود مهمة وأنا أيضًا” نفسها بالنضال الفلسطيني السلمي ونشرت “هاشتاغات” بما فيها “حياة الفلسطينيين مهمة” #PalestinianLivesMatter الرائج الآن.

يُمكن أيضاً إلقاء اللوم على تآكل صورة إسرائيل على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي أدّى في محاولته الأخيرة المحمومة والحارقة لإنقاذ مستقبله السياسي إلى إشعال الوضع في القدس وأماكن أخرى في محاولة لاسترضاء مستوطنيه اليمينيين المتطرفين والمتعصّبين.

ما نجح في فعله بدلاً من ذلك هو توحيد الشباب الفلسطيني ليس فقط في القدس والضفة الغربية وغزة ولكن أيضاً داخل الخط الأخضر. إقتحمت العصابات المُعادية للعرب واليمين الإسرائيلي المتطرّف الأحياء العربية في اللدّ ويافا وحيفا وغيرها خلال حرب غزة، مما كشف الانقسامات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتزايدة داخل المجتمع الإسرائيلي، الذي يميل أكثر إلى اليمين المتطرف.

لسنواتٍ، ادّعى السياسيون الإسرائيليون أن الأجيال الفلسطينية الشابة سوف تنسى هويّتها وقضيّتها الوطنية، لكن في الأسابيع القليلة الماضية أثبتت المقاومة السلمية لجيل”زَد” الفلسطيني والتضامن العالمي مع الحقوق الفلسطينية أنهم مخطئون تماماً، وبأنّها قادرة على إبطال السردية الإسرائيلية.

  • أسامة الشريف هو صحافي ومٌعلّق سياسي مُقيم في عمّان، الأردن. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @OsamaAlSharif3

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى