وعادت القضية الفلسطينية الى الواجهة

عرفان نظام الدين*

بحجرٍ فلسطيني شُجاع شجّ رأس العدو الصهيوني وأصابه بالجنون… وبرميةِ صاروخٍ مُتواضع عمّ الإرباك في إسرائيل واهتزّت أركانُها بعد سنواتٍ من التشدّق بالتفوّق العسكري والقوّة التي لا تُقهَر… وبجرّة قلم، أُعيدَت كتابة التاريخ الفلسطيني بعد محاولاتٍ لطمسه وتزويره.

صحيحٌ أن الثمنَ فادحٌ في الأرواح والممتلكات، لكن المقابل يستحق التضحيات وممارسة الجهاد وبذل الجهود لإحياء الآمال بعودةِ الحقوق إلى أصحابها الشرعيين. إنها ردة فعل طبيعية على محاولات إشاعة أجواء خيبات الامل وتعميمِ اليأس لدى الفلسطينيين والعرب الذين لم يستسلموا للتضليل وتحفّظوا عن الذين هرولوا وراء التطبيع ومغازلة الاسرائيليين.

وفور وقوع الأحداث الأخيرة سمعنا وجهات نظرٍ كثيرة ومُتضاربة تُجمع على التعاطف مع الشعب الفلسطيني فيما تحوّلت أقلية إلى نذير شؤم وتحريض على الذين عانوا الأمرّين منذ أكثر من ٧٠ عاماً ووصل الأمر الى الدعوة لقتل أهلنا في غزة.

وبغض النظرعن مخاوف الحريصين ومعرفتهم بالجرائم الصهيونية، فإن مَن ينتقد عليه أن يُقيم في مخيمات الذلّ والعار أو أن يُبتَلي بتجربةٍ مريرة يفقد فيها أطفاله في عدوانٍ صهيوني.

ومع العلم بأن لإيران دوراً في التحريض على التحرّك والتصعيد للاستفادة في تعزيز أوراقها في مفاوضاتها مع الولايات المتحددة للتوصّل إلى الإتفاق النووي الجديد بعد تزويد “حماس” و”الجهاد الإسلامي” بالأسلحة والصواريخ. إلّا أنها لم تُقدّم لهما وسائط الدفاع الجوي القادرة على وقف الغارات الوحشية وتقليل أخطارها بدلاً من تركها تُعربد في الاجواء بكل حرية.

في المقابل لا بدّ من القول أن الوقت غير مُناسب لإثارةِ الشكوك لأن الحصيلة كانت إيجابية رُغمَ فداحة الخسائر البشرية والمادية. ومن المناسب التذكير بأن غزة لم تبدأ بإشعال نار الحرب، بل جاء التصعيد من قبل إسرائيل التي بدأت تنفيذ مُخطَّط توسّعي للسيطرة على حي الشيخ جرّاح وهدم منازله إضافةً إلى انتهاك حرمة المسجد الاقصى المبارك، والتهديد باجتياحه من قبل المستعمرين الصهاينة.

الثابت أن الحصيلة كانت مُشجّعة إذ أن هذه الانتفاضة نجحت بجرّة قلم في مسح كل ما شهدناه من ذُلٍّ على يد الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب الذي منح إسرائيل ما لا يملكه في القدس الشريف ومرتفعات الجولان السورية المحتلة وأجزاء من الضفة الغربية المحتلة، فيما مارست إسرائيل كل انواع الانتهاكات للشرعية الدولية ومعاهدات السلام واتفاقات أوسلو ومعها خفض الآمال بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

وهكذا عادت القضية الفلسطينية الى الواجهة ومعها حتمية التاريخ التي فرضت إرادتها على الجميع وأوّلهم الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة الرئيس جو بايدن، وزاد التعاطف مع الشعب الفلسطيني في العالم كله، وعمّت الخيبة لدى العرب المخدوعين الذين هرولوا نحو الإعتراف والتطبيع مع إسرائيل.

ومع هذا، علينا أن نظلّ حذرين لان العدو غادرٌ، وقد يلجأ لأيّ عملٍ يقلب الاوضاع إضافةً إلى أن الاعتماد على المجتمع الدولي مُخيِّبة للآمال، والأهم هو أن أيّ حصاد للموسم الجديد من الحروب لن يُثمر ما لم يتّفق أصحاب القضية في غزة والضفة الغربية ويعود العرب الى المربع رقم واحد لتأكيد الدعم لقضيتهم المركزية الرئيسة لفرض السلام العادل والشامل.

  • عرفان نظام الدين هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي عربي مُقيم في لندن. كان سابقاً رئيس تحرير صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى