السُلطَةُ والشَعبُ بعد “كورونا”؟!

عرفان نظام الدين*

فَتحَت جائحة “كورونا” وتداعياتها المُزلزلة الأبواب المُوصَدة وأظهرت حتمية الحوار من أجل الوصول إلى صيغةٍ جديدة و مُتطوِّرة للعلاقة بين السلطة والشعب وإزالة كل الموبقات السابقة من تفرّد وهيمنة وقمع وديكتاتورية وصولاً إلى عقدٍ اجتماعي جديد يقوم على المُشاركة وتوزيع المسؤوليات.

وأثبتت الأحداث أنه من غير المُمكن الاستمرار في النهجِ السابق في الشرق والغرب إذ أن الكورونا فضحت المستور وفتحت الأعين على حقائق مُرّة أوّلها حتمية الحرية والانفتاح والتخلّي عن سياسة التعميم.

صحيحٌ أن التداعيات والنتائج صحّية بامتياز، لكن المشهد العام لا يُفرِّق بين سياسةٍ واقتصاد وأسلوبِ حُكمٍ وأوضاعٍ إجتماعية تدور كلها في فلك ضرورة ايجاد الفرص والمُغريات لإعادة اللحمة وتعزيز التمسّك بامان الوطن والمواطن والتشجيع على الاستفادة من طاقات المُغتربين وإزالة أسباب هجرتهم.

فهل يُمكن أن يترك الإنسان أرضه وبيته ووطنه وأهله ويفرّ خارج الحدود نحو المجهول من دون سبب؟

وهل يفعل ذلك إنسانٌ يعيش في راحةٍ واطمئنان … كرامته مُصانة وعَيشه مؤمّن وحرّيته مُحترَمة وفكره مسموح ورأيه مسموع؟
هل يهرب مَن يشعر بوجود فسحةِ الأمل بأن تتحقق أحلامه ويقتنع بأن مُستقبله مضمون؟ هل يهرب الإنسان من الجنّة ويفرّ من السعادة ويرفض الحب والحرية والحقوق؟؟

هذه الأسئلة لا بدّ أن يوجّهها إلى نفسه كلّ مَن تابع وشاهد موجات الهروب؟

فهؤلاء لا بدّ أنهم وصلوا إلى قمّة المُعاناة والقهر حتى وصلوا إلى هذا القرار الخطير. ومَن يتحمّل مثل هذه المغامرة ويُعرّض نفسه للمخاطر والمهالك ويرمي نفسه إلى مصيرٍ مجهولٍ لا بدّ أنه وصل إلى قمّة اليأس والإحباط، ولم يعد أمامه سوى طريقٍ واحدٍ هو الهروب.

وليس هناك من تفسيرٍ لهذه الظاهرة إلّا وجود اسباب قاهرة تدفع للمطالبة بقيامِ عالمٍ جديدٍ يرفض الديكتاتورية والظلم والقهر وحكم الإرهاب الفكري والجسدي والمادي، فالكبت والتعتيم والستار الحديد والنفي والاعتقال والسجن والإعدام والتهديد والابتزاز والترهيب والترغيب، وهي بعض أسلحة الطغيان، لم تَعُد تجدي نفعاً مع الشعوب المُتعطّشة للحرية والعدالة والعيش بكرامة والتنعّم بشعارِ التقدّم الحضاري والإنساني .

وأختم مع التذكير بالمسابقة التي اُعلِنَ عنها منذ زمن رسمياً في موسكو لإقامة نصبٍ لضحايا جوزيف ستالين الذي حكم بالحديد والنار وقتل ونفي واعتقل الملايين، فاقترح بعضهم ان يُمثّل هذا النصب هرماً من الجماجم البشرية، فيما كتب أحد المتسابقين عبارة تصلح لإنذار أيّ طاغية وهي :”الأرضُ تكتم ولكنها تفضح كلّ الأسرار”… والله يُمهِل ولا يُهمِل.

  • عرفان نظام الدين هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي عربي. كان سابقاً رئيس تحرير صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى