فلسطين ليست عربية!

راشد فايد*

هو المشهد نفسه يتكرّر منذ كان تقسيم فلسطين، الذي نندم اليوم على رفضه، وقد كان لنا، حينها، بعض القوة المعنوية، على الأقل، كـ”أمة” تربط عروة العروبة بينها، بعدما تبدّدت الحميّة الدينية، وأسقط المنتصرون في الحربين العالميتين الإمبراطوريات القديمة، وبزغت الإمبراطورية الأميركية الجديدة، وسوّغوا القوميات كوعاءٍ سياسي حديث، ما أن حقق التفتيت المطلوب منه لمصلحة الإستعمار الجديد، حتى حلّت مكانه الدول الكيانات، كما أنجزها الثنائي العقيد الإنكليزي مارك سايكس والفرنسي فرانسوا جورج بيكو، في اتفاقيتهما الشهيرة في العام 1916.

المشهد المقصود هو الإمعان الاسرائيلي في تفتيت القدس جغرافياً، وتصفية الفلسطينيين بشرياً، واستكمال الإحتلال، فيما يُمعن العرب في التسابق مع دول العالم، على رشق اسرائيل ببيانات الإدانة الودود، لكأن التطبيع يستدعي تذلل العرب، وهم المُعتدى عليهم منذ قرار التقسيم، وإبدائهم “التهذيب” في وجه جلف العدو ودمويته تجاه الفلسطينيين العزّل، إلّا من تمّسكهم بحقوقهم، فيما يكاد أهلهم العرب أن يدعوهم إلى تطييب خاطر اسرائيل، والإعتذار منها على “إزعاجها” بحقّهم.

ما لا تقوله الإدانات إن فلسطين لم تعد قضية العرب، لا الأولى ولا الأخيرة، ويكاد المرء يتساءل هل كانت كذلك يوماً، تحديداً بعد حرب 1973، التي حوّلت الهمّ العربي من تحرير فلسطين إلى تحرير الأراضي العربية التي صادرها الإسرائيلي المُنتصر، كالجولان وسيناء، بدليل وقائع ونتائج هذه الحرب. ولا يغيّر من ذلك اتخاذ نظام الأسد الأب في سوريا عنوان تحرير فلسطين يافطة لتغطية طموحه في توسيع هيمنته لتشمل “الورقة الفلسطينية والساحة اللبنانية” ليزيد قدرته التفاوضية مع تل أبيب تحت الرعاية الأميركية. في المقابل، ومنذ تقسيم القدس، بين العامين 1948 و1969، لم تُوفّر اسرائيل فرصة لتهويد المدينة، فجعلت من قسمها الغربي عاصمة لها، ونقلت الكنيست ومقر الحكومة إليه. وأعلنت في حزيران (يونيو) 1967 تطبيق القوانين الإسرائيلية على القدس، وهدم السور وتوحيد شطري المدينة، وغير ذلك من خطوات قوننة التهويد، في النصوص، وفرض تغييرات على الأرض. وكان الرد العربي في قمة الخرطوم بعيد هزيمة 1967 “مزلزلاً”: طلب انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي التي احتلتها يومها. و”سانده” قرار مجلس الأمن الرقم 252 بعدم جواز استيلاء إسرائيل على الأرض بالقوة، وبرفض تجاهلها تطبيق قرارات الأمم المتحدة.

يتماهى مع حالة الخصي السياسي العربي نسخة فارسية من الخذلان العربي، تلوح منذ الثمانينات من القرن الفائت بكنس اسرائيل، واستعداد فيلق القدس لهذه المهمة “الإلهية”، لكن، كما حليفه السوري، يترك لنفسه تحديد المكان والزمان، أي منذ 40 سنة، وفي انتظار ذلك “يتدرّب” وميليشياته بدم العرب وفي بلدانهم، ويُقبّل لحى الحاخامات، ويُفتّش عن دورٍ في رعايتهم، وفي حدٍّ أدنى بلا عداوتهم. وليست تركيا، أيضاً، أكثر فلسطينية من العرب.

فلسطين اليوم ليست قضية عربية، وليست اسلامية، ولا يستعيدها غير الفلسطينيين أنفسهم، وبأنفسهم.

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
  • يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازياً مع صدوره في صحيفة “النهار” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى