نَدرةُ المياه قد تُشعِلُ نزاعاً جديداً بين إيران والعراق

رُغم التقارب الذي حصل بين إيران والعراق بعد الإطاحة بصدام حسين، هناك مشكلة يشتعل فتيلها تدريجاً قد تؤدي إلى نزاعٍ بين الدولتين إذا لم تتوصّلا إلى اتفاق حول كيفية توزيع الثروة المائية.

هواري بومدين، صدام حسين والشاه محمد رضا بهلوي: عندما وقع الثاني والثالث برعاية الأول إتفاق الجزائر لتقاسم المياه

بَنَفشَه کينوش*

إيران والعراق على خلافٍ منذ سنوات وفي كثير من الأحيان حول قضايا المياه. يعتمد العراق على نهرَي دجلة والفرات للحصول على كل مياهه تقريباً. لكن الجمهورية الإسلامية تقوم ببناءِ سدودٍ لإعادة تحويل بعض تلك المياه، ما يُسبّب القلق ويُحدِثُ نقصاً كبيراً في المياه في العراق.

تُفضّل طهران عدم العمل مع بغداد في مشاريع المياه، وبدلاً من ذلك تختار الحلول السريعة لمشاكل المياه الخاصة بها. يتدفق حوالي ثلثي 10.2 مليارات متر مكعب من المياه الإيرانية التي تخرج من البلاد عبر حدودها فعلياً إلى العراق، مما قد يؤدي إلى نقصٍ كبير في المياه داخل إيران بحلول العام 2036.

لمعالجة القضية، أدخل الرئيس الإيراني حسن روحاني ما يسميه مشاريع الري “الحديثة” على طول الحدود الغربية مع العراق، التي تهدف مضاعفة حجم المنتجات الزراعية الإيرانية أربع مرات. في الواقع، المشاريع ليست حديثة كثيراً وتنطوي على بناءِ عدد من السدود الصغيرة. في العام 2019، على سبيل المثال، أعلنت إيران عن خططٍ لبناء 109 سدود على مدار عامين تقريباً، وإعادة توجيه المياه الزائدة في خزانات السدود إلى المقاطعات الأخرى المُعرَّضة للجفاف في جميع أنحاء البلاد.

من جانبها، تقول الحكومة العراقية إن انعدام الأمن المائي لديها صار حاداً جداً، وإنّ على إيران وقف هذا الانسداد المائي. وقد اتَّهم كلّ من حكومة إقليم كردستان والمتحدث باسم وزارة الموارد المائية العراقية إيران بإعادة تحويل نهر دجلة في الشمال، وانتهاك القانون الدولي الذي يُحظّر الاضطرابات والإعاقة الضارة في تدفقات الأنهار الطبيعية. لكن من وجهة نظر طهران، فإن أفعالها قانونية، نظراً إلى أن نهرَي الزاب الصغير وسيروان في إقليم كردستان ينبعان من جبال زاغروس الشمالية الغربية لإيران. وتُواصل الجمهورية الإسلامية تحويل نهر الزاب الصغير لإطعام بحيرة أورمية، بينما يتم تحويل نهر سيروان لمشاريع الري في منطقة ساربول زهاب الحدودية الإيرانية.

تحويل وتراجع تدفّق المياه

نتيجةً لأعمال إيران، انخفضت تدفقات نهر سيروان والزاب الصغير -وكلاهما من روافد نهر دجلة- بشكلٍ كبير. كما إن نفق نوسود المائي الإيراني، الواقع على بعد 10 كيلومترات فقط غرب سد داريان الكبير، حوّل مسار سيروان إلى كرمانشاه وأجزاء أخرى من غرب إيران. وقد تسبّب سد كولسة في منطقة سردشت الإيرانية في انخفاض منسوب المياه في الزاب الصغير بنسبة 80٪.

لمعالجة المشكلة في العام الفائت، إتّخذت حكومة إقليم كردستان إجراءً من جانب واحد من خلال مشروع بناء سد عدواني في الشمال، نظراً إلى أنه من المتوقع أن تنخفض تدفقات نهرَي دجلة والفرات بنسبة 50٪ أخرى بحلول العام 2030. وتقول حكومة إقليم كردستان إن هذه المشاريع الجديدة تعتبر السدود، إلى جانب السدود الـ17 الموجودة، ضرورية لتوليد الطاقة وتوفير المياه للري ومصايد الأسماك والسياحة، حتى لو كانت تُعيق إمدادات المياه إلى أجزاء أخرى من العراق. هذا أيضاً على الرغم من حقيقة أن المنطقة لديها موارد مائية وفيرة خاصة بها، على الرغم من سوء إدارتها.

في جنوب العراق المُتاخم لإيران، تتقلّص أهوار بلاد ما بين النهرين على الرغم من جهود الترميم. كانت منطقة الأراضي الرطبة هذه ذات يوم أكبر نظام بيئي في غرب أوراسيا. يؤدي تجفيف الأهوار إلى جانب هياكل السدود إلى تَمَلّحٍ شديد في الأنهار، بما في ذلك نهر كارون. تستخرج إيران المياه من هذا النهر وتُفرِّغ المياه الضارة من خلاله إلى شط العرب، وهي عملية تزيد من الملوحة. عندما سافر رئيس الوزراء العراقي آنذاك عادل عبد المهدي إلى طهران في العام 2019، دعا إلى دعم اتفاق الجزائر لعام 1975، الذي يُقسّم شط العرب بين إيران والعراق، والإدارة المشتركة لمشاريع المياه. ولكن منذ ذلك الحين، عقد البلدان اجتماعات قليلة فقط لتعزيز الإدارة المشتركة للمياه، ولم يبحث أيٌّ من الجانبين بجدية عن بدائل مثل تغيير أنماط الري التي تستهلك كميات كبيرة من المياه.

ونتيجة لذلك، حذّر مسؤولون محليون في كردستان العراق من أن مشاريع السدود الإيرانية وتحويلات المياه يُمكن أن تؤدي إلى كارثة كبيرة في السنوات القليلة المقبلة وتعجيل الهجرة البشرية الجماعية. كما أنها ستضرّ بالأراضي الزراعية والحياة البرية والسياحة. قد يتعرض حوالي 750 فداناً من الأراضي الزراعية و400 مشروع صيد للدمار. ونفق نوسود المائي، الذي بدأ تشغيله في العام الفائت في إيران، يُمكنه أن يسلب 100٪ من مياه الشرب في أجزاء من كردستان العراق، ويستنزف موارد الزراعة والصيد فيها. يوفر نهر سيروان والزاب الصغير المياه لمساحات كبيرة من العراق خلال موسم الصيف، عندما تنتعش المشاريع الزراعية. وقد انخفض تدفق النهر من إيران إلى نهر سيروان في أواخر العام الماضي إلى 7 أمتار مكعبة في الثانية، بانخفاضٍ كبيرٍ عن المستوى الأصلي البالغ 45 متراً مكعباً في الثانية. وانخفض تدفّق نهر الزاب الصغير إلى 2 مترين مكعَّبَين في الثانية، ما يعني بشكلٍ أساس توقف تدفق المياه. قالت مديرية السد في حكومة إقليم كردستان في العام الماضي، إن إيران قطعت تماماً التدفقات من مصدر مياه سد دوكان، الذي يعتمد عليه 100 ألف شخص، والذي يتّصل بالزاب الصغير.

قد تدفع التعقيدات المتعلقة بالإدارة السليمة للموارد المائية إيران إلى تجاهل مصالح العراق تماماً في المستقبل. علاوة على ذلك، فإن المخاطر الاقتصادية التي ينطوي عليها الأمر كبيرة. في الجمهورية الإسلامية، ترتبط مشاريع المياه المُربِحة على الحدود مع العراق بالمنظّمات الحكومية وشبه الحكومية القوية مثل خاتم الأنبياء، التابعة للحرس الثوري الإيراني؛ مؤسسة أستان قدس رضوي، التي تدير بعض صناديق الثروة الدينية الإيرانية؛ ومؤسسة “بونياد مستضعفان” (مؤسسة المُستضعفين) التي تُنفّذ مشاريع تنموية.

الحاجة إلى ديبلوماسية المياه

من السابق لأوانه القول ما إذا كانت إيران ستشهد صراعاً كبيراً مع العراق حول المياه في أي وقت قريب. لكن هذا ممكن، بالنظر إلى قضايا ندرة المياه المتزايدة. هذا هو السبب في أن خبراء السياسة في طهران يدعون إلى ديبلوماسية استباقية بشأن المياه تسير جنباً إلى جنب مع هدف إيران المتمثل في بناء الأمن الإقليمي مع 12 دولة مجاورة تشترك معها في تدفق الأنهار. في الوقت الحالي، يبدو أن نزاعات المياه بين العراق وإيران قد وصلت إلى طريق مسدود، وآفاق التعاون في مجال المياه العابرة للحدود بين البلدين قاتمة، على الرغم من أن هذه القضية سوف تحتاج إلى معالجة في مرحلة ما.

تمنع خطط التنمية الوطنية الإيرانية تدفق المياه عبر حدودها إلى العراق والدول المجاورة الأخرى، على الرغم من وجود اتفاقات مُشتَركة لإدارة المياه الحدودية السطحية مع الجيران، مما يسمح في كثير من الأحيان بحصة 50:50.

إذا كانت هناك نيّة حسنةَ لحلّ الخلاف على المياه، يجب على إيران والعراق تعظيم الاستفادة من تدفقات الأنهار المهدورة، والتي تُعتبَر كبيرة؛ إدخال تقنيات الري والطاقة المتجددة الحديثة؛ تحويل المياه إلى التنمية الصناعية على طول حدودها، وهي أقل استهلاكاً للمياه من المشاريع الزراعية؛ وإحياء الأهوار. داخل إيران، يدعو الخبراء في مركز الدراسات الاستراتيجية إلى وضعِ حدٍّ لما يُسمّى بـ”مافيات المياه” التي تضغط على البرلمان والحكومة من أجل المزيد من مشاريع بناء السدود وتحويل المياه. أخيراً، يجب على طهران وبغداد تطوير خططٍ للتعامل مع سد إليسو التركي على نهر دجلة. إن هذا السد سيَحدّ ويُقلّل من تدفق المياه في العراق ونهر الكرخة في إيران، الذي يُغذّي أهوار بلاد ما بين النهرين المشتركة بين إيران والعراق، وهي المنطقة التي يشار إليها باسم “طريق الحرير إلى السلام”.

  • بَنفشَه کينوش هي باحثة في الشؤون الخارجية وزميلة في المعهد الدولي للدراسات الإيرانية. قامت بعمل ميداني في الشرق الأوسط لمدة عقدين من الزمن، وكانت أخيراً باحثة زائرة في جامعة برينستون، وزميلة زائرة في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية. الآراء الواردة في هذه المقالة خاصة بها. يمكن متابعتها عبر تويتر على: @BanafshKeynoush
  • كُتِبَ المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى