الإنتخاباتُ الفلسطينية لن تُغيِّر من واقع الإحتلال

بقلم أسامة الشريف*

إقترب الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة من موعد الانتخابات التشريعية، الأولى منذ 15 عاماً، حيث بدأت لجنة الانتخابات المركزية تلقّي طلبات تسجيل القوائم التي ستتنافس في 22 أيار (مايو) المقبل على ال132 مقعداً التي تُكوِّن الهيئة التشريعية. وقّعت الفصائل الفلسطينية في الأسبوع الفائت على “ميثاق شرف” تعهّدت فيه باحترام نتائج الانتخابات والإلتزام بقانونها بكل شفافية ونزاهة. اللاعبان الرئيسيان هما مُنظّمتا “فتح” و”حماس”. واحدة تُسيطر على الضفة الغربية والأخرى على قطاع غزة.

آخر مرة جرت فيها انتخابات نزيهة في العام 2005، إكتسحت “حماس” المجلس التشريعي، الأمر الذي أُجبر رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عبّاس، على تسمية إسماعيل هنية كرئيس للوزراء، وما لبث أن أقاله بعد بضعة أشهر، ما أدّى إلى اندلاع تمرّد من قبل “حماس” استولت خلاله على قطاع غزة بعد مواجهة دامية مع “فتح” والسلطة الفلسطينية. فشلت محاولات كثيرة لإنهاء التمرّد والتوصّل إلى مصالحة. حتى عندما تقول “حماس” إنها مستعدة لخوض الانتخابات المقبلة، فإنها لم تلتزم بعد بإنهاء سيطرتها على غزة.

إضطرَّ الرئيس عباس، الذي يحكم بمرسوم، إلى الدعوة إلى انتخابات تشريعية، تليها انتخابات رئاسية في تموز (يوليو)، إستجابةً لمطالب وضغوط الدول الأوروبية الراعية المالية الرئيسة للسلطة الفلسطينية. وتهدف الخطوة إلى تجديد شرعية المؤسسات الفلسطينية قبل استئنافٍ مُحتَمل لمحادثات السلام مع إسرائيل. وأصدر عباس عدداً من المراسيم المُثيرة للجدل في الأشهر الماضية يقول منتقدون إنها تُقيّد دور القضاء وتمنع النشطاء الشباب من الترشّح.

وخوفاً من اكتساح مُرشّحي “حماس” للإنتخابات، فكّر عباس في تشكيل قائمة مشتركة بين “حماس” و”فتح” لضمان الأغلبية في المجلس التشريعي المقبل. لكن ضغوط إسرائيل، وربما الولايات المتحدة، أخرجت هذه الخطة غير العادية عن مسارها. بدون التزام “حماس” بتسليم السلطة إلى السلطة الفلسطينية، سينتهي الأمر بقائمة مشتركة لترسيخ الانقسام السياسي والجغرافي للفلسطينيين. من المرجح أن تضفي الشرعية على ازدواجية جديدة من شأنها إضعاف القضية الفلسطينية. بالنسبة إلى إسرائيل، ستؤدي القائمة المشتركة إلى اتفاقٍ لتقاسم السلطة في الحكومة الفلسطينية المقبلة؛ وهذا أمرٌ غير مقبول وبغيض  بالنسبة إلى إسرائيل والولايات المتحدة، فكلاهما يصنّف “حماس” بأنها جماعة إرهابية.

لكن ما يخشاه المنتقدون الفلسطينيون لقضية الانتخابات هي أنها لن تؤدي إلّا إلى تطبيع الاحتلال وإعطاء فرصة جديدة لاتفاقات أوسلو. فهم يقولون أنه ليس من الطبيعي لشعبٍ تحت الإحتلال أن يُجري انتخابات حيث يسيطر فيها المحتل على الأرض ويمكنه أن يحبط عملية الانتخابات ونتائجها. وكانت إسرائيل اعتقلت عدداً من النواب في الهيئة التشريعية السابقة، ما يؤكد حقيقة أن لها الكلمة الأخيرة وأنه لا حصانة لأي مسؤول مُنتَخَب.

علاوة على ذلك، يقول النقاد إنه بعد أكثر من 25 عاماً، أثبتت اتفاقات أوسلو أنها فشلت بشكلٍ ذريع. تراجعت إسرائيل عن معظم التزاماتها وتُواصل توسيع المستوطنات وهدم منازل الفلسطينيين والسماح للمستوطنين بترويعهم على أساس يومي وخرق المناطق الواقعة تحت سيطرة السلطة الفلسطينية من دون عقاب. لم تلتزم إسرائيل بعد بالسماح للفلسطينيين في القدس الشرقية بالتصويت.

في غضون ذلك، تعجّ “فتح”، وهي أكبر فصيل فلسطيني، بالانقسامات الداخلية. الشباب الفلسطينيون، الذين يُشكلون غالبية السكان، سئموا من الطبقة الحاكمة التي يبلغ متوسط ​​أعمارها حوالي 70 عاماً. كانت هناك محاولات داخل “فتح” لتسمية مروان البرغوثي، الذي يقضي عقوبة بالسجن المؤبد في سجن إسرائيلي، كمرشّح رئاسي . لكن، عباس قام بطرد أحد زعماء “فتح” وصديق البرغوثي منذ فترة طويلة ناصر القدوة لقراره تشكيل قائمته الخاصة لخوض الانتخابات.

ورُغم تمهيد الطريق لإجراء الانتخابات، يقول بعض المراقبين إن عباس (85 عاماً) قد يؤجّل موعد الاقتراع إذا شعر أن “فتح” قد تفقد الأغلبية في المجلس التشريعي المقبل. كما أنه من غير المُحتَمل أن تجري الانتخابات الرئاسية في موعدها. جديرٌ بالذكر أن عدداً من العواصم العربية والأجنبية ستراقب بقلق نتيجة الانتخابات التشريعية، ويشمل هذا الأمر عمّان والقاهرة وأنقرة والدوحة. سيكون على المحك أداء “حماس” المحسوبة على جماعة “الإخوان المسلمين” في غزة والضفة الغربية.

ستُجرى الانتخابات الفلسطينية بعد شهرين من توجّه الإسرائيليين إلى صناديق الاقتراع للمرة الرابعة خلال عامين. الإحتلال ومصير عملية السلام لم تكُنا من أولويات الناخبين والمرشحين الإسرائيليين. إن نتيجة الاستطلاع الإسرائيلي لن تُغيّر من واقع الاحتلال لأكثر من خمسة ملايين فلسطيني. إذا افترضنا أن الانتخابات الفلسطينية ستكون حرة ونزيهة، فقد يتضح أنها الحدث الأكثر أهمية منذ توقيع اتفاقات أوسلو، أو من المفارقات أنها قد تعزز الواقع السياسي المُحزن الذي يواجهه الفلسطينيون منذ العام 1993.

  • أسامة الشريف هو صحافي ومحلّل سياسي مُقيم في عمّان، الأردن. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @OsamaAlSharif3

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى