“إِنجازاتهم”… والـ”إِصلاحات” الوهمية

بقلم هنري زغيب*

من أَسوإِ ما بَلانا به هذا الحُكْم المهترئُ المُتهالكُ بسيِّئاته وإِساءَاته، صياحُ أَركانه أَنهم “حقَّقوا” (؟!؟) “إِنجازات” و”إِصلاحات”. يتصايحون في ما بينهم -وشعبُهم في وادٍ رهيب من الحرائق- أَنهم “اخترعوا” قانون انتخابات (على قياسهم)، وأَفرجوا عن الموازنة (خرَّبوها بغبائهم في سلسلة الرُتَب والرواتب) و”إِنجازات” وهمية أُخرى يخجل من ذكْرها القلم. ثم جاءَت هذه الحكومة الكرتونية الكرنڤالية الكاريكاتورية الشوساء “تبشِّرنا” بأَنها حقَّقت (!؟) 97% من “الإِنجازات” التي “وعدَتْنا” بهـا: لا أَدري إِن كانت هذه الطبقة الحاكمة تَعي ما تقول، أَم هي النعامة البلهاء تَدفن في رمال الجهل رأْسها الطائش، وتحسب أَنَّ الشعب لا يرى وجهَها القبيح وما تدَّعيه من “فضائل”، كــ”الدفاع عن حقوق المسيحيين”، و”حفظ حقوق الطوائف” تحت شعار “الميثاقية الوطنية”.

ومن كثرة دفْن رأْسها تخلُط بين الإِنجاز والواجب، وبين الواقع والاتِّهام: يصارحها الشعبُ بالتقصير والعُقْم، فتعتبر المصارحة اتهامًا فيما هي عين الواقع بالوقائع والأَرقام. والشعبُ يلعنها لإِدراكه أَنَّ ما أَنجَزَتْه هو أَقلُّ واجبها، وإِلَّا فلماذا الشعب سلَّمها أَمرَ الحُكْم؟ الحُكْم قدَرٌ واجبٌ وليس خيارًا مزاجيًّا.

تَخلُط هذه الطبقة الحاكمة في العلاقة الوُثقى بين “الصلاحيات” و”الإِصلاحات”، بين الـ”إِنجازات” والـ”إِجراءات”: الـ”إِجراءات” شغْل الحُكْم الأَساسيُّ، والـ”إِنجازات” ما يضاف إِلى الـ”إِجراءَات” لصالح الشعب وهنائه لا مجرَّد ادِّعاء القيام بـ”إِصلاحات” وهمية يتناتشُها المتصايحون وحدَهم فلا يصفِّق لهم إِلَّا محاسيبُهم وأَغنامهم، لا تبلُغ المواطنين ولا القوى الدوليةَ التي تُطالب الحُكْم بها ولا تراها.

أَقصَرُ الطرق إِلى الحكم الراشد الرشيد: تطبيقُ القانون بصرامة، واحترامُ الدستور بحرفيَّته. هو وحده يَحمي البلاد فيضمنُ حقوق جميع المواطنين ويفرض عليهم جميع الواجبات فتنتفي الحاجة إِلى مَن يتصايحون بالدفاع عن حقوق الطوائف والميثاقية الوطنية.

كلُّ هذه، كأَنهم – أَقول “كأَنهم” مع أَني واثقٌ أَنهم – يتغاضَون عن كم صاروا مكروهين ممجوجين منبوذين صوتًا وصورةً وتصاريح، لا يستحقُّون ولا يستاهلون أَن يكونوا في الحُكْم، وليسوا جديرين بالثقة أَيًّا يكن ما يَعِدُون به من آمال وأَقوال وأَحوال، وما اخترعوه من “ديموقراطية توافقية” على قياسهم الأَكتع تغتال مفهوم الديموقراطية الصحيحة بأَكثرية تحكُم وأَقلية تعارض. وما زال تصرُّفُهم يغتال جسد الوطن دون روحه، لأَن روحه أَقوى منهم ومن أَسيادهم، وستقتُلُهم باللعنة عليهم وعلى أَسيادهم، فيما يخطِّطون لانتخابات قطعانية جديدة عوض البحث في مصير أَجيال جديدة تهُجُّ بسببهم من الوطن.

في القصص الغريبة أَن الوحش يقتُله الأَقوياء الشجعان، وأَن تنقلِبَ الأَدوار من “قتْل شعبٍ آمن” إلى شعبٍ دفاعًا عن أَولاده الجياع يخلَع حكَّامه عن كراسيهم الغلاظ، فينقلب الضحايا إِلى جلَّادين.

يوجعني أَن أَكتب بالغضب، بنار السخط بدل دفْءِ الكلمات، لكن ما أَوصلتْنا إِليه هذه الطبقة اللعينة لم يَعُد يَنفع فيها سوى السخط عليها والغضب، وشحْن شعبنا بهما حتى ينفجر البركان ذات يَهجمُ غاضبو الوطن على سفَّاحيهم وينقَضُّون عليهم في لحظة الفُجاءَة الفاجعة.

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو متابعته على موقعه الإلكتروني: henrizoghaib.com أو عبر تويتر:  @HenriZoghaib

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى