“فشفيش”

راشد فايد*

يستعمل اللبنانيون في لهجاتهم المحكية كلمة “الفشفيش” لتوصيف عملٍ لا يأتي بما ارتُجي منه، وهذا ما يكادون يُجمِعون عليه في وصف رسالة رئيس الجمهورية ميشال عون إلى مجلس النواب، والتي تبدّى بوضوح أنها لا تختلف عن نهجٍ عوني مُعتاد يقوم على تهديد السلم الأهلي والإستقرار الوطني لغاياتٍ ذاتية، كتوزير الصهر، وتبوؤ رئاسة الجمهورية، بحماية سلاح “حزب الله”، والدفع بقوة الوقائع إلى تعديل اتفاق الطائف.

هذا “الفشفيش” جعلهم يحلمون بلحظة وعي تُعيد فخامته من غربته، وتُنتج رسالة ينتظرونها منه منذ انتخب بقوّة حليفه التهديدية مُستقاة من خطب “قصر الشعب” يعتقدونها تقول:

وددتُ اليوم أن أصارحكم. ولاية رئيس الجمهورية 6 سنوات، وأنا سأكتفي بـما انقضى منها، لأن الرئاسة مسؤولية، ومسؤوليتي أن أتقدم بالبلد، وهذا ما حققته. أنتم ترون كيف أعليتُ من سلطة القانون، وتلمسون كيف حرّرتُ القضاء من المحسوبيات. صحيح لم نُلغِ الطائفية لكنني خلصتكم منها في مجالات كثيرة، فلم تعد المؤسسات الرسمية إقطاعيات لطوائف، وبات الموظفون يأتون إلى دوائر عملهم يأكلهم الخوف من أن يتأخّروا، تماماً كما كان الحال في عهد فؤاد شهاب وفي الفترة القصيرة من رئاسة بشير الجميل. قد ينسى اللبنانيون كثيراً من وقائع الجمهورية، لكنهم، وبالتاكيد لن ينسوا إنشاء السدود وانجازاتنا في قطاع الطاقة فمنعنا تعيينات لم نجدها مُنصِفة طائفياً كما حال حرس الأحراج، فإذا لم يتوفّر عددُ مسيحيين مُوازٍ لعدد المسلمين فنترك الأحراج تحت رحمة الرب. المهم المناصفة ولو على حطب الغابات اللبنانية. لقد تفانينا في إتمام المهمة العظيمة، مهمة بناء الوطن و الدولة. إن هذه الأمة، سوف تنعم بنهضة جديدة للحرية في لبنان عربي الهویة والانتماء وهذا ما تعب “جبران” لتأكيده وبفضله تقدمت علاقاتنا مع العرب على غيرهم لا سيما مع ايران.

حين ندعو إلى دولة القانون في بلادنا؛ فإننا نعني دولة لا تنتصر للكبار وأصحاب الجاه والنفوذ على حساب شعبها، دولة لا تمنح حصانة لمتنفذ يعتدي على الأرض وما في جوفها، دولة لا تغمض عينيها عن التهريب وإفلاس الخزينة العامة. دولة قوية بمؤسساتها وقضائها.

لم أكن الرئيس النائم او الذي خذل وطنه و شعبه. لقد دعمتُ القضاء المستقل  ليكون لبنان دولة متقدمة لا توزع العطايا من المال العام، ولا تُساوم الفاسدين على القصاص، دولة لا يتجرّأ مسؤولٌ فيها على التدخّل في القضاء.

عليه سأكون مَن يتذكّره التاريخ كأول رئيسٍ للجمهورية يُحقّق العدالة لجميع اللبنانيين ولا يساوم أيّ فاسد و لا يتدخّل بالقضاء الحرّ المُستقل. ولأن التاريخ لا يرحم لاحقتُ كلّ مَن تواطأ و تورّط في قتل الشعب اللبناني وتدمير مدينة بيروت ودافعتُ عن لبنان السيادة والحرية والاستقلال، واحتكار الدولة السلاح وإمرة الدفاع عن الوطن وحفظ الأمن.

أختم رسالتي بتذكيركم بقول شعبي صيني هو” أنت تاتي إلى الحياة مرة واحدة، وعليك أن تترك أثراً. إن لم يكن إيجابياً فليكن سلبياً. المهم أن تترك أثراً.

ولقد فعلت!

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
  • يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازياً مع صدوره في صحيفة “النهار” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى